الموازنة بين الناخب والنائب في العراق!

جاسم الشمري – كاتب عراقي

يُمكن اعتبار الناخِب والمنتخَّب والبرنامج الانتخابيّ وإدارة الانتخابات من أهمّ أركان العمليّة الانتخابيّة.

وتُعرِّف (الموسوعة السياسيّة) الانتخاب بأنّه اختيار شخص من بين عدد من المرشّحين ليكون نائباً يُمَثِّل الجماعة التي ينتمي إليها، والانتخـاب من الحقوق العامّة للمواطن ما دام مستوفياً لشروط الانتخاب.

والانتخابات عمليّة تنقية وتوكيل جماعيّ لشخص ليكون ممثّلا عن مجموعة أشخاص، وهذا التوكيل يتمّ بموجب قوانين ثابتة، دستوريّة عامّة وانتخابيّة خاصّة، وفقا لنوع الانتخابات سواء أكانت برلمانيّة أو رئاسيّة أو لمجالس بلديّة أو لنقابات مهنيّة.

ومن أهمّ خصائص: الانتخابات النزاهة والسرّيّة والعموميّة والدوريّة، والتي يفترض تأمينها للحفاظ على أصوات الناخبين وحقوقهم!

وبالتزامن مع انطلاق الترتيبات الأوّليّة لانتخابات المجالس المحلّيّة العراقيّة نهاية العام الحالي، وبغض النظر عن الموقف من العمليّة السياسيّة، نريد أن نتحدّث عن أهمّ ركنين من أركان العمليّة الانتخابيّة وهما الناخب (المُنْتَخِّب) والمرشّح (المُنْتَخَّب)، حيث نلاحظ أنّه، ومع كلّ موسم انتخابيّ، تتكرّر جدليّة مَن يَخْتار مَن؟

وتقديم الناخب في الذكر ليس اعتباطا وإنّما كونه الأهمّ والمؤدّي إلى الركن الثاني (النائب)!

والناخب هو صاحب القرار لمَن يُعطي صوته، فهل يُعطيه للأفضل والأنْزَه والأحرص أم يُعطيه لصديقه وقريبه وابن عشيرته حتّى لو كان لا يملك مقوّمات النجاح المتعلّقة بالعمل البرلمانيّ والمجالس البلديّة؟

والناخب الذي يُعطي صوته لمَن يَخْدَعه بتبليط شارع بلا بُنْية تحتيّة، أو بتعيين قريب له في دائرة ما، أو غيرها من (الخدمات الانتخابيّة) التي تؤكّد أنّ المرشّح يُقدّم رشوة للناخب يخدع نفسه!

ولا ندري كيف يمكن الاعتماد على مَن يُرشي الناس لتمثّيلهم داخل قبّة البرلمان والمجالس البلديّة؟

والمواطن الذي ينظر لحقوقه القانونيّة على أنّها منّة من الحكومة ومؤسّساتها والمرشّحين هذا المواطن لا يفقه شيئا في القانون، ولا يفهم الواجب المُلقى على عاتق المؤسّسات التنفيذيّة والبرلمانيّة التي وجدت أصلا لخدمة الوطن والمواطنين!

إنّ الناخب الذي لا يُحْسن اختيار مَن يمثّله فلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَه، لأنّ مَن يخون نفسه وأهله ولا يعرف مصلحته يكون بلا شكّ ضحية للمتاجرين بأصوات الناس!

إنّ المواطن المحبّ للعراق ينبغي أن يكون حرّا في رأيه ولا يعطي صوته إلا بإرادة تامّة قائمة على القناعة بالشخص المُنتخَّب وبرنامجه وتاريخه في العمل النافع للناس بعيدا عن المكاسب الشخصيّة الآنية التي لا يمكن أن تكون عامّة لعموم المواطنين.

وحرّيّة الاختيار لا تعني أنّ الناخب ينتخب مَن يميل له قلبه أو يَمتّ له بصلة قرابة أو صداقة أو حزبيّة وإنّما حرّيّة الناخب منضبطة كونها تقدّم مصلحة الوطن وبهذا فإنّ الصوت أمانة لا يمكن أن يعطى لمتورّط بدماء الأبرياء وحرّيّاتهم وتدمير مستقبلهم، أو ناهب لأموال الشعب أو لمتمرّس بالابتزاز السياسيّ والأخلاقيّ!

ولهذا ينبغي الحذر والتدقيق في المُنْتَخَب، وقد يحاول بعضهم في أيّام الانتخابات أن يظهر نفسه بأنّه شجاع وهو أجبن الجبناء، ويدّعي العلم وهو أمير الجهلة، ويظهر الكرم وهو زعيم البخلاء، ويظهر المحبّة وهو ألدّ الأعداء، ويصرخ بالأمانة وهو معلّم الخونة، وينادي بكرامة الإنسان وهو قائد الأشرار، وهلّم جرّا!

وهل يعتقد الناخبون أنّ مَن ينتخبونهم لديهم القدرة على إحياء الوطن ومعالجة غالبيّة مشاكله المُركّبة والعمل لحلّها بعيدا عن الأُبّهة والمواكب الرسميّة والحمايات الضخمة؟

وهكذا، إن لم ننتبه، سنكون أمام انتخابات لا تقدّم الأفضل بل تنظر لمائدة المرشّح وأمواله وعشيرته ومنصبه وهي بذلك لا علاقة لها بالديمقراطيّة بل هي تطبيق عمليّ شعبيّ لمبدأ (الغاية تبرّر الوسيلة) حيث إنّها اليوم تطبّق من قبل غالبيّة أطراف المعادلة وفي مقدّمتهم المواطن المنتخِّب وهذه نقطة الانهيار الكبرى.

والاختيار الأمثل هو بالمحصّلة خير لك ولعائلتك، والاختيار السيء هو شرّ عليك وعلى عائلتك في حاضركم ومستقبلكم!

الواقع المرير يقودنا لأسئلة ديمقراطيّة إنسانيّة وأخلاقيّة كبيرة، ومنها:

– كم نسبة المؤهّلين حقيقة لدخول المجالس البرلمانيّة والمحلّيّة؟

– وكم نسبة النوّاب المستقلّين حقيقة وليس المزيّفين؟

– وكم عدد المنتخَّبين (الفائزين) من الفقراء والمعدمين المؤهّلين فكريّا وعمليّا للمنصب، مَن الذين حجبتهم ستائر الفقر والجاه والمال عن الذكر فضلا عن الوصول للبرلمان والمجالس المحلّيّة؟

وهذه الأسئلة وغيرها إجاباتها واضحة وذلك بجولة سريعة في أسماء البرلمانيّين والمجالس المحلّيّة للدورات السابقة لنكتشف الحقيقة المرعبة والتي بناها الجمهور بأصواتهم وهي أنّ غالبيّة الفائزين هم أبناء الكيانات السياسيّة والعسكريّة ومن أبناء الذوات والذين يتّهمهم الجمهور بتدمير البلاد وتضييع الناس!

فأين الخلل في هذه المعادلة؟

المجلس المحلّيّ أو البرلمان القانونيّ (الديمقراطيّ) يفترض به أن يكون خيمة لعموم الناس، ويضمّ نخبة من الرجال الساعين لنشر العدل والمساواة والخير، وإلا فهي مجالس غير قانونيّة وإن انتخبت بإجراءات روتينيّة (ديمقراطيّة)!

إنّ الجادّة الآمنة للرقّي والنهضة بالبلاد العراقيّة لا تكون بالحزبيّة الجامدة التي تُرشّح المتحزِّب وتتغافل عن الأولى والأفضل، ولهذا ينبغي أن يكون للجمهور الكلمة الفصل في هذا المضمار القاتل الطويل!

أصواتكم مستقبلكم وأنتم مَن ترسمون هذا المستقبل!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى