عندما يستجيب الإعلام للهياج السياسي والطائفي

لقد نهض الإعلام العراقي قبل الاحتلال بمهمات كبيرة في مواجهة اصطفاف إعلامي دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية، وجندت لهذا الغرض مؤسسات ورجالا ومراكز أبحاث وأموالا لتسويق مشروع احتلالها للعراق، ورغم تباين الإمكانات والأدوار بين الطرفين إلا أن الإعلام العراقي واجه الحرب الإعلامية..
المشهد الإعلامي بعد مرور 16 عاما على غزو العراق واحتلاله ما زال يئن تحت وطأة الاستقطاب السياسي والطائفي، وأن المقاربة بين إعلامين مركزي ومنفلت يحتاج إلى تحديد وظيفة أي منهما ودورهما في عملية التحشيد وتعبئة الرأي العام لاشتراطات الفضاء الذي كان يدور بهما الإعلامان.
فالفوضى الإعلامية التي أعقبت غزو العراق واحتلاله عام 2003 كانت واحدة من سمات مرحلة ما بعد الاحتلال الذي تحول العراق بفعلها إلى سوق اكتظت فيه مئات وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في مشهد لم يألفه العراق والمنطقة عموما، وأصبح لكل طائفة وهوية عرقية صحيفة وإذاعة وتلفزيون وموقع إنترنت وغيرها من وسائل الإعلام الذي حول الإعلام العراقي إلى منابر دعائية وكانتونات فئوية دون الاهتمام والتصدي إلى التحديات الخارجية والداخلية التي تواجه العراق، لا سيما ارتدادات الاحتلال وقوانينه وإخفاق الطبقة السياسية التي أنتجها الاحتلال في إدارة شؤون العراق، والتنبيه إلى مخاطر الأطماع الخارجية التي تستهدف وحدة العراق أرضا وشعبا.
فبعد أن كان الإعلام العراقي بوسائله قبل الاحتلال مركزيا وموجها يعكس وجهة نظر الدولة وموقفها من التحديات التي كانت تواجه العراق قبل احتلاله تحول الإعلام بعد الاحتلال إلى إعلام طائفي وفئوي منفلت وغير مسيطر عليه، يتخبط في فوضى عارمة، ولا يتمتع بالمعايير المهنية، ومكرسا للاستجابة للهياج السياسي والطائفي والعشائري، عكس واقع الحال الذي كان يعيشه العراق بعد احتلاله، حيث شهدت الساحة الإعلامية فوضي إعلامية لا يمكن عزلها عن الفوضى السياسية والأمنية الشاملة التي حلت بالعراق في تلك المرحلة.
لقد كان الإعلام العراقي قبل الاحتلال يوصف بأنه إعلام مركزي وموجه وممول من قبل الدولة ذو هوية وطنية جامعة. واجه تحديات كبيرة وخطيرة مقارنة بقدرات الماكينة الإعلامية الأميركية والغربية والصهيونية على مدى زمن الصراع، الأمر الذي تطلب جهدا كبيرا واستثنائيا من القائمين على وسائل الإعلام في محاولة لتقليل آثاره في الداخل، وفضح الأهداف التي كانت تقف وراء استهداف العراق وتجربته، وكشف بطلان المبررات التي كانت تسوق للحملات العسكرية التي تعرض لها العراق خلال العقود الماضية وصولا إلى احتلاله.
لقد نهض الإعلام العراقي قبل الاحتلال بمهمات كبيرة في مواجهة اصطفاف إعلامي دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية، وجندت لهذا الغرض مؤسسات ورجالا ومراكز أبحاث وأموالا لتسويق مشروع احتلالها للعراق، ورغم تباين الإمكانات والأدوار بين الطرفين إلا أن الإعلام العراقي واجه الحرب الإعلامية بقدرات محدودة، لكنها كانت مؤثرة وكشفت أهدافها ومبرراتها.
وبعد خروج الإعلام العراقي من مظلة وسلطة وملكية الدولة وجد نفسه بعد احتلال العراق واقعا تحت هيمنة سلطة خارجية بأذرع طائفية، فتحت الأبواب أمام تجربة إعلامية جديدة لا تمت بصلة لموجبات واشتراطات الإعلام المحايد والمستقل المستند إلى الهوية الوطنية الجامعة. إن الإعلام العراقي بعد الاحتلال لم ينتج تجربة إعلامية مستقلة ومحايدة ومؤثرة، وإن وجد فهو قليل وضعيف، وأغلب المشاريع الإعلامية المستقلة انهارت وأغلقت أبوابها بسبب التمويل وأسباب أخرى. وفي مقابل هذا التخبط الإعلامي استخدمت الحكومة هيئة الإعلام والاتصالات كرقيب على وسائل الإعلام وصل حد التدخل بالسياسة التحريرية لوسائل الإعلام، وطلب معلومات وإحصائيات عن العاملين فيها، وتحديد نوع التغطية، وتهديد وسائل الإعلام بالغلق وسحب الإجازة إذا تجاوزت الخطوط الحمر بما مسموح به من النقد الموجه للسياسة الحكومية في شتى الملفات.

مقالات ذات صلة

احمد صبري

a_ahmed213@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى