تجنيد المرتزقة في الحروب .. القتل مقابل المال

صباح نوري العجيلي

دعوات تنطلق من بعض الدول التي تخوض الحروب لتجنيد المرتزقة للقتال مقابل اغراءات مادية وصلت الى منح المرتزق جنسية البلد بعد مرور عام ، بالتأكيد ينظر الى مثل هذه الدعوات من زاوية حراجة الموقف العسكري والحاجة للمزيد من المقاتلين في جبهات القتال وتزداد أهمية ذلك عندما تكون صادرة من دول تمتلك جيوش كبيرة ومتطورة.

فالمرتزقة طبقة من المحاربين من ذوي الخبرة القتالية والمهارة باستخدام الأسلحة والقتالات الخاصة ، والذين يعرضون خدماتهم مقابل أجر مادي معين، للقيام بعمليات قتالية لصالح المستخدم دون الالتفات إلى أسباب ومشروعية الحرب أو مراعاة للمبادئ الإنسانية.

مقالات ذات صلة

والمرتزِقة أحد الظواهر القديمة، فالقتلُ مقابل المال يعدُّ من أقدم المهن السائدة في العصور القديمة فقد جنّدت جميع الإمبراطوريات تقريبًا المرتزِقة لخوض الحروب أو أداء المهامّ الخاصة، وإنَّ أولَ حادثة مُسجَّلة في التاريخ عن استخدام المرتزِقة، كانت ضمن صفوفِ الجيش السومريّ تحت قيادة الملك شولغي من سلالة أور (وُلِد في عام 2094، وتُوفِي في 2047 قبل الميلاد).

وفي عام 400 قبل الميلاد، جنّد الأميرُ قورش الأصغرُ جيشَ العشرة آلاف المؤلّف من المرتزِقة اليونانيين، وذلك في حربه للوصول إلى عرش الإمبراطوريّة الفارسية.

وفي عصر النهضة، نجد أن الحرس السويسريّ له باعٌ طويل في تجنيد المرتزقة. وعلى الرغم من أن تجارة المرتزِقة مرّت بفترة ركود في القرن السابع عشر، فإنّه عقب الحرب الباردة، بدأت تنتشر الشركات السرية التي تعمل في تنظيم الجيوش الخاصة وتمويلها وتدريبها.

ومع تزايد الحاجة ، بدأت هذه التجارة بالازدهار في العصر الحديث، وبدأت أعداد المرتزقة بالتزايد بشكل ملحوظ، وإنَّ عددَ المرتزِقة ارتفع خلال الفترة من عام 2008 وحتى 2010 بمقدار 67 ألفًا، أي بنسبة 41%.

كشفت عصابات المرتزقة عن وجهها السافر عندما استعانت بها الدول الاستعمارية لإخماد حركات المقاومة والتحرر في المستعمرات، التي تناضل من أجل الاستقلال والحرية في دول العالم الثالث عامة وفي افريقيا خلال القرن الماضي . وأرتكب هؤلاء جرائم حرب وفضائع وانتهاكات حقوق الانسان.

وهناك فرق بين مُصطلحي المرتزقة والميليشيات التي انتشرت مؤخراً في الشرق الاوسط، كون مصطلح الميليشيا أعم وأشمل، والمليشيات جماعات وتنظيمات مسلحة قد تضم عناصر مرتزقة.

وفي العصر الحديث، اختبأت عناصر المرتزقة تحت عباءة شركات الحماية الخاصة مثل شركة (بلاك ووتر) الامريكية وشركة (فاغنر) الروسية على سبيل المثال لا الحصر والتي نفذت عمليات مسلحة ومهام قتل وانتهاكات حقوق الانسان في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا.

المرتزقــة جيـوش الظـــل

تفضل بعض الحكومات توظيف المرتزقة في اعمال مسلحة لأنهم ينظرون إلى الحرب نظرة براغماتية، فالمرتزقة هو من يجند محليًا أو دوليًا ليشارك في صراع مسلح أو في الأعمال العدائية، يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وأعمال تخريبية في دولة معادية لا تريد الدول التورط فيها، فمن غير المهم مع أي طرف يحاربون، المهم كسب المال والحصول على اغراءات مادية، فهم انتهازيون يعملون لصالح من يدفع أكثر لا يقاتلون لأجل أمن دولة أو لفرض فكرة، بل من منطلق مادي لكونهم يعتبرون أنفسهم جزءًا من شركة عسكرية، وهي التسمية التي يفضلون إطلاقها على أنفسهم بدلاً من تعبير “المرتزقة”، وهم ينتمون عمومًا إلى المجتمعات الهشة مما يجعلهم يتحولون إلى متمردين يستعان بهم أكثر في الانقلابات والمؤامرات نظرًا لسهولة حركاتها وتسللها عبر الدول، ويحصلون على أجر يفوق المجند في الجيوش الرسمية، فهم آلة حرب وقتل، معروف عنهم أنهم غير خاضعين لأي سلطة تفتيش أو رقابة ويتجاوزن قواعد الاشتباك التي يلتزم بها الجيوش النظامية.

والمرتزقة حسب القانون الدولي غير مشمولين باتفاقيات جنيف لعام 1949 ولا يعتبرون اسرى حرب في أوقات النزاعات ويحاكمون كمجرمي حرب.

خصخصة الحروب

يشير مصطلح خصخصة الحروب إلى تخفيض تمويل الحرب ماديًا وتقليص عدد الجنود واعتمادها على تنظيمات مسلحة غير نظامية يقودها عسكريون سابقون ، واختزال دور الدولة ومؤسساتها العامة وزيادة مساهمة القطاع الخاص. قوام هذه الشركات هم المرتزقة الذين يعملون بموجب عقود خاصة.

خصخصة الحروب سياسة جديدة تتبعها بعض الدول في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا لتقليل نفقات وخسائر الجيوش البشرية وتفرغها للأعمال القتالية الرئيسة بينما تكلف الشركات الأمنية بالواجبات الثانوية التي تتعلق بتوفير الحماية والحراسات والمهام الأمنية.

تنتشر بالوقت الراهن، العديد من الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة وتتبعها مئات من الشركات الملحقة والمساعدة، ولعل أهمها وأكثرها شهرة شركة بلاك ووتر وشركة فاغنر الروسية، وهي تضم مرتزقة من جنسيات مختلفة يقاتلون من اجل المال.

و في السنوات الأخيرة جرى خصخصة الأنشطة الدفاعية في الدول مسرح الصراعات إلى الدرجة التي لم يتضح من خلالها الخط الفاصل بين المنظمات الحكومية والمنظمات الخاصة. وفقًا للنجاح النسبي الذي حققته الشركات العسكرية والأمنية في الأنشطة العسكرية والدفاعية في العراق وافغانستان و سوريا وليبيا ، والمتاحة للحكومات لاستخدامها بعيدًا عن الجيوش النظامية، لذا فمن المتوقع أن يكون هناك دور لهذه الشركات في الحروب على نطاق واسع في حروب المستقبل.

تزايد دور الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة بعد غزو أميركا العراق عام 2003، وحققت مئات الشركات أرباحاً خيالية من خلال توقيع عقود مع حكومات دول عديدة، مقابل القيام بأعمال أمنية وعسكرية فيها، خاصة في أفغانستان والعراق وليبيا.

وبحسب دراسة للكونغرس الأميركي، فإن 65% من القوات التي كانت ترسلها وزارة الدفاع الأميركية إلى أفغانستان تابعة لشركات أمن خاصة، كما كشفت أن شركات الأمن الخاصة تشكل نسبة 29% من قوة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وتقتطع ما بين 50 إلى 60% من ميزانيتها. وجاء ضمن الدراسة ذاتها، أن وكالة الأمن القومي توظف نحو 480 شركة أمن خاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى