تَستمرّ في العراق منذ أسبوعين الربكة السياسيّة المتطوّرة، بعد تقديم نوّاب التيّار الصدريّ استقالاتهم الجماعيّة من البرلمان!
ويحمل المشهد السياسيّ العراقيّ الحاليّ في طَيّاته، وبالخصوص مع إصرار مقتدى الصدر على استقالة نوّاب كتلته البرلمانية، جُملة من السيناريوهات الحسّاسة والخطيرة، ومنها:
– بقاء حكومة مصطفى الكاظمي: وهذا السيناريو هو الأهدأ، كون حكومة تصريف الأعمال الموجودة مَقْبُولة من نصف القوى السياسيّة تقريبا بما فيها التيّار الصدريّ، وبالتالي استمرار الانغلاق السياسيّ.
– قبول الصدر بوساطة بعض القيادات: وهذا السيناريو يَهدف لدفع الصدر للتراجع عن استقالات نوّابه، وبالنتيجة عودة التيّار للبرلمان، ورضوخ الكيانات “الشيعيّة”، لشروط الصدر وخياراته المتعلّقة برئيسيّ الجمهوريّة والحكومة القادِمين!
وهذا السيناريو انتهى يوم أمس الخميس مع جلسة البرلمان الطارئة، وأداء النوّاب الاحتياط البُدَلاء لنوّاب التيّار؛ اليمين الدستوريّ لعضويّة البرلمان!
– حلّ البرلمان: من المرجّح اتّفاق القوى الفاعلة مع استمرار الانغلاق السياسيّ على حلّ البرلمان، والذهاب للانتخابات البرلمانيّة المبكّرة، والتي لن يَشترك فيها الصدر، بحسب قوله، إلا بالخلاص من الفاسدين والمتورّطين بدماء العراقيّين!
– تَشكيل الإطار التنسيقيّ للحكومة المقبلة ودون مشاركة الصدر: بَدَت ملامح هذا السيناريو بعد الجلسة البرلمانيّة ليوم أمس الخميس وسيطرة الإطار (برئاسة نوري المالكي) على أكثريّة المقاعد، ولكن حتّى لو شُكّلت حكومة “إطاريّة” فستكون أضعف حكومة بعد العام 2005 ويُمكن أن تنهار في أيّ لحظة.
– ذهاب الصدر للمعارضة الجماهيريّة: وهذا يعني بأنّه قد تُعاد للأذهان مناظر الخيام أمام بوّابات المنطقة الخضراء ببغداد، وعودة المظاهرات الشعبيّة.
وقد تَمتدّ المظاهرات لمدن الجنوب التي يمتلك الصدر فيها شعبيّة كافية لقلب الطاولة على الجميع بكلمة واحدة منه!
وتلك الحشود الجماهيريّة -ربّما- ستضغط لإسقاط العمليّة السياسيّة الخالية من التيّار، وقد تكون بداية لبناء مرحلة جديدة، أو لانطلاق موسم الربكة العامّة القاتلة!
وقد ظهرت ملامح هذا السيناريو المُتنامي ببعض المدن ومنها الناصرية والمثنى وبابل وغيرها وفي بعض أحياء العاصمة بغداد، حيث شهد الأسبوع الماضي مظاهرات غاضبة تُطالب بالتعيينات والخدمات.
وبالمجمل، لا نَعلم تَبعات مظاهرات الجنوب والاعتصام البغداديّ المتوقّع بقوّة، وربّما بحضور الصدر شخصيّا، وهل ستنتهي تلك الفعّاليات بمجرّد حصول التيّار على مكاسب جديدة، أم أنّ الحالة مختلفة هذه المرّة، وأنّ الصدر لن يتراجع إلا بقلب الطاولة على “الإخوة الأعداء”، وحينها سنواجه السيناريو الأخطر؟
– المواجهات المليشياويّة- المليشياويّة: وهو السيناريو الأخطر، ويجري الإعداد له بهدوء، وبالذات من الصدريّين. وتُشير بعض المعلومات الخاصّة التي نُقلت إليّ من الجنوب أنّ الألوية العسكريّة الصدريّة (جيش المهدي، واليوم الموعود، وسرايا السلام) قد دخلت حالة الإنذار، وتنتظر توجيهات زعيمها للسيطرة على الشارع الجنوبيّ، وأنّ بعض قيادات وعناصر الفصائل الأخرى قد تركت مدينة العمارة (390 كلم جنوبيّ العراق)، على وجه التحديد، وغادروها لمدن أخرى خوفا من التصفيات الجسديّة!
ومن المؤشّرات الخطيرة عثور قوّات الأمن، الجمعة (24 حزيران/ يونيو 2022)، على منشورات بمدينة الصدر المغلقة للصدريّين تحمل عبارة: “البديل قادم”!
فما هو “البديل القادم” المُنتظر؟
والفرضيّة الدمويّة حذّر منها زعيم منظّمة بدر (هادي العامري) قبل أسبوع، وأكّد بأنّ “مَنْ يُراهن على القتال الشيعيّ- الشيعيّ مُتوهّم، ومَنْ يُفكّر بتأجيج الفتنة سيحترق بها، والفوضى خسارة للجميع”!
وقد تَمتدّ نيران الفوضى لمدن أخرى، وهذا ما نَبّه إليه قبل أيّام رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان برزاني: “ننظر بقلق للتطوّرات السياسيّة، ونأمل ألا تكون هناك فوضى”، وهي تحذيرات جاءت بعد ساعات من تهديد مسعود برزاني بأنّ “الأسوأ من الحرب هو الاستسلام، ونحن لن نستسلم”! وهذا تحذير واضح للمليشيات التي تستهدف الإقليم!
وسيناريو المواجهات المسلّحة حذّر منه معهد الشرق الأوسط الأمريكيّ للدراسات منتصف حزيران/ يونيو الحاليّ، وأكد أنّ “اللجوء للنزاع المسلّح بين الخصوم السياسيّين العراقيّين أمر وارد مع استمرار الخلافات”!
وهذا التخوّف أكّده أحمد الصافي، ممثّل المرجع الشيعيّ علي السيستاني، والذي قال في 16 حزيران/ يونيو 2022، مُشيرا للأزمة السياسيّة الحادّة: “واهم مَنْ يتوقّع انتهاء الفتنة”!
وتأتي التخوّفات المتوالية من الفوضى الناريّة تزامنا مع تأكيد مُؤشّر السلام العالميّ، في 19 حزيران/ يونيو، بأنّ العراق يحتلّ المرتبة 16 عربيّاً، (من بين 18 دولة)، و157 عالميّاً (ضمن 163 دولة) في المُؤشّر العالميّ السلام للعام 2022!
وهذه السيناريوهات المُرعبة جزء من حالة الغُموض السياسيّ العراقيّ العامّ، والمذهل أنّ بعض القوى الحالمة، وسط هذه الضبابيّة، ترى بأنّ حالة الانغلاق السياسيّ ستنتهي قريبا!
وأظنّ بأنّ هذه القوى لم تَفقه الحالة العراقيّة جَيّداً، وَهُم يركضون وراء المناصب ولو على أمواج دماء الأبرياء وعموم المواطنين!
حقيقة لا يُمكن الجزم بسهولة بوقوع أيّ سيناريو من السيناريوهات المتقدّمة؛ لأنّه لا أحد يَعرف مَنْ المُتحكّم بالقرار العراقيّ، وهل هو قرار داخليّ وطنيّ أم خارجيّ مُستوْرد.
ومع ذلك يُمكن توزيع نِسَب احتماليّة وقوع تلك السيناريوهات بدرجات متساوية، ولكن يَبقى سيناريو الاعتصامات المفتوحة والثورة الشعبيّة هو الأقرب والأسرع، وربّما الأصلح!