كان الأردن وما زال في طليعة الدول التي أصبحت ملاذا آمنا لمئات آلاف العراقيين الباحثين عن الأمن المفقود في بلادهم.
ومنذ فرض الحصار على العراق بعد تداعيات اجتياح الكويت عام 1990 وما تلاه من حروب واحتلال للعراق عام 2003 مرورا بالعنف الذي خلَّفه الاحتلال، وجد العراقيون في الأردن نافذتهم على العالم بعد أن سدَّ الحصار أفقهم على العالم الخارجي، وأصبح الأردن بلد العراقيين الثاني بفعل التسهيلات التي قدَّمتها القيادة الأردنية لاستقبالهم وتسهيل إجراءات دخولهم للمملكة بأيسر السبل.
وبعد مرور 18 عاما، كيف تبدو أوضاع العراقيين في الأردن؟ وهل تأقلموا مع الحياة وأصبحوا جزءا منها؟ وهل غيَّر وجودهم من بعض ملامح عمَّان وأضاف إلى معالمها نكهة وطعما عراقيا؟
وتتضارب المعلومات الخاصة بأعداد العراقيين الموجودين في الأردن، ولا تتوافر إحصائية دقيقة بأعدادهم، وبينما يتمركز وجود العراقيين في العاصمة عمَّان، فإن أعدادا من العراقيين يقطنون في مدن أخرى مثل الزرقاء وإربد والسلط.
وتتداول الأوساط الإعلامية والسياسية أرقاما لأعداد العراقيين في الأردن كانت تصل قرابة نصف مليون، والآن تراجعت أعدادهم إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، يلمس زائر الأردن حضورا كبيرا للجالية العراقية في الأسواق وأماكن التبضع وسوق العقارات، كما انتشرت المطاعم العراقية فضلا عن المنتديات الثقافية.
إن العراقيين الموجودين في الأردن جاءوا على ثلاث موجات؛ الأولى تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهؤلاء ليسوا بالأعداد الكبيرة، أما الموجة الثانية فقد كانت أكبر وابتدأت مع حقبة الحصار على العراق في تسعينيات القرن الماضي، وأكبر الموجات كانت بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث ازدادت الفوضى وضعفت الخدمات وعمليات القتل والاختطاف في العراق.
ورغم مصاعب الحياة، إلا أن الحياة الثقافية للجالية العراقية مزدهرة، خصوصا الفن التشكيلي العراقي في الأردن، إنها نشيطة ومتميزة، خصوصا بالنسبة للفنانين العراقيين.
لقد شهد النشاط التشكيلي في عمَّان ازديادا بعد احتلال العراق عام 2003 بشكل ملحوظ؛ لأن الفن التشكيلي هو فن نخبوي، ولا وجود لنخبه وسط ساحة الحروب؛ أي أن الحرب والفن نقيضان. وبما أن العراقيين لهم باع طويل وجذور عميقة في مجال الفنون التشكيلية، ما اضطرهم مجبرين للجوء إلى دول الجوار، والأردن هي خير مكان لإقامة مثل هكذا نشاطات.
يقابل ذلك موجات من الكفاءات هاجرت من العراق منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 بعد تعرُّض الكفاءات إلى القتل والتهديد والخطف والتهجير، وفي عمَّان كان هناك أكثر من 3500 طبيب، هاجر معظمهم إلى دول أوروبية واسكندنافية، وكان أغلب هؤلاء الأطباء من المتخصصين والأكاديميين.
وتُعد قضية التعليم والرعاية الصحية الأكثر إلحاحًا بالنسبة للاجئين العراقيين، لكن سماح الأردن للعراقيين بتدريس أبنائهم في المدارس الحكومية خفَّف من قلقهم.
ومن بين آلاف العراقيين الذين تقدموا بطلبات لجوء لمكتب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في عمَّان، حصل الكثير منهم على بطاقة لاجئ في دولة أجنبية حسب معلومات صحافية نشرت مؤخرا، بينما تفضل الحكومة الأردنية تصنيف العراقيين على أراضيها بأنهم ضيوف.
إن اندماج الجالية العراقية بالمجتمع الأردني ليس سببه الاستثمار والمصالح المشتركة، وإنما التزاوج بين الأردنيين والعراقيين. فقد سجلت الأعوام الماضية ارتفاعا في معدلات زواج الأردنيين بالعراقيات وبالعكس، وهذا بتقديرنا، يعزِّز أواصر العلاقة، ويُجذِّرها بين الشعبين الشقيقين في شتَّى المجالات

996