في مطلع عام 2006 وفي احد ايام شتاء العاصمة الاردنية عمان الباردة وجدت نفسي وبرفقتي طاقم تلفزيوني يتكون من مخرج ومصورين مع كاميراتهم وبقية اجهزة نقف في منطقة خلدا الراقية على عتبة شقة الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميم بعد ان كنت قد اتصلت به هاتفيا مسبقا واتفقت معه على اجراء حوار تلفزيوني لحساب قناة البابلية الفضائية حينها ، وقد وجدت لديه هو الاخر رغبة كبيرة للحديث عما كان يجري في العراق حينها ، واظن والله اعلم ان ذلك كان اول ظهور تلفزيوني للشيخ الهميم بعد احتلال العراق ..
كان العراق يعيش اياما سودا وهو يحترق بنيران العنف الطائفي الذي بلغ ذروته وكان قتل الناس في الشوارع بالجملة ونزيف من الدم لم ينقطع ، وكان تنظيم القاعدة من جهة والميليشيات المسلحة من جهة اخرى قد فتكا بالبلاد وقتلوا خيرة الرجال والشباب بدوافع طائفية .. بعد ان شربت وهو “استكانات” من الشاي العراقي لتدفئة المعدة ، حيث كان اولاده يؤدون واجب الضيافة الحسنة لنا في تلك الشقة الجميلة المؤثثة بلمسات متواضعة لكنها راقية ، داهمته باسئلتي التي كانت تقترب من الاستفزاز لاسيما ان الحوار لم يكن سهلا بحكم تلك الظروف التي كانت تعيشها البلاد ، الا اني لم اجد من الرجل والحق يقال غير كلاما مسؤولا منطقيا ينم عن نضج وعقلانية .
ذلك التسجيل التلفزيوني أنشا بيننا خيط علاقة وصداقة وان كانت بعيدة لكنها مبنية على الاحترام تتجدد كلما التقينا في مناسبة اجتماعية تخص العراقيين في عمان وكذلك الحال مع اولاده الذين كبروا وصاروا يتحملون مسؤوليات عمل تجارية واعلامية وابتعدنا اكثر بعد ان شغلته الحياة بتفاصيل اخرى عندما اسس في القاهرة قناة فضائية اسمها “الحدث” ثم عاد منتقلا من جديد وناقلا معه القناة الى عمان ..
وفي الفترة التي كان فيها بمصر كنت اسمع كلاما كثيرا مغزولا بروايات عن علاقات للدكتور عبد اللطيف الهميم مع الايرانيين وعن دعمهم له وتعامله معهم وزيارات قام بها الى ايران ..و..و كلام اخر طويل ، لكني لم اكن اشأ ان اصدق هذا الكلام او اني كنت احاول ان اجد مخرجا موضوعيا لاسباب تلك العلاقة ان صحت حقيقتها .. والسبب في ذلك اننا كعراقيين عانينا ماعانيناه من جارتنا ايران ومن ايذاءها لنا ، وهنا لااريد ان اعود الى عهود غابرة قدر مانتصفح ماعاصرناه وعشناه سواء كان ذلك في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، او من بعدها ماقدمه الايرانيون للمحتل الامريكي من دعم لوجستي للثأر من العراق ، وماجرى بعد انسحاب الجيش الامريكي من تغول ايراني وهيمنة ونفوذ دمرت البلاد وانهكت العباد ، فالناس في العراق يعتبرون ان عارا كبيرا يقع على كل من يقيم علاقة مع الايرانيين باعتبارهم اعداء تقليديين وتاريخيين لبلادنا خاصة وللعرب عامة ..
لم اتوقف عند تلك الروايات التي كنت احاول مع نفسي ان اكذبها لان كلمات الشيخ الدكتور الهمام عبد اللطيف التي سجلتها في تلك المقابلة التلفزيونية ماتزال ترن في اذني حين نعت ايران بجارة السوء والشر لادارتها العمليات المنظمة لقتل العلماء والضباط والطيارين وقادة بعثيين قام بها فيلق بدر الذي كان يترأسه الحكيم وبتنفيذ من مجاميع بقيادة هادي العامري ، كما وصف “القاعدة” بالتنظيم الوحشي بسبب الجرائم التي كانوا يرتكبونها ضد العراقيين حينئذ ، فكيف لي ان اصدق كل ماينسج من كلام وماينشر من تهكمات في وسائل التواصل التي لم اجد لها مصدرا دقيقا يؤكدها ؟
قبل يومين او ثلاثة كنت اتابع حوارا اداره لقناة سامراء الزميل الاعلامي الهاديء والطيب مقداد الحميدان الذي اعرفه عن قرب مع الدكتور الهميم وحرصت على متابعة الحديث حتى نهايته ، الا اني صعقت وانا استمع لكلمات الشيخ عندما اشاد بشجاعة “قاسم سليماني” وهو الذي كان يقود الهجومات ضدنا في الحرب العراقية الايرنية في زمن الرئيس صدام حسين .. ثنائية لم افهمها !
عذرا .. اتوقف عن كتابة بقية سطور المقال لانها ستضع الشيخ الدكتور الهميم امام موقف صعب لايحسد عليه ، وانا لااود ذلك .