بعد ان حققت الكثير من الدول استقلالها السياسي ، وقدمت من اجل ذلك التضحيات الجسام ، وبالاخص الدول العربية ، بدأت دول الغرب الاستعماري ، تتفنن في اعادة السيطرة عليها واختراقها ، وعلى وجه الخصوص الدول العربية والاسلامية واختراق منظومة القيم الاجتماعية لها …
وذلك من خلال تأسيس ودعم منظمات وروابط وتكتلات دولية يتم من خلالها طرح شعارات براقة تخدع بها شعوب هذه الدول ومثقفيها وعلمائها ( كشعار حقوق الانسان والديمقراطية وحقوق الطفل والمرأة وحرية الرأي والتنمية المستدامة ) وغيرها من الشعارات التي تستهوي الكثير من شعوب العالم ، وتجعلهم يتمسكون بهذه الشعارات البراقة ويساندون من يقف وراءها ..
وللاسف الشديد ان بعض المثقفين والاعلاميين واساتذة الجامعات ينجرون وراء هذه الشعارات البراقة ، دون النظر الى ماتخفي وراءها من اهداف شريرة ، وتحديدا
استهداف وتفتيت المنظومة العربية الاسلامية بكاملها ويسعون الى اختراقها سياسيا وامنيا واقتصاديا والاخطر من كل ذلك ثقافيا ولغويا وصولا الى مسح هوية الامة وازالة وجودها ..
وهكذا فعلت كل من بريطانيا وفرنسا ، فرابطة الكومنولث والتي اعلن عنها عام ( ١٩٣١) والتي اسستها بريطانيا وتضم (٥٣) دولة من مستعمراتها ، والهدف من هذه الرابطة هو ادامة صلة بريطانيا بمستعمراتها
من خلال هذه الرابطة تتمكن بريطانيا التغلغل داخل هذه البلدان والتأثير عليها
ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ، وهكذا جاءت منظمة الفرانكوفونية والتي تضم نحو (٥٥)
دولة كانت من مستعمرات فرنسا سابقا ، وتأسست هذه المنظمة عام (١٩٧٠) وهي تضم الدول والشعوب التي تتحدث الفرنسية
كلغة رسمية أو حتى لغة اضافية ، وان من اهم اهداف هذه المنظمة هو الترويج الى اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية وهي بذلك تختلف عن سياقات عمل رابطة الكومنولث..
الفرانكوفونيةً هي بمثابة الاستعمار الجديد ، استعمار ثقافي بكل ما تعنيه الكلمة ، كونها تستهدف لغتنا العربية وهويتنا العربية الاسلامية ، وذلك من خلال نشرها اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية ، بين ابناء امتنا العربية وبالاخص دول المغرب العربي ، وتونس بالذات ، حيث تفرض على هذه الدول
اللغة الفرنسية في الادارة والثقافة والاعلام والاقتصاد وفي جميع مناحي الحياة ، بهدف انتزاع مكانة اللغة العربية وبهدف ربط هذه الدول سياسيا واقتصاديا وثقافيا لصالح الرأسمالية الفرنسية ومصالح فرنسا العليا ،
كون الفرانكوفونية أوجدتها وأنشأتها فرنسا وتدعمها وتعتبرها هدفا استراتيجيا يحقق مصالحها ..
وكان الرئيس التونسي المرحوم الحبيب بورقيبة
أول من أيدها واعتبرها الملاذ الوحيد لتونس كي تنهض وتتطور ، دون أن يكترث لمصلحة تونس وعروبتها .. حيث قال ( اننا متضامنون مع الغرب وبشكل خاص مع فرنسا ونعمل على تدعيم الروابط مع فرنسا وبشكل خاص في مجال الثقافة ) ..
ومع الاسف الشديد أن البعض من المثقفين التونسيين واساتذة الجامعات تبنوا وأيدوا المدرسة الفرانكوفونية … ولا زالوا يدافعون عنها ، وهم يعلمون أن فرنسا اليوم ومن خلال هذه المنظمة تحارب اللغة العربية وتعمل جاهدة على تفتيت الوحدة الوطنية ، فالفرانكوفونية اذن هي بمثابة غزوا ثقافيا ولغويا خطيرا جدا … ويؤكد ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون بقوله ( ان تونس ستكون خلال سنتين قاعدة جديدة لتعليم اللغة الفرنسية ، وان التحدث باللغة الفرنسية تعد فرصة حقيقية على المستويات اللغوية والاقتصادية والثقافية ) …
وعلى هذا الأساس ان فرنسا ستوظف الفرانكوفونية كأداة استعمارية جديدة ، من خلال هيمنة اللغة الفرنسية في هذه البلدان وازاحة اللغة العربية من التداول ، وهذا سيؤدي الى تغيير ثقافي جذري لصالح الثقافة الفرنسية وهي بذلك تستهدف العروبة والاسلام ومنظومتها الاجتماعية والثقافية والدينية ، ومن خلال تغلغل عناصرها ومؤيديها في جميع مؤسساتنا ومعاهدنا العلمية والثقافية ، كذلك جامعاتنا
ومؤسساتنا التعليمية وتغيير مناهجنا وبما ينسجم ومصالح فرنسا .. وهنا يكمن الخطر الجسيم !!!!
ونلاحظ ايضا ان المجاميع الفرانكوفونية تعتمد على مهاجمة الاسلام الحقيقي وتشويه سمعته امام العالم الغربي ، والتجاوز بشكل مباشر وغير مباشر على الاسلام ورموزه ، ورمزه العظيم سيدنا محمد (ص) ، مستغلين التصرفات المشينة التي يمارسها الاسلام السياسي والارهاب التي تمارسه المليشيات المتطرفة ( كالقاعدة وداعش والحشد الشعبي وحزب الله ) وغيرها من المليشيات الموالية الى ايران الارهابية والتي جميعها من صناعة الغرب الاستعماري …
فعلى جميع المثقفين العرب والمسلمين أن يدركوا هذه الحقائق ولا ينخدعوا بشعاراتهم الكاذبة وينتبهوا الى الاعيب الغرب الاستعماري وتفننه في استهداف الهوية العربية الاسلامية ، فالفرانكوفونية تعتبر امتدادا للاستعمار الفرنسي وهي تشكل مخاطرا كبيرة جدا على العالم العربي والاسلامي ، لغة ، وحضارة ، ونسيجا اجتماعيا
فهي تسعى الى تطبيق القوانين المطبقة التي تتماشى مع الوضع الفرنسي بدلا من القوانين المطبقة في عالمنا العربي الاسلامي وهي تسعى الى نشر اللغة الفرنسية مع محاربة اللغات المحلية وبالاخص اللغة العربية ، ومن خلال ممارستها غسل الادمغة ومن خلال الغزو الفكري ، وتعمل جاهدة على زعزعة منظومة القيم الاجتماعية والدينية ، ومن الجدير بالذكر ان هذه المنظمة سائرة على خط التطبيع مع العدو الصهيوني ..
أن هذه المنظمة تضم بالاضافة الى السياسيين ، عددا من المثقفين والاعلاميين الذين يحاربون الاسلام ويحتقرون ثقافته ولغته ( التي هي لغة القرآن الكريم ) ، ويدعون الى تبني الثقافة الغربية والقيم الغربية …
وليعلم الجميع اننا كأمة عربية واسلامية لنا ديننا وثقافتنا وهويتنا ولغتنا العربية الجميلة التي نعتز ونفتخر بها ، ولسنا بحاجة الى ثقافات تفرض علينا من الاخرين الا بقدر التفاعل مع بقية الثقافات ….!!
عاشت ايدك دكتور محمد… اتمنى ان يحترز العرب من مخططات الغرب الشيطانية