بطل الفلم وصناعة الشرير

من المعلوم ان صناعة الافلام تعتمد في جزء رئيس من حبكتها على ثنائية الخير والشر والصراع الازلي بينهما والذي لم ولن ينتهي ابدا. وكلما زاد شر السيئين(العصابة) في الفلم كلما انجذب المشاهدين للفلم وارتبطوا عاطفيا بالبطل. هذه الثنائية الساذجة هي نفسها التي يلعب عليها كل الدونكيشوتيين في العالم،ومنهم الشعبويون والمتطرفون الذين يتبنون ذات الثنائية المتصارعة من الازل(الخير-الشر).هذه الثنائية التي لاتقبل باي تدرج او لون او مايسميه فلاسفة الاسلام(المنزلة بين المنزلتين) تم نطويرها ونمذجتها لتعلب في قوالب جاهزة يتم شحن عقول الاتباع والمريدين بها. فنحن والاخر،وفسطاط الايمان وفسطاط النفاق،ودار الاسلام ودار الكفر،والعلمانيون والاسلاميون،والمقاومون والخونة،والمجاهدون والقاعدون،والعرب والعجم،والوطنيون الاشراف والذيول الانجاس،والاصلي والتبعية…الخ.ولا اريد الاستطراد في الجذر الفلسفي والبيئي لهذه الجدلية الثنائية،لكني اريد في عجالة التنبيه الى خطورة هذه المقاربة التي تختطف الحكمة،وتسيّد الجهل،وتعلي التطرف،وتلغي العقل.ولنأخذ غزة والعراق مثلين لجدلية البطل والعصابة.وأنا هنا لا أجادل في صحة ان العدو الصهيوني هو عصابة حقا،ولا اقلل من بطولات الفلسطينيين ونضالهم وصمودهم الممتد عبر 75 عاما،لكني اناقش بطولة البطل وحاجته للشرير(الصهيوني) في الجانب الفلسطيني،والشرير (الاسلاموي) في الجانب الصهيوني كي يكسب قلوب المشاهدين ويديم الفرجة ومن ثم السلطة والنفوذ.فبعد مئات الشهداء الفلسطينيين،والاف الجرحى والمعوقين،وبلايين الخسائر المادية،والاف المنشورات الاحتفالية يعود سكان غزة ليجدوا مقابرهم زادت ومنازلهم ومنشآتهم قلت وحدودهم بقت كما هي!عاد الهدوء النسبي لغزة وذهبت السكرة وحانت الفكرة! انه ذات الفلم الذي حصل في حزيران 2014 حيث اعلنت كل من حماس واسرائيل الانتصار على الاخر بعد ما اسمته حماس بمعركة العصف المأكول وما اسمته ( (اسرائيل)بالجرف الصامد وخسائر بشرية ومادية اكبر،تم على اثرها ايضا غلق مطار بن غوريون.ودامت الهدنة بين الطرفين سبع سنين استغلها كل طرف في تعزيز قوته العسكرية وتحالفاته الستراتيجية،في حين تضاعفت مجاعة الفلسطينيين ومعاناتهم ولم يستعيدوا شبرا واحدا من ارضهم.وفي المقابل لم تتمكن اسرائيل من كسر ارادة الفلسطينيين،وكل مافعلته هو زيادة الشعور بعدم امكانية العيش بسلام دائم ل(مواطنيها). ان الحقيقة التي لاجدال فيها هي ان كل من البطل الاسلاموي،والبطل الصهيوني بحاجة للآخر وانهما يتخادمان للبقاء ابطالا لهذا الفلم.
أما في العراق فالبطل لدينا لا يختلف في شعبويته وانتهازيته وقدرته على استثمار العواطف،واستحمار العقل،واستعمار الفكر للبقاء بطلا وتجنب حفل الاعتزال. فبعد أن تحالف البطل مع العصابة للاطاحة بالشرير السابق(النظام السابق)، برزت الحاجة لشرير جديد فكانت امريكا(المحتلة) ابتداءً .ثم عندما تقلص شر واغراء اميركا المحتلة بالنسبة لجمهور(الفلم)،كان من الضروري العودة الى الشرير التقليدي(اسرائيل). ان التطرف يتغذى على التطرف ولذلك يتخادم معه ويعلم انه سيفقد جمهوره او ينتهي(فلمه) اذا تم القضاء على الشرير. ان حالة اللاحرب واللاسلم التي يعيشها العراق شبيهة بما يعانيه الفلسطينيين. انها الحالة المثالية التي تتيح ابقاء سيطرة(البطل) على عقول ومقدرات الجمهور،وفي نفس الوقت اضفاء الشرعية والمصداقية على (كلاوات) البطل. لكن اخطر مافي هذه الحالة انها تستنزف كل مقدرات وموارد البلد لصالح (مقاومة الشرير) وتجعل العقول مدمنة على الوهم وبعيدة عن الواقع. ومالم تتم مواجهة التطرف الفكري والعقائدي فلا يمكن تحقيق التنمية المستدامة اطلاقاً،وسنبقى اسيري الافلام الدونكيشوتية التي تستهدف عقولنا قبل جيوبنا.
ملاحظة:بطل الفلم ليس بالضرورة يصنع الشرير،لكنه يبحث عنه احيانا ليستثمره

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى