1.المقدمة
تشهد المرحلة الحالية تغيرات جيوسياسية بالغة الأهمية في منطقتنا دول الشرق الأوسط وتعكس هذه التغيرات الجيوسياسية تغيرات جيواستراتيجية مهمة على هذه الدول مما يسبب تأثيرات جدية داخلياً وخارجياً على جميع دول منظومة الشرق الأوسط . تناقش هذه الورقة بعض المفاهيم الجيوستراتيجية الأساسية لتطوير ثقافة جيواستراتيجية إقليمية مشتركة لتجنب مواجهة في المنطقة تبدو حتمية إن لم يتم الاستدراك واستغلال الفرص الاستراتيجية المتاحة والمحافظة على ما تبقى . وتطرح هذه الورقة مفهوم الإدارة التكاملية للمصالح الجيوستراتيجية وتدعو أيضاً للوصول إلى نقطة التوازن الجيوستراتيجي تمهيداً للوصول إلى مرحلة التكافؤ الاستراتيجي للبدء بعد ذلك بتطوير مبادرات إقليمية جيواستراتيجية كما ستقدم هذه الورقة مجموعة من المتطلبات الاستراتيجية الجوهرية ضمن السياق الديناميكي المعقد للمرحلة الانتقالية الحالية للعالم العربي وتأثيرها على المنطقة ككل لدعم تماسك دول الشرق الأوسط في هذا السياق وأهم هذه المطالب هي :-
• دول منطقة الشرق الأوسط في خريطة العالم الجيوستراتيجية.
• المشاكل الجيواستراتيجية على أرض الواقع.
• مداخل التأثير الجيوستراتيجي الخارجي،
• تطوير ثقافة جيواستراتيجية مشتركة وتنمية الاحساس بالخطر .
• تهدئة التوتر والمخاوف الجيوستراتيجية الاقليمية.
• تقييم المصالح والاحتياجات الجيوستراتيجية لدول المنطقة والقوى الكبرى .
• الوصول إلى نقطة التكافؤ الجيوستراتيجي .
• الإدارة التكاملية للمصالح والمبادرات الجيوستراتيجية .
• الخلاصة.
2.المطلب الأول : دول منطقة الشرق الأوسط في خريطة العالم الجيوستراتيجية :-*
أ. تقع معظم دول العالم الإسلامي وبخاصة دول الشرق الأوسط في قلب المصالح لجيوستراتيجية للولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين . فهي تقع على حزام استقرار الولايات المتحدة وأوروبا ( حزام الاستقرار هو المنطقة المحيطة بروسيا وأوروبا الشرقية من الجنوب) ومما هو معلوم فإن دول الشرق الأوسط بخطوط ملاحة بحرية وممرات جوية هامة وتمتلك ثروة كبيرة من النفط الذي هو مصدر الطاقة العالمية وتفصل روسيا عن المياه الدافئة بالإضافة إلى الصراع العربي الإسرائيلي الذي يؤثر في كل الجيوسياسية الداخلية لمعظم دول الشرق الأوسط كما يؤثر على التحركات الجيوستراتيجية ليس فقط من قبل القوى العظمى ولكن أيضاً من قبل القوى الناشئة على حد السواء مثل الصين وقوى إقليمية صاعدة مثل تركيا وإيران التي تبدي اهتماماً شديداً في المنطقة وهي تتفحص التغييرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية بغض النضر عن نواياها.
ب. ما يجدر ملاحظته أن العولمة لم تهدئ من المخاوف الجيوستراتيجية بل على العكس زادت منها فالصفقات التجارية تتم عبر طرق الملاحة البحرية والممرات الجوية والطرق البرية وبالتالي تدفع العولمة بأتجاه حماية المكاسب والاتفاقيات التجارية والممرات والطرق مما يعني تأثرها المباشر بالتغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية التي تؤثر على المصالح والطرق والممرات فعلى سبيل المثال يتم تأمين 90 % من إمدادات الطاقة لليابان عبر بحر الصين الغربي وبالمثل فإن 40 % من تجارة الولايات المتحدة يتم نقلها عبر طرق الملاحة البحرية وإن استقرار هذه الطرق البحرية مسألة حيوية لاقتصاد الولايات المتحدة ودول آسيا وأوروبا لذلك من الضروري للولايات المتحدة أن تراقب وتحمي وأن ترسل خفر السواحل إذا دعت الحاجة لحماية خطوط الملاحة كما قد سبق وفعلت .
ج. ما من شك ان الولايات المتحدة هي القوة الرئيسة في المنطقة وتلعب دوراً في تشكيل جيواستراتيجية المنطقة وبالتالي فأن القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لها تأثيرات مباشرة في الجيوبوليتيك لدول المنطقة كما هو الحال على سبيل المثال مع الملف النووي الإيراني وأحداث سوريا واليمن والقضية الفلسطينية وثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وعند استدعاء التاريخ القريب فستبرز حالة أجبار الشاه رضا شاه إيران على التنحي عام 1941 وتولية ابنه بدلا منه كنوع من العقاب بسبب دعمه للرايخ الألماني في الحرب العالمية الثانية .
د. في الوقت الحالي يلاحظ التموضع الاستراتيجي المتباين تماماً بين دول المنطقة ففي سوريا تدعم الولايات المتحدة الأمريكية بغض النظر عن سقف الدعم والمملكة العربية السعودية وتركيا المعارضة من جهة بينما تدعم روسيا وإيران النظام السوري من جهة أخرى وتدعم الولايات المتحدة الأمريكية كذلك بغض النظر عن سقف الدعم السعودية والدول المتحالفة في عاصفة الحزم بينما تقف إيران وروسيا على الطرف الأخر كما نجد أن الولايات المتحدة وفرنساوبريطانيا تدخلت بشكل قصري في ليبيا لتجبر القذافي في حينها على التنحي بينما دعت الولايات المتحدة الرئيس اليمني في حينها علي عبدالله صالح قبل تنحيه .
ه. في الحقيقة إن معظم – إن لم يكن كل دول الشرق الأوسط عرضة لتدخل جيوستراتيجي من قوى خارجية إذا حدثت تغيرات جيوسياسية في أية دولة منها أو إذا حدثت تغيرات جيواستراتيجية فعلية في المنطقة . معظم دول الشرق الأوسط مستهدفة وعرضة لخطر التدخل فما حصانة لأي دولة كانت .
أنتهى المطلب الأول في المقال القادم سنتطرق الى المطلب الثاني ( مشاكل جيواستراتيجية على أرض الواقع ) أن شاء الله
695