وانت تتابع مشهدا تلفزيونيا امريكيا يدور فيه نزال بين شخصين في حلبة للملاكمة او المصارعة ، قد تشدك المتابعة لمعرفة نتيجة الصراع او لربما يستفزك فتنتقل من هذه المحطة التلفزيونية الى اخرى بسبب تلك الدماء التي تسفك من الطرفين والتي تحوله من الطابع الانساني لمفهوم الرياضة الى قتال وحشي .
الى هنا لربما يبدو ان الامر طبيعيا جدا ، ولكن مايثير الانتباه والدهشة لدينا كمشاهدين هي تلك الحماسة التي يبديها المئات من جمهور المشجعين الذين يحيطون بالحلبة فترى حركات ايديهم وتسمع صراخهم الذي يدعو من يشجعونه الى القضاء على منافسه بانفعال شديد رغم سيل الدماء التي تغطي وجوههم وتملأ ارض الحلبة .. وهنا بيت الفرس كما هو القول الشائع ، فذلك المشهد يوضح بشكل جلي ويعرفنا بوضوح تام عن الطبيعة الوحشية للكثيرين من الامريكان ، ولااقصد بذلك الخصمين المتقاتلين وانما الجمهور الذي يعشق الدموية المنغرسة كما يبدو في دواخل المجتمع الامريكي ..
فأذا كنت انت من خلف الشاشة تشمئز من هذا المنظر فتبتعد عن مشاهدته ، فكيف الحال والمشجعين الامريكيين في قلب المشاهدة الحية يتفاعلون مع الحدث ويصرون على ان يقضى على خصم صاحبهم وهو الامريكي ايضا ..
- فماذا يعني ذلك .. وهل ان للامر صلة بما جرى في العراق ؟
ذلك يعني تماما ان ماجرى في العراق على يد الجنود الامريكان من سفك لدماء العراقيين وجرائم الاغتصاب المدوية التي ارتكبوها تنطلق من ذات البيئة النفسية المتوحشة الحادة التعامل التي نجدها سواء في مشهد صراع الحلبة او في افلام الاكشن الامريكية التي تروي لنا بدقة مايدور في الواقع الامريكي سواء كان الامر يتعلق بالجرائم الخفية التي يرتكبها رجال الشرطة ضد ابرياء امريكيين مثلا او عن انتشار المخدرات في الشارع او عن جرائم الفساد الخطيرة لكبار المسؤولين او جرائم السطو على البنوك وغيرها من اللااخلاقيات المصنعه امريكيا والتي تم توريدها الى بلادنا بصحبة جيشهم المحتل ..
وعلى هذا الاساس فان مايجري اليوم في الشارع العراقي هو بحد ذاته جريمة امريكية لاتقل عن جريمة الاحتلال الكبرى .
وبعد كل الذي فعلوه في العراق وحين اجبرتهم المقاومة الوطنية على الانسحاب منه في جنح الظلام ، اثروا الا يتركوه يعيد بناء نفسه من جديد فاستقدموا الايرانيين ـ وهم يعرفون حجم الضغينة الايرانية على العراق ـ ليكملوا تدميره من بعدهم استئثارا لهزيمتهم النكراء ، وباعترافهم ان نقل المعدات والعربات العسكرية كان يتم ليلا من خلال الطريق البري الى الكويت واستمر اكثر من شهرين !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *المقال يأتي استذكارا لما مر به العراق في مثل هذه الايام من عام 2003 .