ايران بين مطرقة الاحتجاجات وسندان الاغتيالات

ما زالت ايران لغاية اللحظة تعيش وضعا مأزوما ما بين اندلاع التظاهرات وسلسلة من عمليات التخريب والاغتيال الممنهج ، وما بين هذا وذاك تعكس التصريحات الرسمية الايرانية حالة من التناقض غير المفهوم حول طبيعة ما يجري ردا على الانفجار الذي جرى بالامس في منشأة بارشين ،و تصفية احد المهندسين المهمين في البرنامج النووي ، وقبل ذلك بيومين تصفية العقيد في الحرس الثوري الايراني “حسن صياد خدايى” المشرف على احد اهم البرامج للاغتيالات خارج الجغرافيا الايرانية .
المؤكد ان الاستمرار الايراني في تبني هذا استراتيجية الغموض وعدم الكشف حول حقيقة مايجري ، يعكس حالة الارباك والصدمة التي وصلت لها الامور ، خاصة مع تطور مسار التظاهرات لتصل الى اكثر من سبعة وثلاثين بؤرة ساخنة .

كل هذه التطورات صاحبها غياب توجيه الاتهام للفاعل او الجهة التي دبرت عمليات التخريب والاغتيال ؛ على الرغم من الاتهامات المبطنة التي يوجهها النظام الايراني دوما لاسرائيل بالقيام بمثل هكذا هجمات ،طبعا مشفوعة بزعم احتمالية تورط اطراف خارجية اقليمية تسير في قاطرة التطبيع في اشارة ضمنية الى (الامارات والسعودية )دون اعطاء المزيد من التفصيلات،وهو ما عودنا عليه التبرير الايراني العاجز عن الرد المباشر على تل ابيب .

مقالات ذات صلة

يمكن القول انه عادة ما يرتبط الحرص الايراني للترويج لهذه الشائعات واختلاق الاتهامات بمتغيرات اساسية ، ابرزها محاولة اشغال الراي العام المحلي بالتحليلات عن فرضيات الهجوم واشكالها المتعددة ،ودوما ما تروج طهران لاشكال مختلفة لمثل هكذا تبريرات :مناورات دفاعية او هجمات غامضة غير مفهومة (سيبرانية ) او عمليات تخريب مختلفة ما بين هجمات صاروخية او مسيرات مفخخة او شبحية ، ثم تأتى مرحلة طرح الفرضيات والتساؤلات حول الفاعل من خلال وسائل الاعلام المحسوبة الحرس الثوري اللذين يبدأون بكيل الاتهامات للخصوم والمنافسين ووضعهم في سلة واحدة مع اسرائيل ، والتي تتضمن التسويق لفرضيات حول كيفية تنفيذ هذه الهجمات والتحضير لها وانطلاقها،و هل كانت من نفس اسرائيل ام الامارات او السعودية او اذربيجان، و عادة ما يكون هدف الترويج لمثل هكذا اتهامات ومزاعم هو توريط دول الاقليم والزج بها في اتون المواجهة على حساب مواجهة اسرائيل ، اضافة لمحاولة الترويج لفرضية وجود تعاون مع عملاء داخل المنشأت الحساسة الايرانية بعد استنزاف اشغال الرأي بالفرضيات السابقة ؛ومن ضمنها طبعا الهجمات التي نفذت ضد “بارشين “على غرار ما سيق من تبريرات عقب هجمات سابقة في ٢٢ يونيو من العام ٢٠٢٢، وتم الحديث وقتها بشكل واسع في الاعلام الايراني الى هذه الفرضية لاحقا من ان سبب الحادث كان اختراقا امنيا .
و عادة ما يتم الحديث عن هذه الفرضية بهدف ممارسة سياسة الانتظار والتريث،وعدم الاعلان عن حيثيات ما جرى فورا لاعتبارات استخبارية وسياسية .

المؤكد ان احتواء المخاطر الناجمة عن الافصاح عن المعلومات المتعلقة بطبيعة الخرق من خلال الترويج لاشكال عديدة من الهجمات؛ ربما لاسباب تتعلق باهمية تتبع خيوط ما جرى خشية من وجود شبكة معقدة من الاشخاص المتورطين خاصة بعد قرار اجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، صاحب ذلك اجراء تحقيقات واسعة ، والتي عادة ما تتم بين المسؤلين المدنيبن والعسكريين العاملين بالمنشأةالمستهدفة ( بارشين ) والذي قد يقود ربما لمعلومات حول شبكات التجسس النشطة بقوة في ايران ،مما سيسهم
بالكشف عن سلسلة عمليات التخريب المعقدة التي جرت وتجري في ايران،وهذا الامر تطلب لاحقا طلب مساعدة روسيا والصين ،عبر المشاركة في التحقيقات وطلب المساعدة الفنية والتقنية ، مع ما صاحب كل ذلك من زعم وزارة المخابرات الايرانية عن تفكيك شبكة تجسس تابعة للموساد الاسرائيلي في طهران ، وما اعقب ذلك من تطور غير مفهوم تمخض عنه اغتيال حسن صياد خدايى في قلب العاصمة طهران في اليوم التالي .

المرجح ان التسويق دوما لفرضية الخرق الداخلي قد يحد من ضغط الرأي العام الايراني المطالب بالانتقام سريعا بسبب حاجة السلطات الايرانية الى التريث والمزيد من الوقت لتتبع خيوط الخرق الداخلي الذي يجرى لاستهداف الامن الداخلي الايراني بشكل ممنهج ومتكرر ،ومحاولة اظهار هيمنة الحرس الثوري الذي يتولى حماية هذه المنشأت عسكريا واستخباريا ،للحد من محاولات تشويه صورته بعد نجاح اسرائيل في استهداف المنشأت النووية ،الى جانب تصفية الكثير من العلماء النوويين ،مما احرج الحرس الثوري وهز من صورته بعد نجاح عمليات الخرق المتكررة في وقت تتصاعد فيه وتيرة التظاهرات في عموم الجغرافيا الايرانية .

الكل يترقب ما يجري في الاقليم وسط معلومات تؤكد ان هناك حالة تأهب لحدث اقليمي كبير ، وغير مسبوق، يجري الترتيب والاعداد له ،وقد طلب من دول المنطقة الاستعداد لهذا التطور وتداعياته، بما يتجاوز استهداف بارشين بالامس الى حدث جلل؛و ربما قد يطال عمليات اغتيال لقادة النظام الايراني، واستهداف اوسع للبنية النووية والصاروخية ومصانع انتاج الطائرات المسيرة،ولا يستبعد اغتيال قادة لوكلاء ايران في المنطقة ، وهو ما يعكس تهديد قادة النظام الايراني باغراق لبنان والعراق في الفوضى على وقع خسارة حلفائها هناك للانتخابات البرلمانية، مع الاستمرار بالتلويح بورقة الجنوب السوري لاغراق الاردن ودول الخليج بالمخدرات والسلاح، خاصة مع اعتراف الاردن بمحاولات ايرانية لتهريب ٣٠٠٠ نوع من الذخائر عبر الطائرات المسيرة مستغلة استراتيجية ملء الفراغ الذي اعقب الانسحاب الروسي من الجنوب السوري على وقع الازمةالاوكرانية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى