انظروا ما فعلته الناصرية بمقتدى الصدر..!

عوني القلمجي

بعد الضربة الموجعة التي تلقاها مقتدى الصدر على يد ثوار الناصرية الابطال، فقد الرجل توازنه وطار صوابه واختل عقله اكثر. وللانصاف لا لوم عليه ولا عتاب. فبدلا من ان يفي بوعده وياتي براس الثورة معلقا على رمحه، اتت الثورة براسه، وراس عصاباته المجرمة، ففقد امل الفوز بمنصب رئيس الوزراء، او تشكيل حكومة صدرية ابوية كما قال. حيث الحق ثوار الناصرية الهزيمة به وعادوا ظافرين، ليس الى ساحة الحبوبي مصنع ابطال الثورة فحسب، وانما عادوا الى ساحات التحرير في البصرة والكوت والسماوة والعمارة والنجف وكربلاء. وسط هتافات مدوية، ندد بعضها بمقتدى شخصيا، مثل “لا اله الا الله مقتدى عدو الله”. واحتج بعضها الاخر على بيت ال الصدر. من قبيل “الله اكبر يا علي ولد الصدر قتلونا” لتتوج بعودة الثوار الى ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد.

راس الثورة كلمة السر الجديدة للفوز برئاسة الحكومة. وقد اشرت الى ذلك في مقالة نشرت قبل يومين من ارتكاب الجريمة الصدرية. تحت عنوان” مقتدى يقود الثورة المضادة”، والتي جاء في سطورها الاولى : “بالامس كان عربون الفوز بمنصب رئيس الوزراء، ينحصر في تقديم فروض الولاء والطاعة، اما للمحتل الامريكي او الفارسي او لكليهما. اضافة الى ضمان مباركة المرجعية الدينية في النجف. اما بعد قيام ثورة تشرين العظيمة، فقد اصبح عربون الفوز بمنصب رئيس الوزراء، هو التعهد بانهائها”. وهذا ما يفسر لجوء مقتدى الى توثيق جرائمة تلك، بالصوت والصورة، ليقدمها الى اسياده من الامريكيين والايرانيين، على خلاف القتله الذين يحاولون طمس اي دليل يؤدي للوصول اليهم خوفا من العقاب.

مقالات ذات صلة

لكن هذا ليس كل شيء، فبالاضافة الى سقوط هيبة مقتدى ومكانته المتميزة بين اشرار العملية السياسية، جراء فشله في تحقيق وعده بالاتيان براس الثورة. جاءت الضربة الموجعة الاخرى على يد اهل بيته. حيث تمردت عليه مجموعات من اتباعه التي لم تتحمل افعاله المشينة، ولا الدفاع عنها او حتى تبريرها. اما احلامه في اقناع الناس بالاشتراك في الانتخابات، والحصول على اغلبية برلمانية مريحة، تؤهله لتشكيل حكومة صدرية، فقد تبخرت بعد ان راى بام عينه صوره تمزق في شوارع النجف وكربلاء اضافة الى مدن اخرى. ناهيك عن ان عموم العراقيين قد توصلوا مسبقا الى قناعة بان الاشتراك بالانتخابات ، يعني لا محال التوقيع بالعشرة على شرعيتها اولا، والاقرار بقانونها المعوج وطائفية لجانها وانحياز مفوضيتها وتواطؤ المشرفين على صناديقها. والمصادقة مقدما على نتائجها، التي ستكون كلها من حصة ذات الوجوه الكالحة.

امام هذا الوضع المزري حاول مقتدى تضميد جراحه. لكنه زاد الطين بلة. “او جا يكحلها عماها” كما يقول العراقيون. فالدعوة التي اطلقها لترميم البيت الشيعي عبر التوقيع على ميثاق عقائدي والاخر سياسي، قد عرت اكاذيبه التي استطاع تمريرها بين الناس فترات طويلة. مثل رفضه للمذهبية والمحاصصة الطائفية ومحاربته للميليشيات المسلحة والوقحة ووقوفه ضد الفساد والفاسدين. فالبيت الشيعي الذي دعا الى ترميمه، قام اصلا في عهد الاحتلال وتراسه العميل الامريكي احمد الجلبي واقام دعائمه على العمالة والخيانة والفساد والسرقات والقتل من جهة، ومن جهة اخرى كان اساسه التسويق باسم المذهب ودعم المليشيات المسلحة التي عاثت بارض العراق دمارا وخرابا. مثل ميليشيا عصائب اهل الحق وحزب الله وربع الله والنجباء ومليشيات دولة القانون ومنظمة بدر الاجرامية والقائمة باعضاء البيت الشيعي طويلة ومخزية. اليس كذلك سيد مقتدى؟

اما الهدف النهائي من هذه الدعوة المذهبية، فينحصر في محاولة بائسة لاستعادة مكانته المتميزة بين هؤلاء الاشرار وفرض نفسه قائدا لهم، من خلال ابتزازهم للوقوف خلفه على امل الحاق الهزيمة بالثورة، وتجنيبهم مواجهة مصيرهم الاسود وعقوبات الموت المختلفة. خاصة وان هؤلاء فشلوا مرات عديدة في محاولاتهم لانهاء الثورة. وكان اخرها تلك المحاولة الغادرة التي هاجموا فيها الثوار بمناسبة احتفالهم بالذكرى السنوية الاولى لانطلاق ثورتهم السلمية، مستخدمين القنابل الحارقة  والسكاكين والهراوات والعصي الكهربائية وغيرها من الالات الجارحة، على الرغم من ان الثوار حافظوا على سلمية ثورتهم، وشكلوا لجانا تنظيمية تعمل تحت قيادة لجنة عليا، اصدرت توجهيات تدعو ابناء الثورة من أهالي بغداد والمحافظات الاخرى الى “الانضباط العالي والتعامل الحسن مع كل المتغيرات، والتعاون مع القوات الأمنية في الحفاظ على الأجواء السلمية، وعدم السماح لأحد ممن يريدون تشويهها بالتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، والامتناع عن حمل الآلات الجارحة أو اللثام.” بل وذهبت اللجنة ابعد من ذلك حيث اختارت منطقة العلاوي بجانب الكرخ خشية الاصطدام بالمندسين والمسلحين الذين تواجدوا في ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد. وقد التزم الجميع بهذه التوجيهات رغم اعتداء المليشيات المسلحة على المتظاهرين المحتجين.

لكن حكمة الثوار تحدثت عن امر اخر بعيدا عن الاحتفال بهزيمة مقتدى وشلة الاشرار. حيث اعتبروا ما لحق بهم اسبابا غير كافية لاجبارهم على رفع الراية البيضاء، او الاستسلام بسهولة. في حين ذهبت قيادات الثورة ابعد من ذلك، اذ اعتبرت مقتدى رغم هزائمه المنكرة خطرا قائما، لكن لا بشخصه، فهو رجل امي بسيط لا يفقه من امره شيئا، بل بما يمتلكه من مليشيات مسلحة لها سجل اسود بارتكاب الجرائم والموبقات من جهة، ومن جهة اخرى تاييد المحتلين له لوقوفه ضد الثورة وكذلك تاييد كل اشرار العملية السياسية ومليشياتها المسلحة، ومجاميع المرتزقة وعديمي الذمة والضمير، الذين يعتاشون على فتات موائد المحتل وعملائه، اما على شكل رواتب تحت مسميات الجهاد والنضال، او هبات او قطع اراض او رشاوى. يضاف الى ذلك جمهور المخدوعين من ابناء المدن الفقيرة الذين انطلت عليهم اكاذيب مقتدى وادعاءاته بالنزاهة ومحاربة الفساد والعمل على تحقيق مطالبهم المشروعة والمتواضعة.

بالمقابل، فان مقتدى قد سبق له وتراجعت مكانته وانحسر تياره امام صعود نجم الحشد الشعبي والمليشيات الولائية لكنه تمكن من العودة طرفا قويا في العملية السياسية، بعد انقاذها من السقوط على يد الانتفاضة التي توجهت الى المنطقة الخضراء وقامت باحتلالها واجبرت اعضاء الحكومة والبرلمان على الهزيمة بطريقة معيبة ومخجلة. حيث استطاع مقتدى ركوب موجتها وتقدم صفوفها والتفرد بتمثيلها والهيمنة عليها، ومن ثم حرف مسيرتها وتقزيم مطالبها وحصرها بمطالب خدمية متواضعة، وصولا الى افشالها. عن طريق نصب خيمته في مدخل المنطقة الخضراء واجبار الثوار على الانسحاب منها. واليوم وعلى ارض الواقع . ما زال مقتدى يواصل تغريداته التي تهدف تشويه سمعة الثورة والثوار من قبيل. وصف ساحات الثورة بانها اماكن للفاحشة والرذيلة والتعري والسكر والمخدرات. ووصف الثوار بالكفرة وكرههم للمرجعية الدينية والتعدي على الذات الالهية. تمهيدا لارتكاب الجرائم نفسها. والا بماذا نفسر تهديداته بسفك مزيد من دماء الثوار اذا اصروا على مواصلة الثورة؟. بمعنى اخر وباختصار شديد، فان قيادة الثورة لم تستهن بعدوها رغم الهزائم التي لحقت به. ولم تستخف بحجم القوة التي تحاربها مهما بدت ضعيفة. بل ان الثوار يعدون العدة لدخول معركتهم الفاصلة، التي لا يقبلون فيها بغير الانتصار. وشعارهم في ذلك “اما وطن او كفن”.

ان تقييم قيادة الثورة لهذه المخاطر والاعتراف بها، يدل على وعي كبير وخبرة عالية بكيفية ادارة معركة الثورة ضد اعداءها. وان الانتصارات التي حققتها هي ليست سوى تمارين قبل الدخول في المعركة الفاصلة. خاصة وقد وضعت قيادة الثورة بدقة عوامل الانتصار موضع التطبيق. واهمها رفض الاستسلام وشطب كل فكرة تؤدي الى تقديم تنازلات على حساب ثوابت الثورة واهدافها، وشعارهم في ذلك “اما كفن او وطن” واجتثاث جميع المقولات، التي ظاهرها الحق وجوهرها الباطل، من عقولهم. مثل السياسة فن الممكن، او التصرف بالعقل وليس العواطف، اوالخضوع للابتزازت المستمرة من قبل القوة المحتل والحكومة العميلة. بل اصبحت تلك المقولات بالنسبة لثوار تشرين في خبر كان، لانها اصبحت تتعاكس مع ثوابت الثورة الوطنية من جهة، وقدرة الشعوب على انتزاع حقوقها  مهما بلغ اعداؤها من قوة وباس من جهة اخرى. هذا ليس استنتاجا من قبل كاتب هذه السطور، وانما كان جوابهم على رئيس وفد الحكومة الذي طالبهم برفع الخيم من ساحة الحبوبي وفض الاعتصام مقابل وعود بتحقيق مطالبهم. وفي هذه المناسبة، لا اذيع سرا بان الثورة لم توظف بعد كل ما لديها من مواطن القوة ومن رباط خيلها ترهب به اعداءها واعداء الله . واذا حدث وجاء اليوم الموعود فسترون قوة ابطال ثورة تشرين، وترون بالمقابل كيف ستضيق ارض العراق بهؤلاء الاشرار وهزيمتهم كالجرذان المذعورة طلبا للنجاة بجلودهم. اما مقتدى الصدر فسيكون حظه كبيرا اذا تمكن من الهروب وقضاء بقية حياته في مدينة قم الايرانية والجلوس بخشوع تحت قدمي الولي الفقيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى