لم يتحمل مسؤول عراقي عبء متابعة حركة الدولة وتحدياتها ومعاركها ومفاصلها، إعلامياً، مثلما تحملها الراحل لطيف نصيف جاسم الذي ودعنا، بعد أن جارت عليه دورة الحقد والثأر والانتقام وهو في شيخوخته.
الدور الذي نهض به الراحل في قيادة فيلق الإعلام في التعبئة الجماهيرية والشعبية، خلال التحديات التي واجهها العراق، قرّبه من مصدر القرار السياسي وتحول بفعل هذا الدور إلى نبض القيادة العراقية في التحشيد والتوجه والتعبير عن موقفها في شتى ميادين المنازلات التي خاضها العراق.
ازدهرت في حقبة قيادته لفيلق الإعلام الحركة الثقافية بفروعها المتنوعة وكرسها لدعم الجهد العسكري وكان بمرتبة عنوان لصمود الشعب ووقوفه خلف قيادته.
كان الراحل والمناضل لطيف نصيف جاسم منفذاً دقيقاً لتوجهات القيادة وراعياً للمبدعين من الصحفيين والأدباء والفنانين، إذ حوّل مقولة (للقلم والبندقية فوهة واحدة) إلى توأمة بين فعل الرصاصة والكلمة في الميدان.
عندما نبرز دور الراحل لطيف نصيف جاسم في إدارة المعركة الإعلامية لا ننسى دور نخبة مقتدرة اضطلعت بإدارة دفة الإعلام خلال العقود التي سبقت الاحتلال وهم المرحوم طارق عزيز والراحل سعد قاسم حمودي والاحياء حامد يوسف حمادي وهمام عبد الخالق محمد سعيد الصحاف واخرين الذين كان لهم الدور المشهود في التعبير عن صمود العراق وتجسيد مواقفه الوطنية والقومية.
وتختزن ذاكرتي تفاصيل أول لقاء مع الراحل لطيف نصيف جاسم في مقر الإذاعة والتلفزيون عام 1975 بصحبة اخي الدكتور صباح ياسين، وبعد سؤاله عن الأحوال وجه بتعييني في صحيفة صوت الفلاح موضحاً أنها أنسب لي، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مسيرتي الصحفية، وكان راعياً للعاملين في الصحيفة وداعماً لي عندما أصبحت مراسلاً لإذاعة مونتي كارلو.
أذكر أنه في أحد الأيام طلبني هاتفياً عندما كان وزيراً للإعلام وكالة وأبدى ملاحظة حول رسالتي التي اذيعت حول تطورات الموقف من التهديدات الخارجية مشيدا بأدائي الصحفي في لفتة إنسانية لن أنساها.
عندما نتحدث عن ظروف وفاة لطيف نصيف جاسم وقبله العشرات من رموز العهد الوطني، نقول: لقد آن الأوان لوضع نهاية لمحنة المعتقلين الذين يقبعون في سجون لا تتوفر فيها ادنى المستلزمات الإنسانية المتعارف عليها والمعاناة التي يقاسونها لأنها أصبحت قضية رأي عام.
إن مسؤولية إنهاء محنة معتقلي رموز العهد الوطني تقع على عاتق الجميع لأنها ستفتح باباً أمام حريتهم وترفع ظلماً وحيفاً لحق برجال قدموا للعراق تضحيات كبيرة ودافعوا عن وحدته وسيادته وحافظوا على أمواله، وبالمقابل تغلق أبواباً يحاول المتعصبون استخدامها لإشاعة ثقافة الثأر والانتقام والكراهية التي أوصلت العراق إلى الحال التي يتخبط فيها، اليوم.
853