انتفاضة العراقيين .. بين واشنطن وطهران

على وقع اتساع الانتفاضة الشعبية ضد النظام السياسي وحليفه إيران فإن التاريخ يعيد نفسه من جديد في اختيار رئيس وزراء جديد للعراق بعد استقالة عادل عبد المهدي. فاستحضار مشهد عام 2010 الذي اتفقت فيه واشنطن وطهران على اختيار نوري المالكي رئيسا للوزراء خلفا لإبراهيم الجعفري ضروري لكشف ما جرى خلف الأبواب الموصدة واحتمالية تكرارها في البحث عن خليفة لرئيس الوزراء المنصرف عادل عبد المهدي.
ففي مشهد عام 2019 تنزل إيران بثقلها في عملية اختيار رئيس وزراء جديد في العراق، حيث تتكثف المشاورات السياسية برعاية طهران التي يتهمها الحراك الشعبي بأنها حامية النظام القائم المتهم بالفساد والمحسوبية.
والجدل الدائر حول تعيين رئيس وزراء ليس أمرا جديدا، وإن أكسبته الاحتجاجات طابعا خاصا هذه المرة. وتعيد مجلة نيويوركر الأميركية تقريرها الذي صدر عام 2014 إلى الأذهان جزءا من فصول أسرار اختيار المالكي، حيث كشفت المداولات بين السفير الأميركي الأسبق في بغداد، زلماي خليل زادة، والرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش عن صعوبة اختيار بديل لإبراهيم الجعفري عام 2006 والذي حصلت في عهده الحرب الطائفية.
وينقل التقرير عن خليل زادة حيرته التي عبر عنها بقوله “هل يصعب اختيار رئيس للحكومة في بلد تعداده ثلاثون مليون نسمة، ولا يوجد غير سوى رجل ليس باستطاعته اتخاذ قرار وطني (الجعفري) وآخر من أب إيراني (علي الأديب)، أليس هناك شخص آخر؟”
كان السفير الأميركي ينطق بهذه الكلمات أمام ضابط الارتباط في وكالة الاستخبارات الأميركية، الذي رد عليه بالقول “لدي مرشح لك” اسمه نوري المالكي.
بعد مقابلة نوري المالكي لخليل زادة في مقر السفارة الأميركية ببغداد أصبح رئيسا للوزراء. لكن القصة عام 2010 مختلفة، حيث كان النفوذ الإيراني هو الأقوى وتم إفشال وصول إياد علاوي إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات وقصة “الكتلة الأكبر” معروفة، حيث تمت صفقة استلام نوري المالكي لولاية ثانية بعد استدعاء النظام الإيراني للكتل السياسية العراقية إلى مدينة قم في إجازة عيد الأضحى، وحضروا مأدبة أقامها لهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني. أقنع سليماني زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتقديم الدعم للمالكي مقابل منح كتلته البرلمانية عددا من الوزارات.
وطبقا لتقرير مجلة نيويوركر فإن البيت الأبيض كان على علم باتفاق سليماني، حيث حصلت أجهزة المخابرات الأميركية على نص الاتفاق، لكن واشنطن فضلت عدم التدخل أو الاحتجاج على تدخل طهران ثم أعطت موافقتها على تشكيلة الحكومة العراقية بعد شهر من اجتماع قم.
اليوم تغيرت المعادلة ولم تعد في صالح الإيرانيين ولا في صالح الأميركيين، حيث برز دور الحراك الشعبي كلاعب ثالث سيفرض رؤيته في المشهد الجديد، ويضع واشنطن وطهران على الهامش، وهذا ما أكده بريت ماكجيرك، المبعوث الأميركي السابق إلى التحالف الدولي ضد داعش، حين قال “تبدو واشنطن على الهامش تماما في حركة الاحتجاج التي يشهدها العراق حاليا، وهذا فيه مخاطرة فالتيار الوطني في العراق مع أنه ضد إيران إلا أنه ليس مع الولايات المتحدة”.
وبعد أن دخلت حركة الاحتجاجات الشعبية شهرها الثالث ودخول الميليشيات على خط قمعها في ظل الاضطراب السياسي والفوضى الأمنية في العراق تجد واشنطن وطهران نفسيهما أمام منعطف جديد يتشكل بعيدا عن رؤيتهما يستجيب لتطلعات العراقيين بوطن موحد وغير مسلوب الإرادة، ويتقاطع مع الأجندة الخارجية التي أدخلت العراق في الخانق الذي يتخبط به منذ غزوه واحتلاله وحتى الآن

مقالات ذات صلة

احمد صبري

a_ahmed213@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى