كان سقف التوقعات للعلاقات الاميركية الايرانية يبدو مرتفعا بعد اعلان فوز بايدن. وكنا قلة من المحللين ممن يعتقدون ان القادم لن يقترب حتى من الحد الادنى للتفاؤل الذي روج له الكثيرون،وخاف منه الكثيرون،وفرح به الكثيرون! وهاهي الاشهر الاولى من ادارة بايدن تمضي دون بارقة أمل جدية في اعادة قطار المفاوضات الايرانية الاميركية الى السكة. وقد حملت الانباء خلال الاسابيع القليلة الماضية عدد من الاحداث التي تشير جميعها ان لا امل قريب في أخراج تلك العلاقات من غرفة الانعاش. خطابان للمرشد الاعلى،ومؤتمر صحفي لبايدن،واستضافة لنائب وزير الخارجية في الكونغرس،عزفت جميعها نفس النغم الحزين المليء بالشك والغارق في صخب التركة الثقيلة لحقبة ترامب.
في خطابه في 7 شباط، رفض السيد خامنئي المقترحات المتعلقة بآلية تسلسلية تقوم فيها الولايات المتحدة وإيران بخطوات تدريجية للعودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، قائلا انه ليس في عجلة من أمره للعودة إلى الاتفاق النووي. وفي خطابه في ذكرى نوروز قبل اسبوع والذي ينتظره المراقبون لمعرفة توجهات ايران لتلك السنة،أعاد المرشد الاعلى ذلك الرفض مؤكدا عدم الثقة بكل الادارات الاميركية،وأنه يجب على أيران ان لا تنتظر رفع العقوبات بقرار خارجي امريكي بل يجب العمل لتحسين الاقتصاد ذاتيا. وهنا أعاد التأكيد على أهمية التمسك باقتصاد (المقاومة) واستغلال العقوبات لتطويره. وهذا ما يؤشر بوضوح ان ايران لا تعول كثيرا على أدارة بايدن لرفع العقوبات.
أما على الجانب الأمريكي،فلم يتطرق بايدن في أول مؤتمر صحفي له للمسألة الايرانية وبدت اولوياته بعيدة تماما عن هذا الموضوع. كما ان تصريح نائب وزير الخارجية الامريكي ويندي شيرمان والتي استضافها الكونغرس لاقرار ترشيحها كان واضحا حين اجابت عن سؤال عن سياسة ادارتها تجاه ايران قائلة (العام 2021 ليس مشابهاً للعام 2015…). وهذا نفس الموقف الذي سبق وعبر عنه وزير الخارجية بلينكن والمبعوث الامريكي الخاص بايران مولي. واضح ان الادارة الاميركية تريد التفاوض ولكن وفق صفقة جديدة تشمل متغيرات أخرى لا تود ايران التفاوض حولها كالصواريخ البالستية ونشاطات ايران في المنطقة.
وعلى مايبدو لي من قراءة خطاب نوروز للمرشد الاعلى،فأن هناك اتجاها ايرانيا واضحا لتأجيل البت في هذه المسألة الى مابعد انتخابات حزيران. وأن التأكيد في الخطاب بأن لا منصب حكومي في ايران أعلى من الرئاسة وحثه الايرانيين على المشاركة بكثافة يوضح تعويل السيد الخامنئي على انتخاب رئيس اقرب اليه،حيث يتوقع بعض المراقبين ترشح إبراهيم رئيسي أو احد الصقور الاخرين. بالتالي فأن المرشد الاعلى على مايبدو قد حسم الجدل باتجاه عدم منح الرئيس روحاني او وزير خارجيته فرصة حقيقية لاعادة فتح الملف النووي مع امريكا والذي سيبقى في غرفة الانعاش لحين اتضاح الصورة بعد الانتخابات الايرانية في حزيران. وفي اعتقادي فأن الادارة الاميركية هي الاخرى وحتى الاوربيين لا يريدون فتح الملف قبل التأكد من هوية من سيجلس معهم على الطرف الاخر من الطاولة. وعلى الرغم من واقعية رهان الطرفين الا ان السياسة في بيئة كبيئة الشرق الاوسط تبقى مليئة بالمفاجئات التي قد تقلب كل التوقعات وتجعل من الرهان على المستقبل مقامرة غير مأمونة العواقب.
1٬394