قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال).
فما هو قهر الرجال الوارد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ هذا دعاء ثابت عن رسول الله ﷺ كان يدعو بهذا الدعاء وهذا من دعواته العظيمة ذكرها مسلم وغيره، فغلبة الدين معروف، يعني ثقل الدين وعجزه عن تسديده، وقهر الرجال أن يغلبوه حتى يقتلوه أو يأخذوا ماله، أو يهينوه ويظلموه إلى غير ذلك، فهو يستعين بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، فالدين إذا عجز عنه يشغل فكره كثيراً ويهمه كثيراً وربما أتعبه وأهله أيضاً، وقهر الرجال مصيبة عظمى سواء قهروه على قتله أو قهروه على أخذ ممتلكاته وأمواله أو بعض ماله، أو قهروه في إذلاله وهدر كرامته الإنسانية أو سلب حريته التي كفلها الشرع أو القانون، أو قهروه على غير ذلك مما يضره فكله شر، وكله بلاء عظيم ومصيبة عظيمة.
ما يحصل في العراق منذ الاحتلال الأمريكي الأطلسي للعراق عام 2003 هو تسلط فئة باغية باسم الإسلام على مجموع الشعب العراقي، من دون أن تعرف من الإسلام شيئا غير اسمه، تمارس القتل والعزل الطائفي في المدن السنية وتضطهد أبناءها تحت دعاوى باطلة مستفيدة من أمرين:
الأول:
قوة السلاح المنفلت والموضوع تحت سلطتها وبدعم كامل من تحالف شيعي يحكم بلا خجل باسم المذهب في بلد متعدد المكونات العرقية والمذهبية ولا تمتلك هذه الفئة أي مسوغ للانفراد بالسلطة، لأنها ببساطة زورت الحقائق عن نسبها السكانية واستندت في تلك الفرية إلى أكاذيب روجتها ولفقتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوربية والإسرائيلية، حتى كاد من أشاعها أول مرة ان يصدق ما نشره، وذلك لتكرار التحدث بها.
وجاهر قادة التحالف الشيعي المتسلط بقوة الدعم الأمريكي بأن حكم العراق هو حق تاريخي لهم وحدهم وأن على الآخرين القبول بهذه الحقيقة وعلى هذا فإن قادة الشيعة السياسيين والمعممين سلبوا السنة حتى حق النقاش اللاحق لاتخاذ القرارات الشيعية المصيرية، أي أنهم جعلوا منهم مجرد شهود زور على الجرائم التي ترتكب بحق العراق والعراقيين، وعليهم باسم المشاركة في الحكم وليس الشراكة فيهم أن يتحملوا المسؤولية الأخلاقية والقانونية والتاريخية لما يفرضه عليهم غيرُهم من قرارات.
ولم يكن ذلك صدفة أو حصل لخطأ ارتكبته الولايات المتحدة، بل يبدو أنها ظنت أن إيران ستكون وفية لمن أوصلها إلى خزينة العراق وقراره السيادي، ولكن إيران كانت كما هو عهدها على مر التاريخ مثل ضبع يعض اليد التي تقدم له وجباته المفضلة، فإيران تمكنت من التسلل التدريجي إلى مفاصل الدولة العراقية الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية، حتى أصبحت تلك السيطرة معضلة عجز عن معالجتها من بات يطالب باسترداد ما أنفقه من أموال لتحقيق الاحتلال وما بذله جنود من دماء، وهنا نقصد الولايات المتحدة حصرا، والتي ما كانت تظن أنها ستفقد كل تلك الأموال والدماء لكي تقدمها هدية مجانية لإيران.
الثاني:
قوة سلطة الأمر الواقع القائم حاليا وزيّف المؤسسات التي أسماها دستورية مثل مجلس النواب والحكومة والسلطة القضائية، فالقوانين المعمول بها حاليا جاءت مصممة لتحمي فئة واحدة ولتجرد الفئات الأخرى من أي حق حتى بالتنفس خارج الهواء الإيراني، ويمكن لمتابع صور مجلس النواب وكيفية اتخاذ القرارات لا يملك إلى أن يصاب بالذهول والصدمة عن أسباب تشكيل هذا المجلس الذي تتمكن فيه مجموعة واحدة من اتخاذ القرارات بصورة منفردة، ولكن الصدمة سرعان ما تزول عندما نعرف أن الاحتلال استند على كذبتين، أسلحة الدمار الشامل ونشر أجنحة الديمقراطية في المنطقة واتاحة الفرصة للأغلبية أن تحكم نفسها وتبني مجتمعها التعددي، أما التشريعات التي صدرت عن هذه السلطة الباغية فقد جرّمت السنة ووصفت كل فعل لأبنائهم عندما أصدرت قانون مكافحة الإرهاب وخاصة في مادته الرابعة.
كان الاحتلال يعي جيدا أن الجيش العراقي هو القوة الضامنة لوحدة العراق، ولهذا اتخذ بول بريمر قراره سيء الصيت بحله بعد الاحتلال فورا، مما جعل من العراق بركة آسنة تسبح بها حيتان القتل والتهجير والتغييب والفساد، فتم بصورة مباشرة بعد حل الجيش العراقي وشعور المنبوذين واللقطاء والمشردين وذوي العاهات النفسية والمرضى، بأن فرصتهم قد حانت لتفريغ كل ما يحملون من عقد التاريخ والوجاهة المفقودة، لتشكيل مليشيات مسلحة تصادر حرية الناس وممتلكاتهم وكرامتهم الإنسانية بالسلاح المنفلت والذي تستخدمه أيدٍ مرتجفة وعقول معاقة تحمل من الحقد على النفس والآخرين مما لا يمكن تطفأه كل بحار التسامح في الأرض.
فبالإضافة إلى المليشيات التي تشكلت من خونة الوطن في إيران منذ عام 1982 التي سهل لها الأمريكيون التسلل إلى العراق مرتين الأولى عام 1991 والثانية عام 2003 عندما دخل عدة آلاف من عناصر فيلق بدر، تشكلت مليشيات طائفية تحمل من الحقد ما يزيد عمره على عمر الكرة الأرضية، فكانت مليشيا جيش المهدي أول مليشيا قتل على الهوية والسطو على الأموال والممتلكات العامة والخاصة في أبشع صورة يمكن أن يراها مواطن يحب وطنه، فقد انفلتت مشاعر الحقد والبغضاء عن أية سيطرة.
ولأن هذه المليشيات لا يجمع بينها جامع إلا الحقد على العراق وإلا جشع السيطرة واكتناز المال الحرام، فقد بدأ التنافس فيما بينها، فكان هذا من سوء حظ العراق والعراقيين فقد تم توزيع مناطق النفوذ لكل عصابة منها تنهب وتسطو بدعم وتشجيع من السلطة المنصبة بقوة الاحتلال.
وكان من بين التقسيمات التي أنعمت بها السلطة الطائفية البغيضة، أن سلمت مدينة سامراء لما يسمى بجيش المهدي الذي مر بعدة أدوار استحالة حتى استقر به الاسم على سرايا السلام، التي هي أبعد ما تكون عن معنى السلام، فالمراقب يستطيع وصفها بأنها مليشيا القتل والتغييب والسطو وانتهاك الحرمات والاعتداء على الكرامات وتقييد حركة المواطن وحريته في مدينته على نحو لم تعرفه كل الاحتلالات التي شهدتها دول العالم في الحروب السالفة، فتلك هي فلسطين التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 1948، لم يشهد شعبها ظلما وقهرا متواصلا كما عاشته سامراء خاصة على أيدي مجرمي جيش المهدي الملوثة أيديهم بدماء مئات الآلاف من العراقيين.
واستغل جيش المهدي أن السلطة باتت بأيدي الشيعة في العراق، وأنه يستطيع أن يزعم أنه يمثلهم، فسخّر المتاح من الواجهات الهزيلة مثل الوقف الشيعي وما تسمى بالعتبة العسكرية لإحكام سيطرته الكاملة على الأراضي والعقارات العامة والخاصة داخل مدينة سامراء وأطرافها وصولا إلى مسافة تقرب من ثلاثين كيلومترا شمالا ومثلها جنوبا وعلى جانبي نهر دجلة، وبذلك فقد نسف كل قوانين حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية في حماية الممتلكات الخاصة، أما المناطق الأثرية والتي كانت محل رعاية اليونسكو فقد نسفها جيش المهدي بنفس الطريقة التي نسف بها أجساد ضحاياه من السنة.
لقد تواطأ بعض رجال الدين وبعض شيوخ العشائر في سامراء الذين فقدوا كرامتهم وعزة أنفسهم وتحولوا إلى أبواق تسعى للحصول على مزيد من المكاسب الزائلة، كما أن بعض منتسبي دائرة الآثار بل الدائرة بشخص مديرها وكذلك الوقف السني في سامراء، الذين صاروا خنجرا بيد جيش المهدي والعتبة العسكرية والوقف الشيعي، من اجل تحويل سامراء تدريجيا إلى مدينة شيعية خالصة، فقد ذكرت تقارير ذات مصداقية أن حاوي البساط من شمال ملوية سامراء إلى سور شناس قد تم تسليمه للعتبة العسكرية والوقف الشيعي، وهذه منطقة أثرية منع أبناء سامراء من عشرات السنبن من استغلالها لأغراض السكن أو إقامة المشاريع الزراعية أو الصناعية، وهناك صور بشعة أخرى سبق لموقع العراق العربي أن فصلها في رسالة سابقة.
فهل يبقى الضمير الإنساني صامتا إزاء ذبح هذه المدينة وهل تبقى اليونسكو تتفرج على هذا العمق التاريخي الإنساني الخالد وتسمح بالاعتداء على أروع منارة إسلامية وهي الملوية؟ والأهم من كل ذلك هي كرامة الإنسان وحياته وممتلكاته؟
أم أن النفاق السياسي قد جرد العالم المتحضر من آخر حصن كان البسطاء يظنون أنهم سيلجأون إليه عند إحساسهم بالتهديد والحذف من الخارطة الإنسانية؟ أسئلة تنتظر أجوبة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية والدولية، وقبلها من الولايات المتحدة التي تعرف حقيقة ما يحصل في العراق من انتهاكات ولكنها تسكت عنها لأنها السبيل الوحيد كي تحافظ على التأزم في المنطقة العربية التي لا تريد لها أن تستقر وتنمو.
وهنا وبعد كل ما اوردناه ندعو مقتدى ومن باب اسقاط الحجة ليس اكثر، ان يتابع مايحققه من عينهم كقادة ومسؤولين في سراياه وخاصة في سامراء وعلى مدى هذه السنوات وان يجري عملية جرد لما كان يمتلكه هولاء قبل ان ينصبهم في مواقع استغلوها للثراء من خلال ابتزاز اهالي سامراء وفرض الاتاوات عليهم في مناطق الجزيرة والجلام والحويش وكيف يفرضون على الصيادين حصة من صيدهم مقابل السماح لهم بكسب رزقهم وكذلك الفلاحين الذين ينقلون محاصيلهم الى المدينة وقيامهم بغلق الطرق بحجج مختلفة.
1٬673