رفض مبكر لانتخابات مبكرة في العراق

انتخابات على مقاس السلطة

بالرغم من أن الانتخابات المبكرة، التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 30 يوليو الماضي، وحُدّد موعد إجرائها في السادس من يونيو المقبل، وجاءت استجابة لمطلب رئيسي من مطالب الحراك الشبابي التحرري العراقي الذي انطلق في أكتوبر 2019، إلا أن أصواتا عراقية، ومنها أصوات من بين منتفضي أكتوبر، بدأت تتعالى برفض هذه الانتخابات ومقاطعتها.

أساس رفض هذه الانتخابات يقوم على أن أحزاب السلطة اختطفت هذه الانتخابات منذ اللحظة الأولى للإعلان عنها، وفصّلتها على مقاساتها ووزعت المقاعد بينها. ومعنى هذا أنها أفرغت هذا المطلب الشعبي من محتواه ورتّبت أوراقها لتستحوذ على كرسي الحكم الذي أراد الشعب أن يخلصه من براثنها ويعيده إلى نفسه، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت، وكأنك يا شعب العراق ما انتفضت وما قدمت القرابين لحرية الوطن.

مقالات ذات صلة

أيّ انتخابات مقبلة ستأتي بالوجوه نفسها التي صنعت الخراب، وربما تأتي بوجوه أسوأ منها، بحيث أن عراقيا واحدا لا يمكنه أن يسهم في حكم بلده وقيادة سفينته إلى برّ مصلحة الشعب، فالأبواب ستكون موصدة في وجهه ومفتوحة أمام أحزاب السلطة التي تمتلك ميليشيات يمكنها أن تفرض ما تريد بالقوة.

الحراك الشبابي طالب في أكتوبر 2019 بانتخابات نزيهة، ولتحقيق هذا الشرط، أكّد أن على الحكومة المؤقتة أن تسن قانونا للانتخابات، يمكن للعراقي أن يوصل الشخص الذي يريده إلى البرلمان، لا الشخص الذي يختاره الحزب أو الكتلة، وتشكيل لجنة مفوّضين جديدة مستقلة، وإشراف دولي على سير الانتخابات، لضمان عدم تزويرها.

وطالب متظاهرو أكتوبر بحصر السلاح بيد الدولة، لأنه لا يمكن لأي انتخابات أن تجري تحت ترهيب سلاح الميليشيات وتهديده، وأن يُسنّ قانونٌ يجرّم الأحزاب الطائفية والعنصرية، وأن يعلن كل حزب أو تيار مصادر تمويله. والأكثر من ذلك طالب الحراك بمنع ترشيح أي شخصيةٍ شاركت في العملية السياسية منذ 2003، كون تلك الشخصيات وأحزابها هي المسؤولة عن الفساد والطائفية وتفشّي القتل.

الكاظمي لم يحقق شيئا من شروط الحراك، لأنه، أساسا، جاء بمهمة واحدة ومحدّدة هي تسويف مطالب المتظاهرين، والانحناء للعاصفة الشعبية حتى حين، وإجراء انتخابات تستعيد فيها القوى والأحزاب والتيارات السياسية ما يمكن أن تكون قد خسرته بعد الحراك، كما يقول الشباب المنتفض.

خلق حراك أكتوبر وعيا وطنيا حادا لدى الشعب حيث أخذ ينظر إلى هذه الانتخابات على أنها لعبة أحزاب وقوى سياسية من أجل بقائها في مركب السلطة، وأنها فخ نصبته أطراف العملية السياسية وتنفذه بقصد. لذلك تتصاعد الدعوات إلى مقاطعة أيّ انتخابات لا تجري ضمن شروط حراك أكتوبر واستجابة لها، وألا يشارك فيها إلا الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين ولم تتلوث بسرقة خيراتهم.

والسؤال الذي يطرحه العراقيون هو: لماذا يجب أن يكون من يرتقي كرسي السلطة قد جاء من الخارج وتباركه إيران؟

إن تصريحات أحزاب السلطة والمخولين بالحديث عنها، تشير إلى أن ذلك السؤال حقيقي، إذ يقول النائب عن تحالف الميليشيات الولائية عباس الزاملي، إن رئيسه هادي العامري هو الأنسب لرئاسة الحكومة العراقية وقيادة القوات المسلحة، في المرحلة التي تعقب الانتخابات المقبلة المقررة هذا العام، وبهذا يكون زعيم ميليشيا بدر، الإيرانية في تأسيسها وتدريبها وتسليحها، ثالث مرشح رئاسي لحد الآن بعد الصدريين الذين يؤكدون أن رئيس الوزراء القادم سيكون منهم، وإذا لم يكن فيعني ذلك أن الانتخابات مزوّرة فيما يلوّح نوري المالكي، علنا، بأنه مستعد للعودة إلى المنصب الذي شغله لدورتين ماضيتين (2006 ـ 2014)، وشعاره الانتخابي هذه المرة، التصدي لـ”بطة” مقتدى.

ويشير الصحافي العراقي هارون محمد إلى أن الأحزاب والفصائل الشيعية هي مجاميع من الجنود والجواسيس والمرتزقة الإيرانيين، ومجاميع رثة من اللصوص والفاسدين، حسب تعبيره، لذلك فإن أولوياتهم تكمن في مواصلة نهب موارد البلاد وسرقة ثرواتها وتخريبها، وأن تلك الأحزاب المصطنعة والميليشيات المنفلتة ترسم منذ سنة 2003 لتحويل العراق إلى إقليم إيراني تحكمه طهران وقم.

ويدعو إلى عدم تصديق الخلافات الشخصية والحزبية التي تظهر بين مقتدى الصدر ونوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي وباقر صولاغ وهمام حمودي، وأمثالهم ممن دفع بهم الحاكم الأميركي بول بريمر، من الحضيض إلى الصدارة ورعاهم الجنرال الإيراني قاسم سليماني وحولهّم من سلك الخدم إلى قمة السلطة والحكم.

كما يدعو، أيضا، إلى عدم تصديق أن المالكي عازم على اصطياد بطة مقتدى، فهو في سنة 2010 توسّل زعيم التيار الصدري للتعاون معه في الولاية الثانية، واستجاب الأخير له، برغم تفاهماته مع إياد علاوي في دمشق، وإعلانه تقديم العون له، لأن الهراوة الإيرانية تحرّكت يومها، وهي قد تسمح بالمناكفة بين أتباعها، ومشاكسة بعضهم بعضا، شرط ألا تصل هذه المناكفة والمشاكسة إلى كسر العظم. وقد نجحت إيران في مخططاتها، وباتت هي صاحبة القرار في تحديد أسماء الرؤساء الثلاثة للحكومة والجمهورية والبرلمان، بل زحفت أذرعها إلى السلطة القضائية واحتوت الكثير من قضاتها وامتدت تدخلاتها إلى قضايا محلية صرفة في اضطهاد الفقراء والكسبة، ومنع تسويق الإنتاج الزراعي العراقي حتى طماطم الزبير والبصرة قُمعت واستبعدت، وحلت مكانها طماطم إيرانية رديئة ومسرطنة.

يرى مراقبون أن الانتخابات المبكرة لن تجرى في الموعد الذي حدّده الكاظمي لأن كل الظروف غير مهيّأة، علاوة على أن الصراعات بين القوى السياسية والأحزاب والفصائل والسلاح المنفلت والمال الخارجي لن تسمح بتمرير وجوه جديدة قد لا تتفق مع خطط وطموحات بعض دول الجوار، أضف إلى ذلك أن الشباب العراقي المنتفض لن يقبل حاليا بأي ترقيع في العملية السياسية ويطالب بتغيير جذري.

ولهذا فقد استبعد الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي العميد الركن حاتم الفلاحي، في حديث لإذاعة “سبوتنيك”، أن تجري الانتخابات المبكرة، عازيا ذلك إلى أن العراق يمر بظروف استثنائية الآن. فهناك أزمة اقتصادية خانقة وسلاح منفلت وانقسام سياسي وخلافات سياسية كبيرة جدا، وإشكاليات بين حكومة المركز وحكومة كردستان العراق، كما أن هناك عدم تناغم بين الرئاسات الثلاث الموجودة وبنحو خاص بين البرلمان وبين رئيس الحكومة، فكيف تجرى الانتخابات في ظل تلك الأوضاع؟ كما تساءل.

هناك أمر يعزز الدعوة إلى مقاطعة هذه الانتخابات هو أن المناطق الغربية في العراق مازالت مدمّرة وتعاني من إشكال كبير جدا في البنى التحتية، مما سيجعل هناك ردة فعل من الناس بعدم الذهاب إلى الانتخابات مرة أخرى، خصوصا وأن تلك المناطق لم تدرج في الموازنة الجديدة لإعادة إعمارها أو إعطاء التعويضات للمواطنين.

وطبقا للمحلل السياسي العراقي وخبير القانون الدولي، الدكتور رحيم الكبيسي، فإن الكاظمي عندما حدد موعد الانتخابات المبكرة كان يتوقع أن بإمكانه السيطرة على الميليشيات وسلاحها، أما الآن فقد أصبح للميليشيات الدور الفاعل على الساحة.

الشارع العراقي يرفض مفوضية الانتخابات لأنها جاءت على شكل محاصصة، وأيضا يرفض كل القوى التي سيطرت على الساحة السياسية، كما أن المنتفضين في الناصرية والتحرير وفي الساحات العراقية كلها يرفضون تلك الطبقة السياسية.

أما إذا أجريت تلك الانتخابات، وهو احتمال بعيد، فلن تقدم جديدا ولن تفرز سوى تلك الطبقة السياسية التي سامت الناس سوء العذاب منذ سنة 2003 حتى يومنا هذا والتي تلاحقها الكثير من الاتهامات، ما بين القتل والسرقة والفساد. ومن المتوقع جدا أن يتم تأجيلها إلى موعدها المقرر في الدستور في العام القادم 2022، وحتى لو أجريت الانتخابات خارج رقابة شديدة من الأمم المتحدة، فإن الطبقة السياسية الحالية هي التي سوف تتصدر المشهد مجددا بما لديها من سلاح ومال سياسي.

لكن مستشار الرئيس العراقي إسماعيل الحديدي استبعد في تصريح أن تؤجل الانتخابات البرلمانية المبكرة لأن هذا التأجيل لن يكون كما يرى في مصلحة العراق، إذ سينتج عنه العديد من المشكلات، متّهما قوى سياسية لم يسمها بمحاولة تأجيل الانتخابات “لأنها غير مهيأة لها”.

يعتقد المراقبون أن معظم الأحزاب السياسية راضية عن مستوى التمثيل الذي تحظى به حاليا، فمن شأن أي انتخابات جديدة أن تقلّص نفوذها، وتاليا لا رغبة حقيقية لديها للسعي وراء نتيجة قد تضرّ بمصلحتها. فالنواب الحاليون غير تواقين إلى خسارة وظائفهم وما ينتج عنها من رواتب ومنافع أخرى، فما من ضمانة أنهم سيحتفظون بمناصبهم أو حتى سيستمرون في المشاركة في العملية السياسية في حال مضت الحكومة قدما في الانتخابات المبكرة.

وسواء أجريت الانتخابات المبكرة أم أجّلت، فإن النتائج ستسهم في استعار الحراك الشعبي، لأن الأسس التي ستجري بموجبها الانتخابات صمّمت على مقاس أحزاب السلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى