في خطوة تمهد لزيادة الضغوط الدولية على إيران ،وتضعها في مواجهة معضلة فيما يخص تعاملها مع عمليات التفتيش النووية على أنشطتها النووية بموجب اتفاق الضمانات الموقع بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طالب مجلس محافظي الوكالة اول من امس إيران بالتوقف عن منع مفتشي الوكالة من الدخول إلى موقعين يشتبه في إجراء أنشطة نووية غير معلنة ذات طابع عسكري .
يضع هذا القرار طهران جاء نتيجة مواصلة منع مفتشي الوكالة من الوصول إلى الموقعين ،ما يؤكد ضمنا وجود أنشطة تخشى إيران كشفها. ويفتح هذا الخيار المجال أمام خيارين لاثالث لهما ؛الاول : هو إعلان الوكالة عدم قدرتها على تأكيد عدم وجود أي أنشطة نووية غير معلنة في إيران، وانه بات لزاما امامها ضرورة اتخاذ مجلس محافظي الوكالة خلال اجتماعه المقبل ،أو حتى بشكل عاجل -طبعا في حال إذا ارتأت الوكالة ذلك- قرار بإخطار مجلس الأمن الدولي بما سيعد انتهاكا إيرانيا لمقررات اتفاق الضمانات النووية،حيث ينص هذا الاتفاق على إتاحة دخول مفتشي الوكالة إلى أي موقع على الأراضي الإيرانية يرون ضرورة لتفتيشه.
اما الخيار الثاني فهو يتمثل بالسماح بتفتيش الموقعين ما قد يكشف طبيعة الأنشطة النووية التي كانت تجري بهما، ويؤكد وجود جانب عسكري لبرنامج إيران النووي في مرحلة ما قبل عام ٢٠٠٣، ويثبت صدق المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية بناء على تحليل الأرشيف النووي الإيراني الذي تم سرقته ،والذي يثبت سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، وتحقيقها تطورا مهما في هذا الإطار.
هذه التداعيات وغيرها من المتوقع أن يفضي إليها كلا الخيارين المجال واسعا لجوء الولايات المتحدة، أو حتى الدول الأوروبية الأطراف في اتفاق ٢٠١٥ النووي للمطالبة بتفعيل آلية الزناد مرة اخرى ، وإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران ما يعني تقويض ما تبقى من الاتفاق النووي. ويلاحظ في هذا السياق أن قرار مجلس محافظي الوكالة في ٢٧ نوفمبر٢٠٠٩ بإخطار مجلس الأمن الدولي بانتهاك إيران لالتزامتها بموجب اتفاق الضمانات ،وعدم إبلاغ الوكالة بإنشاء منشأة نووية في قم، تلاه في يونيو ٢٠١٠، إصدار مجلس الأمن قراره رقم ١٩٢٩ الذي تضمن أشد عقوبات أممية ضد إيران قبل اتفاق ٢٠١٥ النووي يشكل مثالا لذلك .
يمكن القول انه و في حالة لم تقبل إيران بمعادلة التهدئة ؛فإن خياراتها المحتملة ستتمثل بالاستمرار باتخاذ قرار بتقييد عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،و تعقيد إجراءات التفتيش الدولية على الأراضي الايرانية . ويتمثل الهدف الرئيسي لهذا الخيار في إثارة قضية فرعية وإطلاق جهود وساطة لتسويتها ما يتيح لإيران مجالا للمساومة بشكل اكبر . لكن هذا الخيار يثير خطر استغلال واشنطن له للتوجه نحو تشديد العقوبات ،وفتح المجال لاسرائيل بشكل اكبر لمزيد من عمليات التخريب والاستهداف ضد المنشأت النووية والعسكرية الايرانية ؛خاصة مصانع انتاج الصواريخ والطائرات المسيرة .
بموازاة ذلك فان طهران ما زالت مستمرة في التلويح للقيام بشكل مباشر، أو عبر وكلائها، بإجراءات تصعيد أمني سواء ضد الملاحة الدولية في الخليج العربي ومضيق هرمز، أو ضد الوجود الأمريكي في العراق، أو ضد المملكة العربية السعودية عبر اليمن، سعيا لإزاحة التركيز الدولي نحو تهديدات دولية موازية. وتتوافر مؤشرات متزايدة خلال الأيام الماضية بشأن احتمال لجوء إيران لهذا السيناريو في محاولة لتخفيف الضغوط عنها ،وتحسين شروط تفاوضها مع الغرب ،والحد من عمليات استهدافها .
بينما تبدو جميع الخيارات الإيرانية محدودة الأثر في مسار التصعيد المحتمل عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عما تحمله هذه الخيارات من مخاطر مواجهات عسكرية لا تبدو إيران قادرة على خوضها لنهايتها، فضلا عما سيترتب عليها من إضعاف أي دعم دولي لإيران، يبدو أن الموقف الأمريكي سيكون هو الحاسم في تحديد مدى إمكانية النجاح في جعل ايران تنصاع للمطالب الدولية ،والقبول بمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية،
فيما يتوقع أن تسعى واشنطن لتعزيز الزخم الأوروبي للضغط على إيران عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى إصدار قرار بإخطار مجلس الأمن الدولي بانتهاك إيران لاتفاق الضمانات الدولية، وإجبار إيران للتفاوض ؛بما يضمن توسيع اطار الاتفاق النووي وعدم قصره على الحانب التقني فقط .