لم تكن مصادفة اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان وانما كانت تعبيرا عن مزاج الشارع العربي الذي ضاق ذرعا بفشل واخفاق الطبقة السياسية التي تحكم البلدين والمتهمة بتبديد الثروة وافقار الناس ومصادرة حقوقهم في مشهد جديد بدأ يتشكل بعيدا عن قواعد اللعبة السياسية ونظام المحاصصة الطائفية والسياسية التي أبقتها مهيمنة على الحكم وفشلت في ادارته على مدى السنوات الماضية
والمقاربة في مشهدي العراق ولبنان تشير الى ان الواقع الجديد التي فرضه الحراك الشعبي كشف هشاشة وعدم قدرة القائمين على الحكم على التعاطي مع المطالب المشروعة للمتظاهرين وشواغلهم الحياتية وهو الامر الذي سيفتح الباب امام مشهد جديد بعيدا عن الاستقطاب الطائفي والسياسي الذي كان عائقا لتحقيق التغيير المنشود
وما يعزز فرص نجاح الحراك الشعبي وديمومته في العراق ولبنان ان جمهوره عابر لاشتراطات الاستقطاب الطائفي والمناطقي التي تراجعت امام شرعية المطالب وفشل المتمسكين بخيار تقاسم السلطة الذي ابقاهم في هرمها وهو ماتجاوزته حركة الشارع بعد ان عدته يتقاطع مع حراكها العفوي بعيدا عن الاملاءات الحزبية المتمترسة خلف الجدران الطائفية التي اهتزت وتصدعت في اول اختبار حقيقي مع حركة الشارع وانتفاضته
وعندما نشير الى المقاربة في مشهدي العراق ولبنان فاننا نتوقف عند الجمهور الذي أوصل الطبقة السياسية الى سدة الحكم الذي انتفض على من انتخبهم واوصلهم للسلطة وكشف خذلانهم ونزع شرعيتهم في ردة فعل عنوانها التغيير الحقيقي المنشود الذي يقرب البلدين الى الاستقرار ووقف تغول الفاسدين على المال العام وحمايته من حيتان الفساد
فلبنان الذي يدفع شعبه فاتورة فشل طبقته السياسية التي لم تتورع في إضافة احمالا جديدة على كاهل مواطنيها يواجه حراكا شعبيا يبدو انه لم يتوقف ويركن لوعود كاذبة تجاوز المحرمات التي كانت تمنع الجمهور من كسر محدداته والمطالبة بحقوقه المشروعة ومنع يد السراق الذين يستظلون بتلك المحرمات للوصول الى سرقة أمواله في تحول كبير سيضع لبنان امام مفترق طرق؟
فاما دولة مدنية تستجيب لكل شواغل اللبنانيين أو استمرار تغول طرف سياسي باستخدام السلاح والاستقواء بالعامل الخارجي كخيار لترهيب معارضيه في مسار العمل السياسي وهو خيار سيدفع اثمانه الباهضة المواطن من دون ان يرى مخرج يجنبه المزيد من الخسائر
اذا الجمهور الذي خرج الى الشارع بعفوية من خارج سلطة الأحزاب المتنفذة وطالب بالتغيير الحقيقي هو رسالة بليغة وواضحة الأهداف مفادها ان ترحل الطبقة السياسية والحل المنشود يكمن بنظام جديد يتساوى الجميع بالحقوق والواجبات من دون أقصاء او تهميش أي طرف/ نظام يحقق العدالة ويعزز سلطة القانون ويحصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة من يستقوي به ضد الاخرين
من هذا المخرج للواقع المرير الذي يعيشه البلدان ممكن ان تفتح ثغرة من الجدران الطائفية التي مازالت تحول دون تحقيق الاختراق المطلوب بفعل تمترس رموز الطبقة السياسية خلفها وترفض أي مساس بهذه المحرمات كما تحاول ايهام الجمهور بذلك مثلما يسعى القائمون على الحكم في العراق لتكريس سلطتهم التي تترنح في عدة ساحات رغم فشلهم في إدارة العراق والحفاظ على ثرواته والتفريط بها بفعل الفاسدين وحماتهم من مراكز النفوذ والقرار
وهذا المشهد السوداوي يعكس حال العراق بعد 16عاما على احتلاله هو الذي دفع مئات الالاف من العراقيين للنزول الى الشارع والمطالبة برحيل النظام بانتفاضة شعبية عفوية عابرة للطائفة والعرق
واستنادا الى ماتقدم فان مسار الحراك الشعبي وتطوراته فان المنتفضين في العراق قدموا دمائهم الزكية في مواجهة انياب السلطة لايصال صوتهم لمن يهمه الامر وكان الرد فتح النار على صدور المحتجين الشباب رغم سلمية حراكهم
أما في لبنان فان خيار السلاح لوأد الحراك الشعبي المتصاعد هو الذي يلوح بالافق من أحد أطراف المعادلة السياسية أستباقا للقادم
نعم المقاربة بين بغداد وبيروت .. هي برسم التغيير لتجاوز الجدران الطائفية