الفساد المالي في العراق وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية

ان ظاهرة الفساد المالي والاداري أخذت تنتشر وبشكل دراماتيكي في العراق ، وأصبحت كالسرطان تنهش في جسده
وبالدرجة التي أصبحت تهدد كيان ومستقبل اقتصاده … والفساد هو قيام الفرد او الجماعة او احزاب سياسية متنفذة او عناصر متنفذة في السلطة ، من استغلال هذا النفوذ ، من اجل تحقيق كسب خاص ويكون ذلك على حساب المصلحة العامة ..
وان الفساد اذا ساد في اي مجتمع سوف يؤدي بالضرورة الى تفكيك وتدمير المنظومة القيمية للمجتمع ، وينتشر الفساد عند غياب القوانين واللوائح والتعليمات والقيم الاخلاقية وضعف السلطة بشكل عام او غيابها تماما على ضبط المجتمع.
وهذا يحدث عند وجود فراغ اداري وقانوني ودستوري ، ويستغل ذلك من قبل ضعفاء النفوس والذين يستغلون نفوذهم من اجل تحقيق اعلى مكاسب على حساب المال العام .. وقد تعاظم حجم الفساد في العراق بحيث اصبح العراق من افسد بلدان العالم من مجموع (١٨٠) بلدا عدا الصومال. وذلك حسب مقياس النزاهة العالمي.
إن الفساد المالي والاداري سوف يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر ، وبشكل فعال ، على عرقلة التنمية الاقتصادية ومن ثم على التطور الحضاري للمجتمع ، كوّن الفساد يؤدي الى تبديد الثروة الوطنية ، ومن ثم يزيد من عدم فاعلية الاقتصاد وانخفاض إنتاجيته.
وبسبب الفساد ستنخفض معدلات النمو الاقتصادي ، وسيؤدي الى ضعف الاستثمار ، وهروب رؤوس الأموال الى خارج البلد ، وما تبعه من قلة فرص العمل وزيادة البطالة وانخفاض دخل الفرد وزيادة الفقر والعوز والحرمان..
وان الهدر الذي يحصل بسبب الفساد المالي ، يعني ضياع أموال الدولة ، والتي كان من الاجدر استخدامها واستثمارها في مشاريع تخدم المواطنين ، ومن الاثار الاقتصادية المترتبة على الفساد المالي هي الزيادة في التكاليف والتي في كل الأحوال ينقل عبئها على المستهلكين
والاقتصاد ككل ، وهذا مما يثقل من كاهل
المواطنين بسبب رفع الأسعار وزيادة معدلات التضخم ..
كما ان هدر الأموال وسرقتها سيؤدي بالضرورة الى عجز في العرض الكلي والإنتاج الوطني ، مما يؤدي الى الاتجاه نحو استيراد السلع والخدمات من الخارج
وهذا سيؤدي الى زيادة الطلب على العملة الأجنبية ، وتخفيض قيمة العملة الوطنية .. وبالتالي فان الاقتصاد الوطني سيتحمل عبء هذا الفساد ..
وعلى هذا الأساس نجد ان هنالك علاقة عكسية بين الفساد والكفاءة الاقتصادية
فانتشار الفساد يؤدي الى تقليل الكفاءة والعكس صحيح .
ان الفساد يضع قيودا على الدولة وعلى تأدية وظائفها الاقتصادية والاجتماعية ، ويؤثر بنحو او بآخر على السياسة المالية والنقدية للبلد ، كونه يقلل من الإيرادات العامة ويزيد من حجم الإنفاق العام والغير مبرر ولأسباب كثيرة. ويعمل على زيادة فرص التهرب الضريبي او الحصول على إعفاءات ضريبية غير مشروعة.
كما ان للفساد آثار سلبية على الاستثمار الأجنبي ، فالفساد يعيق الاستثمار ، كونه يخفض العائد على الاستثمار ..
وبسبب ظاهرة الفساد المستشرية في العراق ، نجد عدم المساواة والمنافسة الغير عادلة ، سيقللان من الفاعلية الاقتصادية ، ويبدوا لنا ان العلاقة بين الفساد ودرجة اللامساواة في المجتمع قوية جدا. وكل ذلك سيخلف توزيعا غير عادلا بين السكان وسيزيد الفقير فقرا والغني غنا ، وسينعكس ذلك على مستوى التنمية البشرية.. وسيؤثر على مستوى رفاه المجتمع بشكل عام ..
ان انتشار تعاطي الفساد سوف يؤدي بطبيعة الحال الى تقليل ايرادات الموازنة العامة للدولة وتحرمها من موارد مالية تحتاجها الدولة للإنفاق على أبواب الإنفاق المختلفة ، والفساد المالي يؤثر على العدالة التوزيعية للدخل والثروات لصالح الطبقة الأكثر قوة في المجتمع والذين يحتكرون السلطة والنفوذ ، وتؤدي الى خلق فوارق طبقية في الدخل والثروات وما الى ذلك من تاثيرات خطيرة وسلبية على النسيج الاجتماعي للبلد…
وتأكيدا الى ما ذهبنا اليه من آثار اقتصادية خطيرة للفساد المالي ، فقد كانت الإيرادات المتحققة من تصدير النفط الخام خلال السنوات ٢٠٠٣-٢٠١٥
أي منذ الاحتلال وحتى سنة ٢٠١٥ .. أي خلال ال١٢ سنة ، مبلغا قدره ( ٩٧١) مليار دولار أي مايقارب الترليون دولار ، وان نسبة مساهمة القطاع النفطي في الموازنة العامة للدولة بلغت بنحو ( ٩٠-٩٥) بالمئة وإن الخمسة بالمئة متأتية من الضرائب والرسوم .. واذا افترضنا ان بنحو ٣٥ بالمئة منها ذهبت الى النفقات التشغيلية ، فأين ذهبت المبالغ الاخرى المتبقية ..؟
فمنطقيا يكون قد هدرها الفساد ، وتم تبديد هذا المبلغ العملاق ..!!
واليوم وصلت مديونية العراق الى اكثرمن (١٥٠) مليار دولار ، وان الموازنة العامة لسنة ٢٠٢٠ تعاني من عجز بنحو (٦٤) مليار دولار ، حيث بلغ نسبة العجز من اجمالي الموازنة (٥٤) بالمئة وهي نسبة اكثر من نصف الإيرادات الكلية للموازنة ، وهي نسبة كبيرة جدا ، وهي نسبة مخالفة لقانون الادارة المالية ، وهي نسبة غير مسبوقة في الدولة العراقية ، ان يكون العجز اكبر من التمويل نفسه ..!!
هذا اذا علمنا ان اجمالي الإيرادات لموازنة ٢٠٢٠ بلغ (٥٤) مليار دولار وان الإيرادات من النفط الخام بلغ (٤٦،٥) مليار دولار و (٧،٥)مليار دولار من الإيرادات الغير نفطية. والشيء نفسه بالنسبة لموازنة ٢٠٢١ حيث خطط لعجز تجاوز ال (٤٠) مليار دولار .. ومن اجل معالجة العجز هذا تم اغراق العراق بالديون ، من خلال سياسة الاقتراض ، الداخلية منها والخارجية ، والذي سيأتي اليوم الذي تعجز فيه حكومة الاحتلال من صرف الرواتب ..!!
ومن هنا يتضح لنا ان العراق قد تم نهبه كليا من قبل العصابات والمليشيات والمتنفذين في الحكومة والبرلمان ، وقد تم تحويل هذه المبالغ الخيالية الى خارج العراق والى بعض الدول المجاورة والمتنفذة والتي لديها سطوة على العراق. كأيران !!!

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى