تأخرت في دخول الدراسة الابتدائية بسبب تأخري في النطق إلى عمر السادسة، واحتجتُ سنة أو أكثر حتى استقام لساني، كانت مناهج الدراسة الابتدائية في بداية عقد الخمسينيات وحتى 14 تموز 1958، حافلة بالموضوعات التربوية والأدبية والثقافية ذات المدلولات المعبرة عن هدف ما.
منها ما يعود إلى نصوص قديمةٍ صِيغت بأسلوب قصصي ينسجم مع فهم الشرائح العمرية الأقل من 12 عاما، ومنها ما يسعى لتنمية مدارك التلاميذ في بداية عمرهم الدراسي بأسلوب شيق يُحبب إليهم الدراسة، عن طريق السرد المحبوك من قبل لجنة خبراء تربويين متخصصين، وكانت النصوص تتراوح بين السرد النثري والنص الشعري البسيط، إلا أن هامشا من الحرية يُترك للإدارة والمعلمين للتوسع في تحفيظ التلاميذ من القصائد الشعرية ذات المقاصد الوطنية والقومية والدينية، ولم نسمع يومها أن مديرا للمدرسة حوسب من قبل وزارة المعارف “التربية لاحقا” أو أن المدير حاسب أحدا من المعلمين لخروجه على المنهج المعد والمثبت في الكتب المدرسية المقررة.
أردت اليوم العودة بكم إلى موضوعين من موضوعات الصف الرابع والخامس الابتدائي، الأول نص شعري يقول
يمامةٌ كانت بأعلى الشجرة آمنةٌ في عشها مستترة
فأقبل الصياد ذات يوم فحام حول الروض أي حوم
فلم يجد للطير فيه ظلا فهم بالرحيل حين ملا
فبرزت من عشها الحمقاء والحمق داء ما له دواء
تقول جهلا بالذي سيحدث يا أيها الصياد عم تبحث
فالتفت الصياد صوب الصوت ونحوه سدد سهم الموت
فبرزت من عشها المكين ووقعت في قبضة السكين
ومن النصوص النثرية التي قرأنها في تلك المرحلة نصاً تحت عنوان “الحلاق الثرثار” وهو يحكي بأسلوب ساخر ولاذع، جانبا من الحروب التي شهدها العالم في القرن العشرين، وأذكر من ذلك النص أن “الحلاق استقبل زبونا وكان الحلاق يقص أثناء الحلاقة، وقائع حربٍ وقعت بين روسيا واليابان”، فيبدأ الحلاق حديثه مع زبونه بالقول… “هنا طوكيو، وهنا بور آرثر، وهنا ضرب اليابانيون الروس الضربة القاضية، ثم هوى على أم رأس زبونه بكلتا يديه، فخرج الزبون يولول ويهرول، وهو يلعن الروس واليابانيين والسياسة والسياسيين والناس أجمعين”.
هذا الموضوع وغيره مما كنا نقرأ في المرحلة الابتدائية من عمرنا الدراسي، عندما نستذكره اليوم، فلا أشك أبداً بأن فيه شيئا من الجاذبية التي جعلت ذاكرة بعضنا “وأنا منهم” تحتفظ ببعضه بعد مضي نحو ثلاثة أرباع القرن.
هذه سياحة في تاريخ العراق التربوي أثناء العهد الملكي، فأرجو ممن كان له تصويب على هذه النصوص أو أية تفصيلات إضافية عليها وعلى غيرها، من الأصدقاء، أن يدلي بدلوه من أجل إطلاع الأجيال الجديدة على نوعية المناهج الدراسية في ذلك الوقت.

799