بمناسبة العيد التاسع والتسعين لتأسيسه محطات من تاريخ الجيش العراقي

  • انبثقت فكرة الاحتفال بعيد الجيش العراقي عام 1946، عندما أمر رئيس أركان الجيش آنذاك الفريق أول الركن صالح صائب الجبوري أن يُحتَفى باليوبيل الفضي للجيش بانقضاء ربع قرن على تأسيسه، واُتخذت إجراءات عديدة وفعاليات كثيرة بهذه المناسبة، شارك فيها سياسيون وأدباء وكتّاب، كما أقامت النوادي العسكرية وتشكيلات الجيش في المدن والألوية (المحافظات) العراقية احتفالات مماثلة، وبدا واضحاً للجميع مدى التفاعل الإيجابي والمتبادل بين الشعب والجيش، وسمّي ذلك اليوم بـ (يوم الجيش). وأُلقيَّ خطاب عام وطويل من دار الإذاعة إلى الشعب بهذه المناسبة جاء في مقدمته:

 (… اليوم من أيام الشعب العراقي الغرّاء، ويجب علينا أن نذكره بحفاوة وإجلال، إذا ما تذكّرنا بأن الجيش للأمة الفتية الناهضة هو عمادها، ودعامة عزّها، ورمز مجدها، ومرتكز كيانها …) [1]

ومنذ ذلك اليوم أُعتُبِر السادس من كانون الثاني من كل عام عيدًا للجيش العراقي وعطلة رسمية في كافة أنحاء البلاد. وعليه فأن عيد الجيش هو العيد الوطني الوحيد في العراق الذي استمر الاحتفال به بلا انقطاع أو إلغاء أو إهمال منذ إقراره رسمياً في ذلك التأريخ وإلى يومنا هذا، على الرغم من تغيّر الحُكّام والحكومات والأنظمة الحاكمة، ما يُعَدّ مؤشّراً واضحاً ورسالة ناصعة بأن الجيش العراقي هو مؤسسة وطنية شاملة، يحق لكل أبناء الوطن من شماله إلى جنوبه الانتساب إليه، ليضم بين صفوفه مختلف شرائح المجتمع من طوائف وأديان وألوان، حتى أصبح هذا الجيش رمزاً بارزًا من رموز الوحدة والسيادة الوطنية العراقية.

مقالات ذات صلة
  • تُعطّل جميع المؤسسات الحكومية الرسمية وشبه الرسمية والمدارس والجامعات في ذلك اليوم، ويتنعّم المواطن وخاصة طبقة الموظفين وطلاب المدارس والجامعات بهذه العطلة، أما منتسبو الجيش بكافة فئاتهم فلا يعطّلون فيه بل يستمرون بالعمل كأي يوم من أيام السنة ولأسباب بديهية، لكنهم يحتفلون به فيما بينهم داخل أسوار ثكناتهم من تبادل التهاني بين الرئيس والمرؤوسين وبقية المراتب وتقدّم لهم الحلويات والعصائر وتُلقى الخطب الوطنية والاستذكاريه بهذه المناسبة، وتوزع الهدايا على المتميزين منهم ويكرّم عوائل الشهداء والمعاقين ويٌزار المرضى والجرحى.
  • الرائد (محي الدين عمر 1882-1952) والمولود في بغداد، هو أول ضابط يلتحق ويُسجّل بالجيش العراقي، حيث انتسب إلى صنف الخيّالة في بداية شهر كانون الثاني عام 1921، بأمر من أول وزير الدفاع الفريق جعفر العسكري.
  • البوابة الرئيسة لمبنى وزارة الدفاع القديم في الباب المعظم من مدينة بغداد، هو رمز حصين لهذه المؤسسة، وتحفة معمارية هندسية، أمر بإنشائها عام 1936، الفريق بكر صدقي، رئيس أركان الجيش آنذاك، وهي نسخة طبق الأصل في بنائها وهندستها لبوابة وزارة الدفاع التركية. ومازالت البوابة قائمة إلى اليوم بكامل هيكلها وتفاصيلها، باستثناء الشعار الملكي المنقوش في أعلى البوابة حيث شُنّعَ بعد انقلاب 14 تموز 1958 المشؤم.
  • الجيش العراقي هو ثاني جيش وطني تأسس في الوطن العربي بعد الجيش المصري. لكنه اتسم وبعد سنوات من تشكيله، بنزعاته الانقلابية ضد نظام حكمه وحكّامه، فكان انقلاب بكر صدقي سنة 1936، أول انقلاب عسكري في العراق والوطن العربي والمنطقة، ثمَّ أعقبها أربعة انقلابات أخرى ناجحة وفي أزمان متباينة. جميع هذه الانقلابات كانت نتائجها دموية شرسة وخسائرها بشرية مؤسفة ومادية فادحة، باستثناء انقلاب 1968، الذي سمّي في حينه بـ (الثورة البيضاء)، إضافة إلى انقلابات وحركات عديدة، إلا أن أغلبها باءت بالفشل من حيث تخطيطها وتنفيذها أو أُحبطت بفعل الوشاية والنميمة ضد منظميها.
  • تُعتبر الكلية العسكرية العراقية والتي تأسست سنة 1924، من أعرق الكليات في الوطن العربي وأشهرها، وتُكنّى بـ (مصنع الأبطال)، حيث بلغ عدد الدورات التي سجلتها الكلية لغاية عام 2019 (110) دورات. وفي مراجعة تاريخية لإحدى هذه الدورات -وهي الدورة (17) التي تخرّج فيها 240 ضابطًا سنة 1938-نرى إنها دورة تميّزتَ باحتوائها على شرائح مختلفة من أطياف الشعب العراقي، ففيها المسلم والمسيحي واليهودي، والعربي والكردي والتركماني، والقومي والشيوعي والعشائري، لكنها في نفس الوقت من أكثر الدورات إثارةٍ وتمرداً وحظوظاً في مسيرتها عن مثيلاتها من الدورات السابقة وأيضاً اللاحقات، وسمّيت نفوراً بـ (دورة الانقلابات)! بينما أطلق أبنائها على أنفسهم تفاخراً بـ (الدورة الذهبية)! والسبب يعود في ذلك، لاشتراك الكثير من خريجيها في الانقلابات والتمردات التي شهدها العراق في الفترات اللاحقة من تأريخه. كما أن العديد من شخوص هذه الدورة تبوأوا مناصب مدنية عليا في الدولة إضافة إلى المناصب العسكرية الرفيعة، فاثنان منهما اعتلا منصب رئيس الجمهورية، وأحدهم رئيس وزراء، ووزراء ووكلاء وزارات، وسفراء، ومدراء عامين، ومدير أمن، إضافة إلى أمين العاصمة بغداد.
  • تخرّج في الكلية العسكرية العراقية أعداد كبيرة من الأشقاء العرب ليصبحوا ضباطًا في جيوش بلدانهم وبمراكز عليا، أبرزهم كان الرئيس اليَمَني عبد الله السلاّل (من الدورة 16 التي تخرجت عام 1938). ومن سخريات القدر أن الرئيس السلاّل -الذي توفي عام 1994-، كان قد قام بزيارة رسمية للعراق عام 1964، بدعوة من الرئيس عبد السلام عارف، واعتزازًا من زملاءه السابقين في الكلية العسكرية وتقديرًا لمكانته بين الزعماء العرب فقد مُنح شهادة فخرية من كلية الأركان، أما في زيارته الثانية لبغداد عام 1967، وبدعوة من الرئيس عبد الرحمن عارف، وبينما هو في غضون تلك الزيارة، أطيح به في انقلاب عسكري ناجح جرى ضده في اليمن …! ومن ظريف الأحداث وجب أن نذكر أيضًا أن الضابط العراقي العقيد جمال جميل، الذي أصبح وقتئذ مستشارًا للجيش اليمني، قد قام بانقلاب عسكري عام 1948، بالتعاون مع زملاءه من ضباط يمنيين تلقوا تعليمهم العسكري في بغداد، على حين غرّة ضد حكم ملك اليمن الإمام يحيى بن حميد الدين وعيُّن على إثرها قائدًا عامًا للجيش اليمني ووزيرًا للدفاع، واستمر في منصبه هذا بضعة أشهر حتى استعاد الحكم السابق مركزه مرةً أخرى وألقي القبض على الضباط جمال جميل، وحُكم بالإعدام، ونفّذ الحكم بقطع رأسه بالسيف في ميدان شرارة (التحرير حاليًا) وسط صنعاء وأمام الملأ.
  • عدد الوزراء الذين حَملوا حقيبة وزارة الدفاع منذ تشكيل الدول العراقية وإلى الآن (33) وزيراً، أولهم الفريق جعفر باشا العسكري–الذي يُعتبر الأب المؤسس لهذا المؤسسة-وأخرهم اللواء نجاح حسن علي الشمري[2]. بعض من هؤلاء أصبح رئيساً للوزراء واحتفظ لنفسه بمنصب وزير الدفاع أيضاً.
  • خمسة من مجموع اثني عشر زعيماً حكموا العراق خلال تأريخه الحديث، هم من خريجي الكلية العسكرية العراقية، وهم على التوالي: الملك غازي والفريق الركن عبد الكريم قاسم والمشير الركن عبد السلام عارف والفريق عبد الرحمن عارف والمهيب أحمد حسن البكر.
  • أطول فترة قضى فيها وزير دفاع في منصبه أعواماً متوالية هو الفريق أول الركن عدنان خير الله، حيث ثَبَتَ فيه لفترة ناهزت أثني عشر عامًا، وذلك من أواخر عام 1977 ولغاية عام 1989، ويليه الفريق الأول الركن سلطان هاشم أحمد، من عام 1995 لغاية 2003، وأقلهم زمنًا هو الفريق الأول الركن سعدي طعمة الجبوري، الذي حمل حقيبة وزارة الدفاع لمدة أربعة أشهر أبان حرب الخليج الأولى عام 1991، وكانت في حينها من أحلك الظروف التي مرَّ بها الجيش العراقي وأصعبها على الإطلاق.
  • ·           أول عسكري تخطّى الرتب العسكرية وترفّع خارج السياقات النظامية المتبعة، هو الرئيس عبد السلام عارف (1963-1966)، فقد كان عارف، حتى 8 شباط 1963، عقيد ركن متقاعد، وبعد انقلاب 14 رمضان بأيام أغدَقَ على نفسه رتبة مشير ركن (Field Marshal) وتعادل رتبة مهيب ركن حاليًا. ونشير هنا إلى أن رتبة مشير لم تكن مألوفة في نظام رتب الجيش العراقي وإنما اُستنسخت من الجيش المصري وتقليدًا للمشير عبد الحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة المصرية. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم استمرت هذه التجاوزات والقفز على الرتب ورَكبْ المناصب، بشكل مريب ومستهجن.
  • جُلَّ الوزراء الذين حملوا حقيبة هذه الوزارة كانوا من العسكريين المحترفين المسلكيّين باستثناء إثنين هما: حسين كامل، وعمّهُ علي حسن المجيد، فقد تسلّقا هذا المنصب نتيجة المحسوبية العائلية السائدة آنذاك والمناطقية المفرطة. كما أنَّ ثلاثة منهم كانوا مدنيّين، ولا شأن لهم بالجيش ولا أي دراية في قيادته، هم: علي عبد الأمير علاّوي وحازم الشعلان ونوري المالكي، وهؤلاء الثلاثة جاؤوا بعد احتلال العراق عام 2003. وزيران استُوزرا لهذه الوزارة ولم يكن في حينها أي وجود للجيش النظامي للدولة بمعناه الحقيقي أو لم يكن قد تشكّل بعد، هما: جعفر العسكري وعلي علاّوي. ومن الجدير ذكره أنه في عام 2003، بقي العراق ولأول مرة في تأريخه المعاصر، بدون جيش نظامي يحمي كيانه. حدثَ ذلك بعد أن حلّه الحاكم المدني الأمريكي سيء الصيت بول بريمر، وسرى قراره لغاية عام 2004، حيث بوشر بتشكيل جيش جديد للعراق بدأ من الصفر. 
  • الجيش العراقي هو الجيش الوحيد من جيوش الدول العربية شارك مع دول المواجهة (سورية، الأردن، مصر) في كل الحروب العربية ضد الدولة العبريّة في فلسطين، فقد شارك في حروب عام 1948، 1967، 1973، وقبل ذلك ساهم في القتال ضد الإنكليز والعصابات الصهيونية في فلسطين قبل عام 1948، من قبل ضباط ومتطوعين عراقيين، كما قام العراق بمفرده باستخدام قوّته الصاروخية في ضرب إسرائيل من أراضيه بواقع 39 صاروخ أرض-أرض نوع سكود، خلال حرب الخليج الأولى عام 1991.
  • كان عام 1988، هو عام الذروة في أعداد أفراد الجيش وبلغ أوجّ قدراته وخبراته العسكرية، فقد ناهز في حينه المليون مقاتل ينتسبون إلى تسعة فيالق، سبعة منها نظامية، إضافة إلى الفيلق الأول الخاص وفيلق الحرس الجمهوري، أما عدد الفرق المشكّلة فوصلت إلى أكثر من (70) فرقة كاملة العدد والعدّة وجاهزة للدخول في أي معركة.
  • الجيش العراقي يمتلك ثلاث مقابر لشهدائه خارج حدود الوطن، فمقبرة في مدينة نابلس، وأخرى في مدينة جنين، الفلسطينيّتين حيث تضم الأولى رفاة (194) شهيداً والثانية أكثر من (50) شهيداً، أكثر من نصفهم مجهولي الهوية، وجميعهم استشهدوا خلال حرب عام 1948، ومقبرة ثالثة تقع في محافظة المفرق الأردنية ضمت تحت ثراها (36) شهيدًا سقطوا خلال عام النكسة عام 1967. وبذلك يكون عدد الشهداء الذين روت دماءهم أرض فلسطين خلال حرب عام 1948، وما بعدها (250) شهيدًا، ما عدا الذين نُقِلَت جثامينهم إلى العراق، عشرة منهم ضباط والباقي من ضباط الصف والمراتب والجنود، ومنذ ذلك التأريخ وإلى يومنا هذا يطلق على الشهيد وصف تأريخي ومعنوي بأنه (سارية علَمْ العراق) وأُطلق في فترة ما أيضًا شعار (الشهداء أكرم منّا جميعًا)، إضافة إلى شعارات أخرى.
  • لَقبْ (أبو خليل) هو وصف شعبي يُطلَق على الجندي العراقي وأُلصق به تودّداً أينما حلّ، مثلما يُطلق لقب (أبو إسماعيل) على الشرطي العراقي، وجاءت تسمية أبو خليل نسبةً إلى مدينة (الخليل) الفلسطينية التي تحتوي مقامات الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وزوجاتهم، وجاء هذا اللقب عقب دفاع الجنود العراقيين عن هذه المدينة ببسالة بمفردهم دون سواهم من الجيوش العربية التي تراجعت وانسحبت من بقية المدن الفلسطينية، أبان حرب عام 1948، إضافة إلى مدينة جنين، واستمر هذا اللقب والوصف الظريف استحبابًا به حتى اليوم.
  • الفريق أول الركن عبدالجبار خليل شنشل، هو أجلّ وأندى ضابط عراقي خدم في الجيش بشكل مثابر ومن دون انقطاع، بل ربّما هو الأعظم في تاريخ جيوش العالم، فقد بلغت سنيّ خدمته الفعلية ستة عقود ونصف، بدأت عام 1938، وانتهت عام 2003، وشارك الفريق شنشل، في كل حروب الجيش العراقي، وأيضًا هو أرفع ضابط عراقي يُتوفى ويُدفن خارج بلده، فقد ولِد في مدينة الموصل عام 1920، وتوفاه الله في عمان عام 2014، ودُفن مع أقرانه في مقبرة شهداء الجيش العراقي في محافظة المفرق الأردنية، وهو الحاصل على وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الثانية بإرادة ملكية سامية من الملك الحسين بن طلال عام 1959، ويعود له الفضل والمساهمة في تأسيس كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية… كما أن رئيس الجمهورية العراقية الأسبق الفريق عبدالرحمن عارف، هو الآخر دُفن في هذه المقبرة. وقبل هؤلاء جميعاً فأن الفريق الركن ياسين باشا الهاشمي، رئيس وزراء العراق، هو أقدم ضابط عراقي ووري الثرى خارج بلده، كان ذلك عام 1937، في دمشق، تحت مآذن الجامع الأموي، وبجوار ضريح الناصر صلاح الدين الأيوبي.
  • من جميل الصدف أن يتزامن عيد الجيش العراقي في كل سنة بعد أيام قليلة من احتفالات العالم بعيد الميلاد المجيد للسيد المسيح عليه السلام ورأس السنة الميلادية الجديدة. وخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) كانت تمنح للعسكري بصورة عامة إجازات منتظمة حسب استحقاقه الدوري بغض النظر عن مصادفتها لعيد الفطر المبارك أو عيد الأضحى المبارك أو أي عطلة رسمية أخرى من عدمها، أمّا العسكري المسيحي، ففي عيده الديني السنوي يمنح إجازة خاصة لأيام عديدة يتمتع بها مع عائلته بغض النظر عن إجازته الدورية الطبيعية ومهما كانت الظروف في تلك الأيام المقدسة، باستثناء حالات الإنذار القصوى وقت اندلاع المعارك الضروس، ففيها تتوقف جميع الإجازات الاعتيادية والاستحقاقات لكافة المنتسبين. هذه الحالة هي من باب تعاطف الآمرين والقادة مع أفراد القوات المسلحة من إخوانهم المسيحين غير مجبرين على تنفيذه. هذا التوجّه نفسه ينطبق أيضًا على العسكريين من المكوّن الأيزيدي والصابئي في أعيادهم الدينية، وهذه من الميّزات الحسنة والبارّة في سلوكيات الجيش العراقي وتقاليده في أحلك الظروف.
  • على مدى سنوات متفرقة من عمر الجيش العراقي، كان يجري في 6 كانون الثاني وكالمعتاد استعراضًا عسكريًا كبيرًا  لقطعات من تشكيلاته في ساحة معدّة لذلك في العاصمة بغداد، كان يحضره الأمير عبد الإله، الوصي على العرش ومن بعده الملك فيصل الثاني، ومن ثم رؤساء الجمهورية المتعاقبين بوصفهم (القائد العام للقوات المسلحة)… وأضخم استعراض شهده الجيش العراقي في تأريخه من حيث العدد والعدّة وحسن التنظيم جرى في يوم تأسيس الجيش يوم 6 كانون الثاني عام 1990، أثار انتباه الجميع وسرَّ الأصدقاء وأغضب الأعداء، وقيل في حينه إنه أعظم استعراض في تاريخ الجيوش العربية، حيث أُقيم ذلك الاستعراض لأول مرة في ساحة الاحتفالات الكبرى ببغداد، المشيّدة حديثاً لمثل هكذا مناسبات، شاركت فيها تشكيلات كبيرة من القوات البرية والجوية والبحرية، ومن صنوف الجيش كافة، المقاتلة والمساندة والمتعاونة. وبلغ عدد الأفراد المستعرضين بحدود 35 ألف مقاتل، أما عدد الآليات المشاركة فقد ناهزت 1300 ما بين دبابات ومدرعات وعجلات ومعدّات اختصاصية، واستعرضت لأول مرة صواريخ (Scud) البالستية بعيدة المدى والمطوّرة عراقياً والتي عُرفت باسم (صواريخ الحسين والعباس)، إضافة إلى معدات عسكرية أخرى مصنّعة في معامل التصنيع العسكري العراقي، ناهيك عن  العشرات من طائرات القوة الجوية من المقاتلات والقاصفات والنقل، وطائرتا الإنذار المبكّر والاستطلاع الإلكتروني المحمول جواً (عدنان1 وعدنان2)، وسمتيات طيران الجيش الحديثة والمتقدمة، وفي حينها قرّ العديد من الدوائر الغربية والمؤسسات العسكرية ومراكز الدراسات الاستراتيجية المختصّة إن العراق بات يمتلك رابع أو خامس أقوى جيش في العالم.
  • نصب الجندي المجهول، هو قبر رمزي تُشيّده الدولة تخليدًا لجنودها الذين يُصرَعون في ساحة المعركة ولا يتم التعرّف على هوياتهم، وأول صرح شُيّد للجندي المجهول في العالم كان عام 1858، في الدنمارك بعد حرب (سكيلسفيغ) ضد ألمانيا، لكن كتقليد شائع أُتبع من أغلب الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، نظراً للعدد الهائل من الجنود الذي سقطوا خلال المعارك ولم تعرف أسماؤهم، فدُفنوا حيث ما قُتلوا. فحذي العراق حذو تلك الدول وشيّد صرحاً لذلك في بداية ستينيات القرن الماضي، فتمَّ بناء نصب الجندي المجهول في الساحة التي سُميت باسمة آنذاك، بمنطقة العُلوية وصمّمه المعماري رفعة الجادرجي. لكن في منتصف السبعينيات قررت الحكومة العراقية تشييد نصب جديد أكبر حجماً وأكثر إجلالاً، بما يلائم ويوازي تضحيات الجندي العراق في المعارك التي خاضها خلال تأريخه الطويل ودفاعه المستميت عن تراب الوطن. وبعد اختيار التصميم الفائز الذي صمّمه النحات خالد الرحال، بوشر العمل فيه أواخر السبعينيّات وأفتُتح عام 1983، وتزامن افتتاحه بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وتصاعد ضراوة المعارك فيها. ومن نافلة القول، أن نصب الجندي العراقي المجهول من النُصُب القليلة في العالم التي يضم تحت بلاطه رفاة جندي جلّي مجهول الهوية لا يعرفه إلا الله، كان قد أُستشهد خلال إحدى المعارك مع العدو الإيراني وقتئذ، وقد وري الثرى بمراسيم عسكرية مهيبة وموسيقى جنائزية في حينها، تقدّمهم القائد العام للقوات المسلحة، وكبار المسؤولين في الدولة العراقية. كما أن مصمم النصب الفنان خالد الرحال، هو الأخر دُفن فيه بعد وفاته، تحت أحد أقبيته التي تحمل الرقم (7) حسب طلبه وصيته الخاصة. ومن البديهي ولعدم الازدواجية في تشييد نفس النصب في مدينة واحدة فقد أزيل النصب السابق قبل الانتهاء من إنجاز النصب الجديد واُستُبدِل اسم الساحة التي كان فيها إلى أسم متآلف بالمعنى، هو (ساحة الفردوس).
  • وكما هو معلوم إن الجندي في أي جيش يعتبر العمود الفقري له وهو الحلقة الأصغر في كيانه، وتكريمًا لمكانة الجندي العراقي والتضحيات الجسيمة التي قدمها في الدفاع عن سور الوطن وكرامتهِ فقد أقيم له تمثالان متمايزان: الأول يقع قبالة الجسر المعلق من جهة الكرخ وسمي بنصب الجندي العراقي، للنحات العراقي ميران السعدي، والآخر يقع في قبالة جسر باب المعظم من جهة الرصافة سمي بنصب المقاتل العراقي، للنحات الإسباني   Manuel Rodriguez، لكن في عام 2009، رفع الأخير من مكانه لأسباب إنشائية جرت في تلك المنطقة ووضع في مدخل وزارة الدفاع الجديدة (بناية المجلس الوطني سابقًا).
  • المجلة البريطانية العسكرية المتخصصة ((Jane’s منحت الجيش العراقي لقب أفضل جيش في العالم لعام 2017، -ربّما لنواحي معنوية أو إعلامية-بسبب الانتصارات الكبيرة التي حققها في أقل من سنة ضد أقوى التنظيمات الإرهابية في العالم المسمّى اختصارًا بـ (تنظيم داعش)، في حين أن الخبراء والمحللين العسكريين في الولايات المتحدة الأمريكية قدّرت القضاء على هذا التنظيم بعشر سنوات.
  • شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، مَجّدَ الجيش العراقي عام 1958، بقصيدة رائعة عصماء، منها هذه الأبيات:
جيشُ العراق ولم أزل بك مؤمناً

  وبأنك الأمل المرجي والمنـى

وبأن حُلمك لن يطولَ به المدى

  وبأن عزمك لن يُحيق به الونى

جيش العراقِ إليك ألف تحيةٍ

  تستاف كالزهرِ الندي وتجتنـى

  • هذه الأبيات الشعرية الفصيحة والمعبّرة للقصيدة، كان من المؤمّل أن تؤدّيها المطربة أم كلثوم بألحان الموسيقار المصري رياض السنباطي، في وصلة غنائية تقدّمها ضمن برامج معرض دمشق الدولي نهاية سنة 1958، إلا أن الخلاف السياسي بين العراق والجمهورية العربية المتحدة آنذاك، وتوتر العلاقات سريعاً بين الزعيم عبد الكريم قاسم والرئيس المصري جمال عبد الناصر، منعت أم كلثوم من أدائها في تلك المناسبة، وقيل في حينها أيضاً إن أسباب فنّية حالت دون إنشاد القصيدة! ولا نعرف لحد الآن أين حلَّ مصير لحن هذه الأنشودة الوطنية بحق الجيش العراقي العريق؟

رحم الله شهداءنا الأبرار، وحمى الله وطنا العزيز العراق، وجيشه التاريخي المغوار

وكل عام وأنتم بخير


[1]– صالح صائب الجبوري، الفريق الأول الركن صالح صائب الجبوري، مذكرات، صفحات من تاريخ العراق المعاصر (1914-1958)، تحقيق ومراجعة اللواء الركن علاء حسين مكي خماس-منتدى المعارف بيروت-1912

[2] – لغاية كتابة هذه السطور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى