ايران كيان جدلي يكثر الحديث عنه بالاعلام الغربي والشرقي بين ماهو متفق مع سلوكها وبين ماهو رافض لنهجها. وقبل الولوج في صلب الموضوع أود ان اذكر وبنقاط قد تبدو متفرقة ولكنها (كما نعتقد) مترابطة بصلاتها بصلب الموضوع:
➢ الاعلان الرسمي في اذار عام 1924 عن نهاية الدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى يعني عمليا اعلان هزيمة الاسلام كقوة دينية وسياسية وعسكرية وحضارية امام الغرب المسيحي. وهذه الحادثة تركت مرارة في نفوس وقلوب جميع المسلمون ايا كان توزيعهم الجغرافي. واستمر الغرب في خطاه المميت بالعمل على علمنة تركيا (الوريث الشرعي للخلافة الاسلامية) وكذلك بقيامه (وهذا خطا اخر مميت) بنهج التشوية المستمر للدين الاسلامي كعقيدة. وعمد الغرب في ادبياته واعلامه بتلويث كل ماهو مسلم كفكرة او حتى كسلوك فاغْتُصِبَ بذلك حق الدين الاسلامي في تمثيله لاكثر من مليار و300 مليون انسان.
➢ رغم ان القوميين الاوربيون هم من عملوا على تعزيز الهوية الوطنية في دولهم والتي ادت الى انعاش حياة البشر وتحسين طريقة عيشهم ولكنهم لم يساعدوا القوميون الاخرون او بالاحرى عرقلوا مسيرتهم بسبب مخاوفهم من استقلال الدول من هيمنة الاستعمار الاوربي. وهذا ادى الى فشل تجربة القوميين واليسارين الى حد سواء ليس في المنطقة العربية فقط بل بالدول الاسلامية الاخرى ايضا وهذا ما عزز شعور المسلمون للعودة الى الدين لايجاد الحلول وحصل شعار “الاسلام هو الحل” على مقبولية في الشارع الاسلامي وان صعود شعبية الاحزاب والتيارات الدينية في معظم الدول الاسلامية خلال العقود الخمسة الماضية كان واضحا ويعتبر كرد فعل لفشل القوميين واليسارين على حد سواء في ايجاد حلول لمشكلاتهم.
➢ ان لمراجع الدين الشيعة عالمهم المستقل وهم دولة داخل الدولة لاسلطان لها عليهم بل احيانا يفوقون الدولة في عدد اتباعهم الذين يدينون لهم بالولاء. ان الشيعة عاشوا لسنوات طويلة تنامى لديهم شعور بالمظلومية مما اضطرهم ليتوزعوا الى مناطق متباعدة لا تربطهم زعامة و عليه باتت تعاليم المذهب هي الخيط الذي يصل بين الجميع وهذا كان من صميم واجبات المرجعيات الدينية. وللحفاظ على الطائفة وتوارث تعالميها وحمايتها من العبث والاندحار انيطت (بقصد او غيره) للمرجعيات ان يقوموا بدور قيادة الطائفة فباتوا بذلك يؤدون دورا مزدوجا (عقائديا و سياسيا) في ان واحد وهذا ادى الى التفاف عامة الشيعة حولهم (المراجع) والالتزام باوامرهم.
➢ فلسطين قضية اسلامية بالدرجة الاولى وهي الاصرة التي يرتبط بها الجميع والخيط المشترك الذي يوصل بين عامة المسلمون وبين العالم العربي ومهما كان الموقف تجاه دولة اسرائيل فهي في تعريفها الجوهري عملية احتلال واغتصاب لاراضي اسلامية وانتهاك لمقدسات مهمة للمسلمين في مدينة القدس (اولى القبلتين وثالث الحرمين).
حققت الثورة الاسلامية عام 1979 بقيادة الخميني انتصارا كبيرا في زمن المد الاسلامي المتزايد في المنطقة وفي مناخ يتالم فيه المسلمون من حكامهم الديكتاتورين الذين باتوا يمنعونهم من التجمع وممارسات الطقوس ومنقرفون من الاعلام الغربي الذي لا يكف عن وصف دينهم بالعنف ولصقه بالارهاب. واطلقت الثورة الايرانية منذ ايامها الاولى العنان لمشروعها الاسلامي واعلنت به عن رفضها للنظام العالمي القائم (والمجحف للمسلمين حسب اعتقادهم) وقالت عن حركتها انها ثورة اسلامية لا غربية ولا شرقية اي انها مشروع غير منحاز لكليهما واتت باديولوجية مختلفة عنهما وتتطلعت ايران من خلال هذا المشروع بدور ريادي في المنطقة والعالم الاسلامي ايضا وبهذا ارتطمت بجماعتين: الاولى بمؤيدين للنظام العالمي القائم والثانية بالطوائف الاسلامية الاخرى (وخصوصا السنية منها ذو الاغلبية العددية) واشتبكت معهما و كان خطأها الكبير شعاراتها العدائية تجاه العراق (تحرير القدي عبر كربلاء اليوم طهران و غداً بغداد)
ففي الاقليم (منطقة الشرق الاوسط) اتسمت مواقف الانظمة السنية وخاصة العربية منها بالسلبية التامة و رفض المشروع الاسلامي الايراني لانه تحت قيادة شيعية مستحضرةً بذلك التركة الثقيلة (التي عمرها يتجاوز 13 قرنا) من الخلاف الفقهي والاجرائي والحافلة بالتلغيم والتقسيم والتهميش وحتى بالصراعات المسلحة في فترات متقطعة ولكنها متعددة.
اما على المستوى الدولي فان رفض مشروع ديني (والذي سيرجع العالم الى ما قبل القرن العشرين) كان محسوما ومقابلا بالعداء وان سلوك ايران الثورة في ايامها الاولى بالاعتداء على السفارة الاميركية اعطى مبررا لهذا العداء ولكن في حقيقة الامر فان الدول الكبرى الغربية منها تعادي ايران لعاملين اولهما ان الغرب كان ولازال يخاف من اي نهج ثوري عقائدي كونها تريد اخضاع الاخرين لها من دون معارضة وبهذا فهي لاتتردد في الدخول بمعارك وبكافة الوسائل لايقاف زحف هذه العقيدة الى الشعوب الاخرى اما العامل الثاني فيتحدد باسرائيل حيث لا يمكن شرعنة اي مشروع اسلامي والحصول على مقبولية عالية والتفاف حوله الجماهير من دون توجيه بوصلته الى القدس وهذا بحقيقتها يعني مواجهة وجودية للكيان الاسرائيلي والذي يرفضه الانجيليون المتصهينون رفضا تاما والذين (اي الانجبليون) لهم قدرة على قيادة الغرب والتاثير عليه وخصوصا في اميركا.
بعد وفاة الخميني والتواجد الدائم لخليفته (خامنئي) في طهران تاركا مدينة قم للحوزة الدينية اصبح المرشد الاعلى رمزا سياسيا اكثر مما هو رمزا دينيا فبدات تستعيد الدولة دورها في محاولة لاعادة تشكيل المؤسسات واتخذت ايران اجراءات عملية لبناء دولة لها القابلية على التعايش مع الاخرين وممكن لها ايضا ان تتوافق مع المعادلة الدولية او على الاقل مع بعض من اركانها. ونجحت ايران كثيرا في اعادة بناء مؤسسات الدولة ولكنها لم تنجح بالتخلي عن مشروعها الاسلامي ولهذا فهي لازالت في خضم الصراع وترتطم مع معارضين لهذا المشروع (وهم كثر) و اصبحت المنطقة و العالم تشعر بالقلق بعد تمدد نفوذها في العراق ولبنان و سوريا و اليمن.
الان:
قد تكون ايران كدولة ليست لها شعبية كبيرة كونها ترتكز في دستورها كليا على الدين وهو بالمفهوم العميق قد يكون عتيقا ومشى عليه الزمن ولكن ورغم الصعوبات فان ايران كمشروع لها ارضية صلبة في نفوس العرب والمسلمون.
فهل سيتمكن المشروع من العيش والاستمرار؟ هذا ما ستخبرنا الايام به
واذا فشل فَسَيُخْلَق من جديد (كما اعتقد) باسماء مغايرة ولكن باهداف متتطابقة

939
تعليق واحد