وقد تقلص نشاط الحركة خلال فترة حكم عبد الرحمن عارف وكذلك سائر القوى السياسية التي عاشت مرحلة الخمول السياسي ومنها البصرة التي شهدت نفس الخمول ولم يعد فيها نشاط سياسي بارز سوى مناكفات على مستوى الطلبة المشاكسين في جامعة البصرة التي تأسست في عام ٦٤ – ١٩٦٥ وغالباً ما كان يشهد نادي طلبة الجامعة معارك بين الشيوعيين والقوميين والبعثيين واشهرها قيام لؤي الرحماني الذي كان طالباً قومياً معروف في كلية الحقوق باطلاق النار في الهواء من مسدسه في نادي الجامعة في حادثة لم تكن مسبوقة في الجامعات لنشر الرعب في صفوف المناوئين وايضا في حادثة اخرى غير مسبوقة في جامعة البصرة قيام الطالب موسى عبد الحميد احد طلاب كلية الهندسة ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق في البصرة باغتيال رئيس الجامعة الدكتور خليل الطالب وبعد محاكمة سريعة بأمر من رئيس الجمهورية احمد حسن البكر في حينه تم شنقه وتعليق جثته في باحة الجامعة بالرغم من ان الحادثة ليست بسبب سياسي .. وهكذا استمر الحال في البصرة مابين مناكفات وجدال ومشاحنات لحين حصول نكسة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ التي كسرت ذلك الجمود وادت الى هياج شعبي في عموم العراق ومنها البصرة التي شهدت مظاهرات عارمة انطلقت من ساحة اسد بابل قرب بهو البلدية في العشار نهاية الشارع الوطني متجهة الى شارح الكورنيش حيث القنصلية الامريكية وقد شاركت فيها كل النخب الوطنية والقومية والتقدمية وعند الوصول الى مبنى القنصلية الامريكية قام المرحوم حكمت العبايجي باختراق الحاجز الامني محطماً زجاج لوحة الصور والاعلانات التي كانت مثبتة على جدار المبني .. وايضاً من تداعيات النكسة حصلت تطورات في خارطة الساحة السياسية في العراق حيث أتجه بعض الشخصيات القومية نحو أقصى اليسار حيث خرج من الحركة العربية الاشتراكية فؤاد الركابي وخالد على الصالح، وشكل صبحي عبد الحميد حزب الوحدة، وايضاً شكل رشيد محسن الحزب الاشتراكي وكذلك اعلن عبد الاله النصراوي تشكيل الحركة الاشتراكية العربية ذات التوجه اليساري وأصدر بيان تشكيلها في ١٦ تموز عام ١٩٦٨ اي قبل يوم من ثورة ١٧ تموز وأيضاً لم تكن البصرة بعيدة عن تلك التطورات حيث تولى رجاء العبايجي مسؤولية تنظيم حزب الوحدة في البصرة ومعه عصام العبود وشاكر النعمة ورياض الكبان ولؤي الرحماني ومحمد سعيد الكبيسي احد طلاب كلية الهندسة في جامعة البصرة الذي توفي اثر حادث سيارة غامض في عام ١٩٦٩ ورزاق السواد وكثير من الشباب القومي المتحمس .. اما الحزب الاشتراكي فقد تولى سلطان التميمي وحكمت العبايجي وقاسم عبد السادة مسؤولية التنظيم في البصرة، بينما لا يخفى على احد ان تلك التنظيمات كانت ضعيفة وتفتقر الى القاعدة الجماهيرية الا ان صداها كان نابع من الفكر القومي الناصري التي كانت الجمهورية العربية المتحدة مركز اشعاع لذلك الفكر، وايضاً من تداعيات نكسة حزيران قيام ثورة ١٧ تموز ١٩٦٨ وانفراد حزب البعث العربي الاشتراكي بالحكم بعد ازاحة عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداود واعتقال رموز الحكم العارفي وقادة التنظيمات الاخرى في بغداد والبصرة ومدن اخرى من العراق حيث تم اعتبارهم من المناهضين للثورة ومنهم الشيوعيين والبعثيين اليسار والقوميين وكان تنظيم حزب البعث في ذلك الوقت على مستوى الشعبة حيث تولى كاظم جعفر مسؤولية التنظيم ومعه في قيادة التنظيم عدنان القصاب مدير الموانئ وناصر الحديثي محافظ البصرة واحسان وفيق السامرائي، وعبد الاله خضير ، واحمد شهاب، وصفاء العمر، والملا شاكر عبد الصمد ومن الكوادر المتقدمة في التنظيم محمد خلف الملا، وقاسم شريف، وسيد صالح الموسوي، وهاشم علي، وفاروق مصطفى، وهادي الربيعي، فاروق المعيوف وايضاً من البارزين جهاد العمر وعلاء المنديل الذي اصبح فيما بعد امين سر فرع ام المعارك وكذلك غازي الديراوي وغازي العبيدي ورشيد البدران وغيرهم الكثير وقد شهدت البصرة في تلك الفترة نوع من الاستقرار السياسي بعد الاستفادة من تجربة اخطاء عام ١٩٦٣ وانقلاب عبد السلام عارف التي كانت تعرف بردة تشرين .. وفي عام ١٩٧٢ تم طرح فكرةالجبهة القومية التقديمية لتضم البعض من قادة الحزب الشيوعي ومنهم عامر عبد الله الذي عين وزيراً للدولة وشخصيات تقدمية وقوميةوسرعان ما أنفض تشكيل تلك الجبهة التي لم تستمر طويلاً وبذلك تشتت كل القوى السياسية واصبح حزب البعث الماسك للدولة والذي غير من مفاهيم اللعبة السياسية بعد تنامي قاعدته الجماهيرية بأعتباره تنظيم قومي كان صداه يمتد على ساحة الوطن العربي وحقق كثير من الانجازات في العراق سواء على صعيد التنظيم الحزبي او على صعيد الدولة منها تأميم النفط والنهوض بالتعليم ومكافحة الامية وتطوير الثروة الزراعية .. لحين اندلاع الحرب العراقية الايرانية وكانت البصرة اول من شهدت حرب المدن واطلاق الصواريخ الايرانية عليها ليل نهار .. ومن ثم حرب الكويت ومعانات الحصار الاممي .. لحين الوصول الى الاحتلال الامريكي البغيض وهيمنة الدخلاء على تلك المدينة العريقة وبذلك انحسر المد العروبي والتقدمي في آن واحد وباتت احزاب الاسلام السياسي من الموالين لإيران هم المتحكمين في مقاليد الامور على مستوى محافظات العراق ومنها البصرة التي شهدت حركة تهجير لابنائها الوطنيين وتوطين الدخلاء وتسلطهم على تلك المدينة العريقة التي اشتهرت برجالاتها منذ عبق التاريخ وهي التي انجبت الحسن البصري والخليل بن احمد الفراهيدي والجاحظ ومن المعاصرين من الشعراء والكتاب والمؤرخين والصحفيين مثل بدر شاكر السياب وسعدي يوسف وفاروق العمر ورجب بركات واحسان وفيق السامرائي، ومن المحامين عبد الله يوسف الاسماعيل ومهدي الكرناوي وعبدالرحمن العمر وعبد الله فياض وحسن عبد الرحمن وناظم كاظم بريج وكامل السريح وجاسم الريحاني وعبد العزيز المناصير ودانيال عشو، ومن اشهر الاطباء محمد حسين السعدي واحمد السلمان وشاكر البجاري وعلي فكري ومحمد الحمداني ومصطفى النعمة وعلي الزهير وصبيحة الراضي وناهد كمال ويعقوب بني وواصف العيسى وتوما هندو وداود الفداغ وياسين الرشيد وعبد الوهاب السلمي وقحطان نوري الموسوي، بالاضافة الى الكوادر العلمية مثل العالم الجليل عبد الجبار البكر ونزار الناصح وعبد الحليم حجاج وفتاح السياب ونجاح عبود وحسين عباس وحامد السعيدي وغيرهم من الاعلام الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ البصرة، ولم نستخدم كلمة مرحوم للذين فارقوا الحياة لانهم احياء في ذاكرة ابناء تلك المدينة العريقة، وعذراً لمن لم تحضرنا اسماء الكثير من اعلام البصرة لاننا لسنا بصدد جرد اسماء الشخصيات البصرية لكثرة عددهم وعظمة انجازاتهم، وايضاً هذا ما تسعفنا الذاكرة خصوصاً ممن عاصرنا البعض منهم وبقدر ما ان الموضوع ليس عملية احصاء اسماء كما اشرنا وانما توثيق مسار الحركة السياسية في تلك المدينة العريقة التي نأمل ان نكون قد ادينا واوفينا حقها بكل امانة وصدق وحيادية كما ان الساحة مفتوحة لمن يريد ان يدلو بدلوه لاغناء الموضوع بالمعلومات او اضافة اسماء شخصيات لم تحضرنا لان البصرة سلة خبز العراق تستحق توثيق تاريخها العريق بعيداً عن الضغينة والغيره والاحقاد والتجريح والاتهام والمناكفات والتحزبات الطائفية والعرقية المقيته، لذلك لا بد من الاشارة الى ان البصرة المدينة الوحيدة التي كانت سفينة على متنها كثير من الشخصيات الذين يمثلون قوى سياسية متناقضة ويحملون افكار ورؤى مختلفة سواء من الذين وردت اسمائهم او لم ترد واكيد قد حصلت بينهم خلافات ومشاحنات وزعل وحتى صراعات ومعارك في بعض الاحيان الا ان البيئة العائلية التي كان يتسم بها المجتمع البصري جعلت المختلفين سياسياً في حالة تآخي ومودة واحترام نظراً لما يميز اهالي البصرة من علاقات يصعب انفصام عراها لان ما يجمعهم الطيبة قبل النسب او القرابة او الصداقة الحميمة التي بدأت من ايام الطفولة واستمرت على مدى سنين وتلك هي ميزة غير موجودة في المحافظات الاخرى.
واخيراً لا يسعني الا ان اقدم بخالص شكري وتقديري للاخوة الذين اسعفوا الذاكرة سواء برفد بعض الاسماء او تأكيد بعض الاحداث لاغناء هذة الدراسة الشاملة لتوثيق مسار الحركة السياسية في البصرة الفيحاء وبنكهة بصرية اصيلة .
529