المدخل: يشهد العالم سباقاً محموماً نحو التسلح وتتنافس القوى الكبرى فيما بينها على امتلاك اسلحة متطورة وفعالة لردع الخصوم والاعداء المحتملين ولتأكيد تفوقها في هذا السباق الذي لاينفصل عن صراع المصالح والنفوذ، و في هذا المجال تمتلك روسيا ترسانة من الصواريخ فرط صوتية الحديثة والسريعة للغاية والتي يصعب رصدها واعتراضها من وسائل الدفاع الجوي المعادية وبامكانها تجاوز دفاعات الخصم بشكل أقوى من الصواريخ الباليستية.
لقد كشفت روسيا عن الصواريخ الفرط صوتية لأول مرة عام 2018 ووصفها الرئيس الروسي بأنها (السلاح الذي لايقهر)، وان روسيا تعد دولة رائدة في هذه التقنية، واستخدمت هذه الصواريخ الفرط صوتية منذ الاسابيع الاولى من حربها على اوكرانيا.
ويذكر الكرملين بأن الاسلحة فرط الصوتية قادرة على التغلب على أي أنظمة دفاع صاروخي أجنبية، وتتوافق فكرة الاستخدام بشكل واضح مع مفهوم ماقبل الردع النووي الوارد في العقيدة العسكرية الروسية الرسمية.
فيما ردت اوكرانيا واعلنت عن تمكن دفاعاتها الجوية اعتراض صواريخ روسية نوع (كيجنال) الفرط صوتي في سماء كييف وقد تمكنت من اسقاط احداها في مايس 2023 باستخدام منظومة الباتريوت الامريكية ، بينما نفت موسكو سقوط احد صواريخها وذكرت عن تمكن الصاروخ (كينجال) من تدمير منظومة باتريوت أمريكية في اوكرانيا.
الصواريخ فرط الصوتي
السلاح فرط الصوتي هو السلاح الذي تفوق سرعته سرعة الصوت بمقدار 5 – 25 ضعف سرعة الصوت. وفوق هذه السرعات تنفصل جزيئات الغلاف الجوي إلى بلازما مما يجعل التحكم والاتصال صعبًا وتتميز هذه الصواريخ عن التقليدية بانها سريعة للغاية ويصعب اعتراضها ورصدها من قبل انظمة الرادار مقارنة بالصواريخ الباليستية التقليدية .
وتمتلك القوات الصاروخية الروسية الصواريخ فرط صوتية في حربها ضد اوكرانيا سلسلة من الصواريخ منها من طراز كينجال او الخنجر بمدى 2000كم وسرعة 10 ماخ، والصاروخ افانغارد (الرائد) بمدى 6000 كم وسرعة 27 ماخ وهي قادرة على تغيير مسارها وارتفاعها بشكل غير متوقع ، وصاروخ زيركون المضاد للسفن بسرعة 9 اضعاف سرعة الصوت وبمدى 1000كم ويمكن اطلاقه من الغواصات والسفن البحرية ضد حاملات الطائرات والقطع البحرية . ويجري إطلاق هذه الصواريخ من الجو وغالبا من مقاتلات من طراز “ميغ-31″، و من على متن السفن والغواصات فضلا عن قدرتها على حمل رؤوس نووية أضافة الى التقليدية.
اما الاهداف الملائمة لمثل هذا النوع من الصواريخ فهي حاملات الطائرات والقطع البحرية في عرض البحر ، ومراكز القيادة السياسية والعسكرية وكذلك مراكز السيطرة والاتصالات والمواقع الاستراتيجية الاخرى والقواعد الجوية ومنظومات الدفاع الجوي الحديثة ومعامل التصنيع الحربي .
الاسلحة الفرط صوتية
لم تقتصر تقنية الفرط صوتي على الصواريخ بل هناك أنواع أخرى من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت منها:
- المركبات الانزلاقية فوق سرعة الصوت (HGV): رؤوس حربية صاروخية تناور وتنزلق عبر الغلاف الجوي بسرعات عالية بعد مرحلة إطلاق باليستية أولية.
- صواريخ كروز التي تستخدم محركات مثل محرك نفاث فرطي للوصول إلى سرعات عالية.
- طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت تستخدم محركات مثل محرك نفاث فرطي الصوت للوصول إلى سرعات عالية.
- المدافع الكهرومغناطيسية التي تطلق مقذوفات موجهة
- الصواريخ الباليستية التي تحلق بسرعات عالية أثناء عودتها إلى الغلاف الجوي.
سرعة الصواريخ فرط صوتي
تستطيع الصواريخ الفرط صوتية الطيران بمعدل أسرع ما بين خمس إلى عشر مرات من سرعة الصوت،أي من 5 – 10 ماخ. لكن من الصعب تحديد الفارق بينهما بسبب عدم وجود رقم ثابت لسرعة الصوت، لأن الأمر يعتمد على متغيرات تتمثل في الوسيط ودرجة حرارة الوسط الذي يتحرك من خلاله الجسم أو الموجة الصوتية.
و للمقارنة، فإن طائرات كونكورد التجارية، تطير بمعدل يبلغ ضعف سرعة الصوت، وتصل سرعتها القصوى إلى 2180 كلم في الساعة أي 2 .014على مقياس ماخ، وهو رقم يمكن من خلاله قياس سرعة هذا النوع من الصواريخ الروسية بضعف سرعة الكونكورد على الأقل ثلاث مرات.
ويذكر بعض الخبراء إن هذه الصواريخ تطير بسرعة 6 آلاف كلم في الساعة، أي 5 ماخ، فيما يرفع آخرون الرقم إلى 9 أو حتى 10 ماخ، وبسبب هذه السرعة لا تستطيع أنظمة الرادار رصدها بشكل واضح.
وفي ذلك، أشار خبراء عسكريون في موقع Military الأمريكي، إلى أنه في كلا الحالتين فإن “ضغط الهواء أمام هذه الصواريخ يشكل سحابة بلازما خلال التحليق تعمل على امتصاص الموجات اللاسلكية”. وهذا يجعل من الصعب رصد صواريخ “كينجال” الروسية وغيرها من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على أنظمة الرادار.
طيران الصواريخ الفرط الصوتي
وثمة عامل آخر يميز الصواريخ فرط صوتية يتمثل في قدرتها على التحليق على ارتفاع منخفض على خلاف أنظمة الصواريخ الباليستية، حيث تتبع هذه الصواريخ مسارا منخفضا في الغلاف الجوي، ما يعني أنه عندما تتمكن الأنظمة التقليدية للدفاع الجوي من رصدها، فإنها تكون قد اقتربت بشكل كبير للغاية من أهدافها وفي كثير من الحالات يكون قد فات الأوان لاعتراضها وتكون قد دمرت الهدف، علاوة على ذلك، يمكن للصواريخ الفرط صوتية تغيير مسارها أيضا.
خطورة الصواريخ الفرط صوتية
تتميز هذه الصواريخ بقدرتها على الطيران بسرعات تتجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت التي تساوي 343 متر/ ثانية ويعني ذلك ان سرعة الاسلحة فرط صوتية يمكن ان تصل الى 6 الاف كيلومتر في الساعة .
فالصاروخ فرط صوتي مثل “كينجال” الروسي يمكنه أن يضرب أهدافا بعيدة عن نقطة انطلاقه بألفي كلم حسب التأكيدات الروسية، ولكن بشكل عام فإن الصواريخ من هذه النوعية يمكنها أن تصل إلى مدى ألف كلم. وفي كلتا الحالتين، تمثل هذه الصواريخ خطرا كبيرا على الدول القريبة من روسيا. والأهم قدرة هذه الصواريخ على المناورة على غرار صاروخ كروز وهو امر يجعل تعقبه واعتراضه اكثر صعوبة.
و في حال نصب روسيا قواعد لهذه الصواريخ في منطقة كالينينغراد الروسية المحاذية لبولندا وليتوانيا وبحر البلطيق، فإن هذا سوف يجعل العديد من العواصم الأوروبية بما فيها برلين التي تبعد عن كالينينغراد بـ600 كلم، في مرمى هذه الصواريخ.
هل الصواريخ الفرط صوتية فعلا لا تقهر؟
عندما كشفت روسيا عن الصواريخ الفرط صوتية لأول مرة عام 2018، وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها “سلاح لا يُقهر”. قد يكون هذا الوصف من قبيل الدعاية الروسية لمحاولة تخويف وردع الخصوم ، غير أن ما ذكره بوتين فيه شيء من الصحة كون هذا النوع من الصواريخ مختلف عن الصواريخ الباليستية التقليدية، بامتلاكها القدرة الكبيرة على تفادي محاولة اعتراضه وإسقاطه من قبل أنظمة الدفاع الجوي حتى المتطورة منها ، نظرا لسرعتها العالية وطيرانها على مستوٍ منخفض. لكن موسكو قد لا ترغب في استخدام هذه الصواريخ بشكل عشوائي.
وروسيا ليست الوحيدة التي تطور صواريخ مماثلة ، إذ تشير المعلومات الى ان الولايات المتحدة والصين في مراحل متقدمة من تصنيع هذه الصواريخ فضلا عن المانيا والهند واستراليا وايران وكوريا الشمالية.
وان سباق الاسلحة وحيازة الفرط الصوتية يحدث ثورة في سباق التسلح العالمي ويضيف طريقة جديدة لايصال الاسلحة النووية الى اهدافها ، ويكمن الخطر الرئيسي لهذه الصواريخ في عدم القدرة على معرفة إن كان صاروخ العدو يحمل رأسا تقليديا او نوويا.
وتشارك الولايات المتحدة واليابان في تطوير صاروخ اعتراضي فرط صوتي هايبرسونيك ردا على الصواريخ التي تطورها روسيا والصين وكوريا الشمالية .
ويبقى الصراع مستمراً ومفتوحاً بين الاسلحة والاسلحة والوسائل المضادة ، و عملية التوصل الى وسائل متطورة لكشف واعتراض مثل هذا النوع من الصواريخ تبقى احتمالاً قائماً وتحدياً جدياً امام مؤسسات البحث والتطوير وشركات تصنيع الاسلحة في الدول المتقدمة في مجال الصناعات الحربية .