عادل عبد المهدي واجتماع لم يتم

من بين كل اللغو الفارغ الذي أثار الممل عند البعض والقرف عند البعض الآخر، والذي قدمه عادل عبد المهدي رئيس حكومة تصريف الأعمال أمام مجلس انتخابات الـ16%، قال إن العملية الأمريكية التي أدت إلى مقتل قاسم سليماني ومرافقيه وأعوانه، أدت إلى إلغاء اجتماع كان مقررا أن يتم بينهما في الساعة الثامنة والنصف، وكان مخصصا للبحث في وساطة كان عبد المهدي قد بدأها بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأن قاسم سليماني كان يحمل ردا إيجابيا على رسالة سعودية سابقة لحل أزمة المنطقة.
ما هي علاقة سليماني بجهود وساطة سياسية مع بلد ملفات التوتر معه لا تعد ولا تحصى وتكاد أن تلغي أية بارقة أمل بحل سريع كما حاول عبد المهدي أن يلمح في عرضه الطويل؟ وهل تقّصّدّت إيران سحب ملف العلاقة مع السعودية من جواد ظرف كما فعلت في الملف السوري؟ إذن تريد إيران أن تقول للسعودية بأن طريقة معالجتها لملف العلاقات معها يتطابق مع ما شهدته الأوضاع في سوريا من تداعيات سياسية وأمنية على سوريا والمنطقة بكاملها.
إيران لم تختر سليماني لمتابعة ملف العلاقة مع السعودية اعتباطا، لكن انعكاس ذلك سلبا أو إيجابا على أوضاع أمن الخليج العربي، يدفعنا إلى تقديم الملاحظات التالية وإن كان بعضها على شكل استفسارات حائرة:
1 – نذكر أن جواد ظريف قدم استقالته من منصبه بعد استبعاده عن اجتماعات بشار أسد مع قادة بلاده، احتجاجا على تهميشه عن واحد من أهم الملفات التي تشغل إيران، فهل يعلم ظريف بأنه استبعد أيضا من ملف العلاقات مع السعودية وأن سليماني يزحف بقوة على واجبات وزارة الخارجية؟ قطعا كان سليماني مكلفا من جهة أعلى من وزارة الخارجية أو من رئاسة الجمهورية، أي من الولي الفقيه شخصيا.
2 – هل نسقّت المملكة العربية السعودية مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي؟ ثم ما هو مضمون رسالتها التي أوصلها عبد المهدي إلى إيران وربما عن طريق سليماني؟ وأخيرا هل نسقّت الرياض مع الولايات المتحدة باعتبارها شريكة سياسية وأمنية واقتصادية كبرى؟
3 – ما هو موقف وزير خارجية حكومة المنطقة الخضراء (الحكيم)، هل يشعر بشيء من هدر الكرامة السياسية والدبلوماسية وحتى الشخصية؟ عندما تتم كل هذه التحركات وهو مستبعد منها وذلك لتصور سليماني أنه شخص غير موثوق به؟ وهل يقدم استقالته حتى من حكومة تصريف الأعمال ويجلس في بيته؟ أم أنه سيبلع الإهانة ويعتبر الأمر تكليفا شرعيا ملزما بالالتزام به؟
يمكن أن تكون عبارة عبد المهدي عن مواقف إيجابية تعجّل معيب، لأنه أصلا لم يجتمع مع سليماني ولم يعرف جوابه كي يعطي الوصف الذي أعطاه أو غيره.
القاصي والداني، العاقل والمجنون، يعلمون أن سليماني جاء في إطار خطة تتعلق بتنفيذ أمرين:
الأول تطويق للسفارة الأمريكية في بغداد والتهديد بتصفية الموظفين فيها ما لم تستجب الإدارة الأمريكية لشروطه المعروفة والمضافة في حال تحقيق هذا الحصار.
الثاني منح عبد المهدي مكافأة فرضه مرة أخرى كمرشح مفضل من جانب إيران لرئاسة الحكومة، مع إطلاق يد مليشيا الحشد في معالجة ثورة تشرين وتداعياتها التي فاجأت الزعامة الإيرانية وخاصة ما يتعلق بإهانة صور علي خامنئي سواء بإحراقها أو ضربها بالأحذية، أو إحراق القنصليات الإيرانية في كربلاء والنجف وقبل ذلك بعام إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة، فآخر شيء كانت تتوقعه إيران أن شيعة العراق الذين ظنت الزعامات الإيرانية من خلال تقارير وكلائها في السلطة العراقية، أنهم محسومو الولاء لولاية الفقيه وأن إيران هي بوصلتهم السياسية والعقائدية، لكنهم أكدوا أصالة انتمائهم للعراق العربي العابر لكل الهويات الفرعية التي حاول المحتلون تكريسها وجعلها أمرا واقعا، وإذا بالضربة القاصمة للظهر تأتي من موضع الطمأنينة الزائفة.
فعلى من يريد عبد المهدي تصدير بضاعته الكاسدة ومن يظنه ما زال مخدوعا بأطروحة ولاية الفقيه التي تأكد فشلها في إيران نفسها رغم أربعة عقود من البطش المصحوب بالتجهيل والتخدير.

مقالات ذات صلة

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى