يتنافس سياسيو العراق على إطلاق المبادرات في ملعب العمل السياسي، وكأن هذا المنحى في مسار العملية السياسية مرهون بهذه المبادرة أو تلك من غير أن يدركوا أن هذه المبادرات لم تبلور رؤية واقعية لمعالجة حال التخبط الذي يعيشه العراق من دون أن يرى العراقيون النور في نهاية النفق.
وضجيج مبادرات الحل وتجاوز الانسداد السياسي تصطدم بمصالح متقاطعة همها استمرار هيمنتها على المشهد السياسي من دون البحث عن حلول لإعادة تصحيح مسار العملية السياسية، والأسس التي قام على أساسها النظام السياسي ومنظومته الطائفية التي كان عنوانها التوافق بين “مكوِّنات السنة والشيعة والأكراد”.
وإذا رصدنا مسار مفهوم التوافق السياسي بين المُكوِّنات الثلاثة، فإننا نستطيع القول إنه فشل في نقل العراق من حال إلى حال، وتسبب هذا الخيار باستحكام الحل وإبقاء العراق في خانة التخلف وضياع ثروته وتمدد يد اللصوص إلى مفاصله، ناهيك عن تغوُّل السلاح في بنية المجتمع الذي حوَّل العراق إلى كانتونات طائفية جرَّاء غياب الدولة وسلطانها على مفاصل الحياة اليومية للعراقيين.
وهنا نتوقف عند رفض من يطلق عليهم (عواجيز العمل السياسي) لدعوات التغيير وإصلاح النظام السياسي ومنظومته والتمسك بآلياته المتبعة منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى الآن إلى حد تشكيكهم بنتائج الانتخابات الأخيرة، وما أفرزته من تموضع جديد في المشهد السياسي، وهو الأمر الذي اصطدم بحراك سياسي عابر للطائفة والعرق لم يأخذ مدياته في مسار أهدافه بعد وأده من قوى وازنة ذات أنياب مسلحة رأت في مفعوله السياسي محاولة لاستبعادها عن المشهد وتجريدها من استحقاقات تخندقت في فضائه، وأن المساس به خط أحمر.
ومن دون استثناء، فإن جميع المبادرات لم ترتقِ إلى مستوى حاجة العراق إلى اختراق حقيقي لجدار الانسداد السياسي، ورسم ملامح مشهد يعالج الكوارث التي يعاني منها العراق جرَّاء التوافق في توزيع سلطات القرار بين المكوِّنات، لا سِيَّما الكتلة الأكبر التي باتت تعد أي مساس باستحقاقاتها يعني انقلابا على الأسس التي قامت عليها العملية السياسية ومنظومة الدولة.
من هذا الإحساس بمخاطر عجز أطراف العملية السياسية في فتح كوة في جدار الاستحكام السياسي، فإن العراق مقبل على مشهد لا أحد يتكهن بمدى خطورته على العراق وحتى المنطقة من فرط حال الانقسام الطائفي والسياسي الذي بات يتطلب حلا جذريا يعيد التوازن في مسار العمل السياسي من خلال إعادة النظر في أسس إقامة النظام السياسي ومنظومته ومغادرة سياسة الإقصاء والاستئثار بالقرار السياسي، ومنع تغوُّل السلاح في بنية المجتمع؛ لأن تجربة السنوات التي أعقبت الاحتلال واشتراطاتها في بنية المجتمع أصبحت لا تصلح للعمل وضبط إيقاعه بعد سنواتها العجاف، الأمر الذي يتطلب البحث عن خيارات وحلول حقيقية وواقعية تأخذ بنظر الاعتبار حاجة العراق إلى نظام مدني تسوده العدالة ويحكمه القانون. فمن دون تجربة هذا المسار فإن جميع المبادرات تدور في فضاء تكتظ فيه وتتقاطع المصالح إن لم نقل في حلقة فارغة.
646