طائرات وقاصفات تحوم في السماء تلقي بقنابلها الجهنمية على مواقع عسكرية ومدنية تهز العاصمة بغداد ، والبوارج الحربية ترسل رسائل الموت هي الاخرى من البحر لعناوين تختارها محددة او لربما عشوائية ، بينما الانزالات الجوية تتوالى هنا وهناك .. تلك الايام من نيسان عام 2003 مازالت تخيم على ذاكرتنا ولا تبارحها ، ايام وليال ٍ سوداء .
كنت حينها في خارج العراق اراقب المشهد من خارج الصورة واقلب مسرعا المحطات التلفزيونية واحدة تلو الاخرى واتنقل بين هذه المحطة وتلك ، كنت ارى مشاهد وصور (ايام قيامة) احترق فيها كل شيء فتحول ليل بغداد الجميل واضاءات شوارعه الرومانسية الى ظلام دامس يخترقه وهج منبعث من اطنان القنابل التي تنفجر لتصبح كالشمس في الليل .. وتحولت نهارات بغداد الى مدينة اشباح يغلفها غبار معارك لاترى من معالمها سوى اطلال مدينة تبدو وكأنها مهجورة ..
فجأة تقطعت كل سبل الاتصال مع العراق ولم يعد هناك هاتف يوصلك بأحد فقد قصفت كل شبكات الاتصالات ، وانقطعت الطرق الخارجية مع دول الجوار وتحديدا مع الاردن وسوريا فلم يعد هناك احد يمكنه دخول العراق ولا احد يستطيع ان يغادره .. انا تحت رحمة التلفزيون اذن وليس لي غيره !
الساعات والايام تمر ببطء قاتل ، اريد ان اعرف كيف تجري المعارك وماحقيقة مايقوله الاعلام الامريكي وشبكة سي ان ان وغيرها من التي اصطحب الجيش الامريكي معه مراسليها ومصوريها والذين لايتحدثون الا عن انتصارات للغزاة ودمار وتدمير للجيش العراقي والياته ، كنت اكذب الصورة واصرخ بصوت عال ٍ وانا اتجول في البيت ..اريد صورة او مشهدا ينفي ذلك ، اريد ان اسمع الحقيقة ، اريد احدا يتحدث عن ايما انتصار للجيش العراقي ، اريد ان اسمع عن اندحارات للغزاة .. لكنني لم اسمع ولم ارى ايا من ذلك .. لان العالم كله تحول الى شياطين ضد العراق !
في صبيحة يوم 8 / نيسان شاهدت مراسل قناة (ال بي سي) اللبنانية يقول انه الان وقد خرج الى (شارع السعدون) الذي يقع في قلب بغداد ويشير الى انه لاول مرة يتجول بمفرده دون ان يرافقه احد من موظفي وزارة الاعلام كما هو معتاد ، وكانت كاميرته تدور وتصور ماحولها .. الاماكن خالية تماما من كل شيء ، الا من الاشارات المرورية ..
لقد قضي الامر ..!

774
تعليق واحد