لا اريد أن احشر ما اكتب بين الاف المقالات الرصينة في وصف معاناة الناس و حجم الفساد المستشري في في اركان الدولة وماذا يريد سياسي كل مكون من العراق الجديد و ماذا تريد دول الجوار منه. و احاول عدم شخصنة مشاكل العراق و ان تغير اسم رئيس الوزراء لا يفيد بشيء الا في تصعيد نغمة التفاؤل لدى البعض. والتجربة علمتنا انه لن تمر الا فترة قصيرة و يرجع العراقيون (المتفائلون) يطالبون باستبداله هكذا دواليك. ان مشاكل العراق ليست شخصية متمثلة بأسماء الكابينة الوزارية بل ان جميع الاخفاقات هو بسبب طبيعة النظام المحاصصاتي و ان الاعلام العربي والغربي والامريكي على وجه الخصوص يريد ان يقنعنا ان سوء اوضاع العراق هو بسبب سوء اداء المسوؤلين في ادارة الدولة كأفراد. واعتقد هنا ان امريكا تريد اقناع الجميع ان القادة الجدد كأفراد هم الذين شكلوا عراق فاشل وفاسد بهدف حرف البوصلة عن اتهامهم بتدمير (عن قصد او عن غيره) دولة العراق ككيان و تحويله الى مناطقيات متناحرة وسهلت التدخل الخارجي من كل الاطراف و الزوايا.
و مع ذلك عند تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة وزراء العراق دارت تكهنات خليطة بالامال بأن يتمكن للكاظمي أن يفعل شيئا ام ستمنعه الدولة العميقة من انجاز تغيير. و كانت اجابتي بسرعة و من دون تفكير وباختصالر انه لا الكاظمي ولا غيره يمكن ان ينجز تغيير باتجاه بناء دولة متحضرة يعيش الجميع تحت علمها بسلام ووئام لاننا و بعد الاجتياح العسكري الاميركي للعراق عام 2003 و تأسيس دولة الطوائف قد فقدنا عناصر مكونات الدولة الوطنية الموحدة. ولكي نعرف ما الذي سيحصل في العراق علينا مراجعة تاريخ لبنان المعاصر الذي تبعناه نحن في تطبيق نظامه. و بهذه التبعية فقد اضفنا دولة اخرى بتطبيق هذا النوع من الانظمة بعدما كانت لبنان المثال الاوحد في العالم بهذا الشكل من الانظمة الشاذة واانشاز.
لبنان
اعلن الجنرال الفرنسي هنري غورو عن ولادة الجمهورية اللبنانية في 23 من ايار1926 على اساس قانون الميثاق الوطني(الدستور) والمبني على الطوائف. و في سنة 1932 اجري تعداد سكاني عام وكانت النتائج (51,2%مسيحيون ومسلمون 48,8%) وبالتفاصيل ( المسيحيون : الموازنة 28,8% و الروم الارثوذكس 9,7% و الروم الكاثوليك 5,6% و الاخرون (معظمهم من الارمن) 6,8%) (اما تفاصيل المسلمون فكانت: سنه و شيعه و دروز). وعلى اساس هذه النتائج تم تقاسم مفاصل الدولة طائقيا فانتقلت رسميا الهوية الطائفية من التجمع العائلي و المناطقي الى الفضاء السياسي.و مع مرور الايام تشكلت دولة ذو مراكز قوى متعددة تدار و تحكم من قبل رجالات الطوائف.
في مثل هذا النظام السياسي التوافقي لا يوجد مكان للوطن لان المطلوب من الناس هو التعايش المشترك مع الاخر(المكونات) وليس العيش الموحد تحت العلم ( كأن الحديث عن حسن الجوار). وايضا في مثل هذا النظام السياسي التوافقي لا وجود للمواطنة مكان لان الفرد ينصهر تحت خيمة الطائفة التي تهيمن على المشهد العام و تحميه من الاخر المشترك معه في الارض.
ادت هذه التركيبة الهجينة في شكل الدولة (المبني على النظام السياسي الطائفي) الى تشكيل حكومات فاشلة و فاسدة و نظام يكرر الازمات و جملة غير منتهية من الصدامات تفجرت جميعها بالكامل عام 1975 بحرب اهلية داخلية (في زمن الوئام الاقليمي او الخفيف في حدته و تدخلاته مع انعدام صراع المحاور). هذا الصراع الداخلي المسلح وفي تلك الايام بالذات يؤشر الى وجود خلل بنوي في هيكلية عمل المجتمع والحكومه و النظام السياسي على حد سواء.واستمرت الحرب الاهلية حتى عام 1990 وادت الى افلاس الدولة وانهيارها و لم تتوقف الا بتدخل خارجي و انتاج تعديلات دستورية ضمن وثيقة الطائف (السعودية) ولكنها ابقت مبدا التوافق الطائفي قائما وبذلك بقت الدولة العميقة تُحْكَمْ برجالات الطوائف وقادتهم ولازالت هكذا لحد تاريخه.
لم يتمكن اتفاق الطائف من حل المشكلة اللبنانية لان جميع الحكومات التي تراعي في تشكيلها نظام المحاصصة مصيرها الفشل ولهذا لم تهدا الساحة اللبنانية ولم ترص جبهتها الداخلية. ومع تازم الوضع الاقليمي في منطقتنا وتعدد الصراعات البينية بات التدخل في شوؤن الدول الهشة والدخول في لعبة المحاور سهلا وممكنا وهذا ما عجل من وصول لبنان الى نقطة الافلاس والانهيار مرة اخرى (ما اشبه صور اليوم بالامس رغم مرور 30 عاما). والاعلام لا زال يصوغ مسببات الانهيار بشخصنة المشكلة.
نتساءل هل أن فاجعة ميناء بيروت الصاعقة و حجم ضحاياها و النكبات التي انصبت على عروسة البحر بيروت و جمالها الشاهق يضيف زخماً مؤثراً لقوى التغيير وكنس بعض الرموز و هدم بعض ركائز النظام الطائفي في لبنان
وهذا هو حال العراق ايضا
ورد في الدستور العراقي جملة “دولة مكونات” 8 مرات ولم ترد ابدا دولة المواطنة في جميع فقراته !!!