تغييرات مفاجئة في مواقف القوى الموالية لطهران في العراق بدأت تطفو على السطح منذ ليل الأربعاء، بينما تؤكد مصادر مطلعة أن هذا التحرك جاء على خلفية تحذير أميركي برد صارم على الجهات التي تقوم باستهداف مصالحها في البلاد.
أول المواقف صدر من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عبر تغريدة في تويتر انتقد فيها بعض “الفصائل” المنضوية تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي، واتهمها بالوقوف وراء عمليات الاغتيال والقصف التي تحدث في العراق.
لم تنتظر القوى الأخرى المدعومة من إيران كثيرا، لترد بمواقف مشابهة لخطوة الصدر، حيث أعلن ائتلاف الفتح بزعامة هادي العامري رفضه وإدانته “لأي عمل يستهدف البعثات الدبلوماسية”، داعيا “القضاء والأجهزة الامنية إلى الوقوف بحزم وقوة وإنهاء مسلسل الخطف والاغتيالات وإثارة الرعب بين الناس”.
وبالتزامن أصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانا هي الأخرى تبرأت فيه من “أي عمليات مشبوهة ونشاط عسكري غير قانوني يستهدف مصالح أجنبية أو مدنية”.
يشار إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها هيئة الحشد وتحالف الفتح بيانات إدانة لاستهداف البعثات الأجنبية في العراق، بعد نحو عام على تصاعد الهجمات الصاروخية ضد سفارة الولايات المتحدة في بغداد وبعض المعسكرات العراقية التي تضم جنودا أميركيين.
بل أن بعض الفصائل المنضوية تحت هذين التشكيليين، ككتائب حزب الله (هيئة الحشد) وعصائب أهل الحق (الفتح وهيئة الحشد)، كانتا تروجان وتمجدان بالهجمات الصاروخية التي تستهدف المصالح الأميركية في العراق.
وكشف مصدر مطلع من داخل هيئة الحشد الشعبي لـ”موقع الحرة” أن التغيير في مواقف هذه الأطراف “جاء بعد اجتماع عقد مؤخرا بين رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والقوى الشيعية أبلغهم خلاله أن الولايات المتحدة هددت باعتبار كل من يسكت عن الهجمات التي تستهدف البعثات الدبلوماسية، شريكا بها وستتم محاسبته بشدة”.
وأضاف المصدر لموقع “الحرة” أن “أطرافا في تحالف الفتح ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أبدوا مخاوف من احتمال تعرضهم لعقوبات أميركية قاسية، مما سيهدد مصالحهم ويقوض مستقبلهم السياسي”.
وتابع أن رئيس الجمهورية برهم صالح أوصل الرسالة ذاتها لهذه الجهات في اجتماع جرى ببغداد أيضا مؤخرا.
وتداولت وسائل إعلام عراقية محلية، الخميس، وثيقة موقعة من قبل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أقال بموجبها القيادي في ميليشيا سرايا الخراساني حامد الجزائري من الهيئة وعين بدلا عنه أحمد الياسري لقيادة اللواء 18 في الحشد.
كما تضمنت الوثيقة أمرا بإقالة وعد القدو، المصنف ضمن قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة، من قيادة اللواء 30 في الحشد الشعبي وتعيين زين العابدين جميل خضر بدلا عنه.
يشار إلى أن جميع عناصر اللواء 18 في الحشد الشعبي ينتمون لميليشيا سرايا الخراساني، فيما يضم اللواء 30 عناصر من أقلية الشبك.
ويتهم ناشطون “سرايا الخراساني” بالمشاركة في عمليات قتل عشرات المتظاهرين العراقيين، منذ بدء الاحتجاجات في البلاد في أكتوبر من العام الماضي.
وفي هذا الإطار يؤكد المصدر أن “رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أقدم على هذه الخطوة في محاولة منه لامتصاص غضب الأميركيين والتقرب منهم”.
وأضاف أن “إقالة الجزائري والقدو تمت بالتنسيق مع قادة الميليشيات داخل هيئة الحشد وبإيعاز من طهران، من أجل تغيير الوجوه المستفزة في الهيئة وتعيين بدلاء عنهم لكن من نفس الانتماء”.
وكشف المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته، أن “الشخص الذي خلف الجزائري ويدعى أحمد الياسري، هو ابن عم الأمين العام لسرايا الخراساني علي الياسري”.
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على اتصالات موقع الحرة المتكررة من أجل الحصول على تعليق.
ويرى مراقبون أن خطوة قادة الميليشيات الموالية لطهران هذه لم تجر بعيدا عن إيران التي نددت السبت الماضي بالهجمات ضد البعثات الدبلوماسية في العراق ودعت الحكومة إلى تشديد إجراءاتها الأمنية لمنع تكراراها، كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا” عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة.
ويؤكد المحلل السياسي العراقي رعد هاشم المعلومات التي حصل عليها موقع الحرة ويشير إلى أن “الكاظمي وصالح نقلا رسالة من الإدارة الأميركية، وزير الخارجية مايك بومبيو تحديدا، وتضمنت تهديدات برد حازم وربما غلق سفاراتها في بغداد احتجاجا على استمرار الهجمات”.
ويضيف لموقع الحرة أن “هذا التهديد أخاف القوى السياسية الموالية لطهران كثيرا، لأنها يمكن أن تترافق مع عقوبات أميركية ضد شخصيات بارزة”.
ومع ذلك يشير هاشم إلى أن “هكذا مواقف لم تكن لتصدر بعيدا عن طهران، التي تسيطر على مجمل تحركات ومواقف القوى والميليشيات التابعة لها في العراق، وتحركهم أو تجمدهم متى شاءت”.
ويعزو هاشم هذه الخطوة من جانب إيران إلى رغبتها في التهدئة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، لعدة أسباب من أبرزها رغبتها في “الحصول على تنازلات في قضية العقوبات المفروضة عليها”.
وتخضع معظم الفصائل المسلحة لقوات الحشد الشعبي، وهي مظلة تضم قوات شبه عسكرية. وعلى الرغم من اندماجها رسميا في قوات الأمن العراقية، تنشط عمليا بشكل مستقل وتقاوم جميع المحاولات لكبح نفوذها.
كما أن الغالبية العظمى من هذه الفصائل تدين بالولاء عقائديا للمرشد الإيراني علي خامنئي، وترفع أعلامها الخاصة بها إلى جانب صور خامنئي وسلفه روح الله الخميني في مقراتها.
وتولى الكاظمي منصبه في مايو الماضي، ليصبح ثالث رئيس للوزراء خلال فترة من الفوضى استمرت عشرة أسابيع وأعقبت احتجاجات دامية دامت شهورا في العراق الذي أنهكته عقود من العقوبات
والحرب والفساد والتحديات الاقتصادية.