العالم اليوم يتغيير بسرعة مذهلة ، في المجالات العلمية والتقنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية كافة ، كل ذلك يحدث وبشكل مستمر في الدول المتقدمة تحديدا ، مما يجعل الهوة بينها وبين الدول المتخلفة تتسع بشكل كبير ، وستبقى هذه الدول تعاني من مشكلة التخلف والتبعية للدول المتقدمة.. وهذا ما يتطلب من المجتمعات المتخلفة ، ان تعيد النظر بجميع فعالياتها العلمية والتقنية والفكرية والثقافية للنهوض بمجتمعاتها حتى تلحق بركب التطور الذي يحدث في العالم ..
يعتبر مصطلح التخلف من المصطلحات المتداولة في العالم ويطلق على المجتمعات التي تتصف بتدني المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي مقارنة مع المجتمعات الأكثر تطورا منها ..
التخلف عكس التقدم ، وهو يعني كذلك بعدم قدرة الدول الوصول لمرحلة التطور المنشودة نتيجة عدم قدرتها على الاستغلال الأمثل لمواردها المادية والبشرية .. وهنالك أشكال عديدة للتخلف ، فهنالك التخلف الشخصي ويتمثل في تأخر الفرد بإمكانياته وقدراته العلمية والثقافية عن غيره ممن حوله ،بسبب ضعف قدراته الذهنية والشخصية ، وهنالك التخلف السياسي والاقتصادي والمتمثل في تبعية الدولة الى غيرها من الدول وعدم قدرتها على استغلال مواردها بالشكل الأمثل ، والتخلف الاجتماعي والمتمثل بعدم قدرة الفرد او الجماعة في إدارة شؤونهم الاجتماعية ، وهنالك التخلف الاخلاقي والمتمثل في وجود بعض القيم والسلوكيات الغير اخلاقية والتي تسهم
في حدوث أضرار جسيمة داخل المجتمع والافراد ..
وبناء عليه ومن وجهة نظرنا ان لا وجود للتخلف بل يوجد لدينا متخلفون ، كون التخلف مسألة نسبية وتختلف حسب المجتمعات ، فما يعتبر متخلف في بلد ما قد لايكون مقياسا للتخلف في بلد آخر ،
فالمجتمعات المتقدمة حضاريا وبعد التطورات التكنولوجية ، أصبحت مجتمعات متقدمة من النواحي المادية ولكنها متخلفة معنويا وروحيا ، والعكس تماما بالنسبة للمجتمعات المتخلفة ماديا .. وكذلك فان التخلف هو من صناعة المتخلفين وما أكثرهم في مجتمعنا ، فلولا المتخلفين لا وجود للتخلف .. لأنهم هم الذين يعيقون عملية التطور وفِي جميع مناحي الحياة ، كونهم محدودي الافاق ومحدودي الثقافة والعلم وفاقدي المنطق ، فهم بطبيعتهم أنانيون وتسلطيون ، وبسببهم وبسبب تخلفهم نجد التراجع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والاخلاقي ، فضلا عن ذلك لا ننسى دور الاستعمار ودور القمع والاضطهاد ، من الأسباب الرئيسة لنشر التخلف ، بالاضافة الى الجهل الفكري ، لان التفكير الخاطيء يؤدي الى ارتكاب المزيد من الأخطاء ..
ومن أهم مظاهر التخلف تلك الموجودة في قيمنا وواقعنا الاجتماعي الحالي .. وهي التركيز على الفردية والأنانية والعشائرية والقبلية والطائفية والإثنية المتأصلة في نفوسنا .. ولهذه الأسباب
لم نتمكن من اللحاق بالتطورات الجديدة
التي حدثت في جميع مناحي الحياة ، وتأخرنا عن الآخرين الذين تجاوزونا في مظمار الحضارة. ..
لذا ان إشاعة التخلف الحضاري في البلد يشكل خطرا كبيرا جدا ، ويعمل على اعاقة التنمية الاقتصادية والبشرية ، مستهدفا القيم الحضارية والأخلاقية وموهنا إنتاجية العمل داخل المجتمع ، وهو ما يتولد عنه انواع عديدة من التخلف. ومن هنا تكمن ضرورات التجديد
والابداع والتغيير وصولا الى الحداثة المطلوبة انسانيا ..
إن تجديد الفكر وتطويره اصبح ضرورة موضوعية ، والتجديد يمثل حاجة مستمرة مع بقاء الحياة واستمراريتها ، واذا لم نفعل ذلك سوف نبقى ساكنين ونتجمد ، والسكون يعني الموت .. وسنبقى متخلفين عن بقية الامم والشعوب وسنبقى نعاني من الأمية والفقر والجوع والمرض والتطرف ومزيدا من الخلافات والنزاعات والصراعات والتفرقة والاستبداد والحكم الغير رشيد ، وسنضيع الماضي وما ورثناه منه والحاضر ومعاناته والمستقبل الغامض ..
لذا فالتجديد والتطور اصبح ضرورة حياة .. وبهذا المعنى فلا تستقيم حياة اي مجتمع يركن الى الجمود ، ولا تتطور مجتمعاتنا إلا من خلال الاجتهاد والتجديد المستمرين ، والمطلوب التجديد والاجتهاد في كل شيء ( عدا الثوابت المقدسة والاهداف الكبيرة )
وبما يحقق مصالح المجتمع ..
كما ان جميع الأفكار والعلوم والمعارف والتطور الذي حدث في عالمنا اليوم ، ما هو إلا امتداد لما سبقه من أفكار ومعارف ، كون الثقافات والأفكار والعلوم جميعها من نتاج الماضي وليس مقطوعة عنه ، فالحياة كلها في حالة تواصل مع الماضي ، وكل ما توصلت البشرية هو نتاج التراكم المعرفي وما حققته البشرية في الماضي من تطورات على الاصعدة كافة ، لذا من الخطأ ان نقول ، إننا سنأسس فكرا جديدا أو علما جديدا ، لان ذلك سيكون من ضرب الخيال ، والأصح أن نقول سنجدد ونطور ما وصلت اليه البشرية من المعارف المتنوعة من علوم وافكار وبما ينسجم مع الواقع الحالي من اجل الوصول الى مستقبل أفضل .. وهكذا هو التطور المبني على العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر والمستقبل ..
فعلينا ان لا نسمح أبدا للمتخلفين الوقوف ضد حركة التجديد والتطور ، كونهم ناس متمسكين بأفكارهم التي مضى عليها سنين طويلة ، ومتمسكين بمعتقداتهم ودساتيرهم وعاداتهم وطقوسهم ، ويجترون بالماضي فقط ، دون ان يعترفوا بالتطورات التي حدثت في العالم خلال هذه الفترة .. كما ان تفكير الشباب وتطلعاتهم ونظرتهم للحياة والى المستقبل ، تحتاج الى فهم عميق وتحتاج الى تطوير وتجديد الأفكار والمفاهيم والعادات والتقاليد والمعتقدات وبما ينسجم مع تطلعات الجيل الجديد ..
أن عملية تأليه الأفكار وتقديسها ( كما فعلت الأحزاب الشيوعية في العالم )
وعدم السماح لتطويرها ، ستوقعنا في مشكلة الجمود الفكري والعقائدي وكما حدث للأحزاب الشيوعية وبمرور الزمن اصبح فكرهم شيء من الماضي.
فعلينا اليوم مهمة كبيرة جدا ، هو العمل على إطلاق حرية التفكير من اجل تطوير الأفكار وتشجيع الإبداع والتجديد في جميع مجالات الحياة. والابتعاد عن الجمود الفكري ، والتحرر من القيود التي تمنع التفكير والابداع وعدم التمسك بالنصوص والقوالب والتعليمات التي تجعل من الآخرين تنفيذ ما يطلب منهم فقط.
فالتخلف هو نتيجة للجهل والامية ، وهو اخطر مرض تعاني من شعوب دول العالم الثالث ومنها الامة العربية والعراق بالذات ، والتخلف هو السبب الرئيس لجميع ما تعانيه الامة العربية ، لذلك يتوجب علينا ان نحارب المتخلفين أينما وجدوا حتى نقضي على التخلف ، لان التخلف يمثل العائق الأساس لتطورنا ونهضتنا … هذا اذا أدركنا أهمية العلم باعتباره مفتاح المعرفة والتطور والرقي ،
فبالعلم فقط نستطيع بناء الحياة والولوج الى معرفة الحقائق وتفسير الظواهر الطبيعية وحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ونقضي على التخلف..
وعلينا هنا ان نؤكد على وجود علاقة جدلية بين النظرية والتطبيق ، فكلاهما
يتفاعل مع الاخر ويؤثر فيه ويطوره ، ففي الميدان تختبر الأفكار وتحديد مدى قربها من الواقع وصلتها به ، والواقع يكشف للأفكار نقاط ضعفها ويعمل على تطويرها ، فلا يمكن أبدا الفصل بين النظرية والتطبيق في حياتنا ، فكل شيء يؤثر ويتأثر بالاخر ، وهكذا هو سر التطور والتجديد والتغيير والابداع وصولا الى الحداثة.
1٬318