ثورة تنويرية من اجل التغيير

تمر امتنا العربية في مأزق فكري وسياسي واقتصادي وامني قل نظيره ،وهي تمر بأخطر مراحلها في العهد الحديث . لان اعداء الامة جمعوا كل قواهم الفكرية والاعلامية والعسكرية واستهدفوا الامة العربية من اجل طمس هويتها ، وهم يسعون على تفتيتها وتغيير ديموغرافيتها وذوبانها وصولا الى انهاء دورها الانساني في هذا العالم ..
ان اي متتبع للاحداث منذ عام (٢٠٠٣)العام الذي تم فيه غزو العراق واحتلاله ولحد يومنا هذا يتأكد من صحة ما ذهبنا اليه ..
استهدف المشروع الامريكي الصهيوني الفارسي العراق ، كونه حامل راية المشروع القومي العربي ، وهو قلب العروبة النابض ،
وحامي البوابة الشرقية للامة العربية ، ويمثل القوة الضاربة للعرب .. ومن اجل الانقضاض على الامة باكملها !!
مستغلين نقاط الضعف لدى الامة ( التخلف ، والنزعات العشائرية ، والقبلية ، والطائفية الخ الخ ) ، وبعد احتلال العراق ساهمت قوى الشر والظلام بتعميق الطائفية والتخلف وعملت على اشاعة الفساد بكل اشكاله ، ودمرت المنظومة القيمية والاجتماعية المتماسكة للعراق وبقية الاقطار العربية ،، واستخدمت امريكا
ومن معها المنظومة الدينية المتخلفة والتابعة الى ايران ومليشياتها من اجل تحقيق ذلك .. حيث تمكنت هذه المنظومة
اشاعة الطائفية بين ابناء الشعب الواحد ..
وتمكنت من التأثير على عقول الناس والسيطرة عليهم من خلال المنابر الدينية المعروفة والتي تمارس الكذب والتضليل والخداع ، وعمدت على القضاء على التعليم وتدميره حتى ترتفع نسبة الامية في المجتمع كون الامية هو الفضاء الذي يعيشون عليه لترويج بضاعتهم ؟؟
وركزوا على الجانب الديني من اجل ابقاء نمط تفكيرنا اللاعلمي والبعيد كل البعد عن المنطق والواقع ، وجعل المجتمع يعيش في الغيبيات والاتكالية ويمارس الطقوس الدينية فقط ، دون اي نشاط انساني منتج ومفيد ..
وفي اعتقادنا ان الرد المناسب والعلمي والمنطقي لمواجهة هذه المخاطر التي تحدق بالامة العربية والعراق على وجه الخصوص ، هو الدعوة لجميع علماء ومثقفي الامة من كتاب وشعراء وادباء
وسياسيين وعلماء دين شرفاء ، ان يقودوا حملة بل ثورة تنويرية واسعة النطاق وكل في مجال اختصاصه بحيث تجند كل طاقات الامة لمرحلة التنوير العربي ، وبما ينسجم مع التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاخلاقية والانسانية التي تمر بها منطقتنا والعالم ، من اجل الحد من ظاهرة التخلف ، وعدم ادراك الناس عن ما يدور من حولهم من مخاطر وكشف زيف الادعاءات الباطلة والكاذبة التي تسير خلفها الاكثرية من جماهير امتنا العربية ، بسبب التخلف وعدم الوعي الذي يغزو امتنا العربية
وان تعمل الثورة التنويرية على توعية العرب وتطويرهم في كافة المجالات وصولا الى التجديد والحداثة ، واللحاق بركب التطور
الذي يحدث في العالم ….
ومن هنا تبرز اهمية العمل على تغيير نمط التفكير لدينا نحن العرب واهمية ذلك لعملية التجديد وصولا الى الحداثة ..
من المعلوم ان الشعوب في العالم تتميز بعضها عن البعض الاخر ، من خلال خصائص وافعال تظهر في طريقة تفكيرها . فالبعض
منها مادية التفكير اي تربط التفكير بالنتائج وهناك شعوب روحانية التفكير ، اي تعتمد في تفكيرها على الجوانب المعنوية والذي ارثته منذ عقود طويلة من الزمن ، وهذه الشعوب تأثرت بالديانات والعادات والتقاليد والممارسات والطقوس الدينية التي ما عادت تنسجم مع التطورات التي تحدث في عالم اليوم ، وهذا ما ينطبق تماما على المجتمعات في الشرق وعلى وجه الخصوص عند الشعب العربي والذي لا زال متمسكا بالكثير من العادات والتقاليد التي تمنع من تطوره وتجبره على الخنوع والقنوط مما اثرت على طريقة التفكير لديه ، حيث تميزت طريقة تفكيرنا باللامنطقية. بحيث فقدنا الاتساق المنطقي في الاراء ، مما يوقعنا في مشكلة التناقضات المنطقية وهي كثيرة ومن ابرزها استخراج النتائج من مقدمات خاطئة ، فعندما يعتمد الانسان على مدخلات خاطئة ستكون بالضرورة المعطيات خاطئة ايضا .. وكذلك نمط تفكيرنا يعتمد على تعميم الجزئيات فعند قيام شخص من عشيرة ما بجريمة قتل فنعتبر جميع عشيرته قتلة وهكذا …. كما يتميز ايضا نمط تفكيرنا بعدم المرونة وعدم القدرة على مواكبة تطورات الواقع عقليا .. فضلا عن كوننا نفضل الافكار النمطية التي تغنينا عن العمل ومشقاته والاجتهاد والتطوير ، كأن نقول ( من يخالفنا الرأي هو عميل للخارج ) وهكذا ، كل ذلك يمكننا ان نصنف نمط تفكيرنا بالتفكير العاطفي والسطحي ، كون نمط تفكيرنا يكاد يكون خالي من الموضوعية والعلمية والمنطق بعد ان كنا سابقا اسياده !!!
ان من اسباب فشلنا في تحقيق التجديد والتطور وبالاخص في عالمنا العربي يعود الى الخطاب الديني المتطرف الذي يعلمنا
ان نصبر وننتظر المعجزة ( كظهور المهدي ) لينقذنا .. هذا الخطاب الكهنوتي الذي يعلمنا القنوط وتقبل الظلم والفقر والجوع
والمرض على أمل ان تحصل اشياء غير عقلانية أو ميتافيزيقية لتنقذ حالنا ، ان هذا الخطاب الكهنوتي يعمق فينا الكراهية ، كراهية بعضنا البعض حتى نصل الى كراهية انفسنا ونكره الدنيا ومن فيها ( هذا اذا ما راقبنا الخطب في دور العبادة سنجدها خطبا تفرق بين الناس وتحشوا ادمغتهم بثقافة تنذر بالخطر لانها تزرع الطائفية والعرقية وتكرس التخلف بكل اشكاله حتى تتمكن المؤسسات الدينيه من السيطرة على عقول الناس وتحركها كما تشاء ومتى تشاء ) هذا الخطاب الديني الذي تبنته المؤسسات
الدينية المتطرفة والمتخلفة والتكفيرية هو خطاب غير عقلاني وغير علمي وغير موضوعي ، وهو السبب لفشلنا وابتلائنا وسبب مصائبنا كلها ؟؟
كفى تخدير للناس بروايات قديمة وسلب عقولهم وتجميدها ، كفى تعبئة الناس بالخرافات المليئة بالدس والكذب واستعباد الناس ونشر التخلف والفرقة بينهم !!
ان نمط تفكيرنا تحكمه العقلية العشائرية والقبلية والطائفية ، والعادات والتقاليد البالية منها ، وغيرها ، ولهذا كله فإن الديالكتيك الفكري سوف لا يؤدي ثماره لان الجدل يتطلب توفر المنطق والموضوعية والعلمية ، وجو كاف من الديموقراطية ، وهكذا بالنسبة لبناء الانسان وتجديده ..
ان عملية تغيير نمط التفكير العربي عملية معقدة جدا ولكن ليست مستحيلة .. ومن اجل تحقيق ذلك لا بد من تحرير العقل العربي من سجانيه ، وعلينا ان نبحث عن العقول المركبة التي تتمتع بالتفكير العلمي والمنطقي والابداعي واهمال العقول المسطحة والمتحجرة والجامدة ، كون التفكير هو عملية واعية يقوم بها الشخص
بوعي وتفكير وادراك للبيئة والمحيط الذي يعيش فيه الانسان ، بحيث تتمكن العقول المركبة بالتفكير بطرق غير مألوفة وتعمل على حل المشكلات ، فنحن بأمس الحاجة الى مثل هذه العقول ، لتقود ثورة التنوير ، والتي تتمكن من بناء القاعدة المادية المطلوبة والضروريةلعملية التنوير والتي تؤدي الى الوصول الى البناء الفوقي المنشود والذي يوصلنا الى التخلص من التخلف والانعتاق من كل السلبيات التي يعاني منها المجتمع العربي وبالاخص العراق… وصولا الى تحقيق التجديد والحداثة ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى