فقه المخالفة

ينسب لجعفر بن محمد (الصادق) قوله عندما سأله أحد أتباعه عن بدء شهر رمضان في سنة من السنوات في بغداد بأن الناس قرروا الصيام في اليوم التالي، أنه قال له خالفوهم في كل ما يقومون به، ومن أجل أن تحبك الرواية فقد صيغت بوصف دخول هذا الشخص إلى جعفر الصادق في صومعته بأنه عندما مثل بين يديه قال له (جُعُلتُ فداك يا ابن رسول الله)…. وهذه الصيغة تتكرر عند تأليف أي رواية من جانب مراجع الشيعة يريدون إعطائها قدسية توجب الالتزام من قبل الشيعة، ولم يقل جعفر الصادق مؤسس المذهب الجعفري الاثني عشري كما يقول الشيعة، راقبوا هلال رمضان بل اعتبر أن مبدأ المخالفة هو الأصل، ليس في تحديد مواعيد الأشهر والمناسبات فقط وإنما في كل العبادات.
ولهذا سار الشيعة منذ زمن طويل على هذا المبدأ سواء في مطالع الأهلة أو الأعياد أو المناسبات الدينية مثل رمضان السنة والحج والسنة الهجرية الجديدة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل حولوا المناسبات المفرحة في التاريخ الإسلامي إلى بكائيات ولطميات وكأن الإسلام في حالة صدام أبدي مع أي فرح.
بين الأعوام 1977 و1979 عملت في السفارة العراقية في المملكة المغربية بوظيفة المستشار الصحفي ومدير المركز الثقافي العراقي في الرباط، وفي تلك الفترة كان القرن الهجري الرابع عشر يقترب من نهايته ليطل القرن الهجري الخامس عشر الذي نعيشه هذه الأيام، وقد أبلغتنا وزارة الخارجية العراقية أن منظمة المؤتمر الإسلامي وكان هذا اسمها قبل أن تتحول إلى منظمة التعاون الإسلامي لاحقا، قد أعدت فعاليات لاستقبال القرن الهجري الجديد بما يليق به من كرامة وأهمية ومن أجل إظهار المناسبات الإسلامية المفصلية بما يجعلها في الذاكرة الجمعية للمسلمين كافة، وقد تم تشكيل لجنة لإعداد فعاليات إحياء المناسبة، منها ما هو ديني صرف ومنها ما فعاليات فرح ومهرجانات شعر وأفلام بالمناسبة.
وكإجراء روتيني تم تكليف السفير العراقي في الرباط أو من ينوب عنه بتمثيل العراق في اللجنة، التي أخذت وقتا يقرب من سنتين لتقديم مقترحاتها للأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي للبت فيها وإجازتها.
وفي أول جلسة عقدها ممثلو الدول الإسلامية في إحدى قاعات أكبر فندق في الرباط في حينها، وعندما جاء الدور لممثل إيران لإعطاء رأي بلاده، قال (إن بلادي تعتذر عن المساهمة بأية فعالية في هذه المناسبة، لأن الشيعة في العالم ونحن نمثلهم يعتبرون بداية السنة الهجرية بداية حزنهم الكبير على استشهاد سيد الشهداء الحسين عليه السلام)، وأنهى كلامه ولم تنجح محاولات اقناعه بإرسال مقترح إلى حكومته علّها تفكر بالمقترح بإيجابية، مؤكدا أن ما يقوله هو رأي إيران ابتداء من الشاه نزولا إلى أي فرد في البلاد.
طبعا نحن لم نفاجئ بما قاله مندوب إيران، وربما هناك مندوب آخر أو أكثر شاركونا عدم الدهشة من الإصرار على تحويل مناسبات المسلمين إلى مآتم وبكائيات، ولكن سائر الوفود تعاملوا مع الموقف باستغراب بل بإنكار لا يخفى على عيون الدبلوماسيين، وفي الاستراحة درات أحاديث ثنائية بين ممثلي الدول غادرت كياستها الدبلوماسية في التعاطي مع مثل هذه الحالة، وربما لم يخطر على بال أحد منهم بأن إيران والتشيّع تحاول إلباس الإسلام ملابس الحداد ضمن خطة موضوعة منذ مئات السنين لتفريغ الإسلام من جوهره وتحويله إلى دين محصور في طائفة واحدة هي التي تمثله لوحدها ونزع الإيمان به من كل طائفة من لا تشاركها قناعاتها وتسلم بالأحاديث الموضوعة والتي نسبتها للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولأئمة الشيعة الاثني عشر.
ولو جردنا كل المناسبات الإسلامية لوجدناها قد تحولت بفعل دور إيران الطويل، إلى مناسبات حزينة لربطها بوفاة هذا الإمام أو ذاك.

مقالات ذات صلة

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى