في اوائل العام 1980 كنت ماازال ذلك الطالب الجامعي حين صرت جزءا من غرفة في جريدة الجمهورية هي (القسم السياسي) وكانت تضم عددا محدودا من الصحفيين هم كبار كتابها انذاك ، فبين فرات الجواهري نجل شاعر العراق الاكبر وصالح سليمان وحسين فوزي وعبد الرحيم الشريفي ويونس حسن وصحفيين مصريين اخرين هما احمد عز الدين واخر نسيت اسمه ، كنت بين هؤلاء الكبار اتلمس الطريق كي اجد موضعا لي او لربما احاول ان اعثر على مفتاح لولوج عالم الكتابة الصحفية التي كنت انتظر فرصتها ببالغ الصبر ، كيف لا وانا ابن الصف الثاني في قسم الاعلام بكلية الاداب !
من اشرت الى اسمائهم كان دوامهم نهارا حيث يغادرون مكاتبهم بعد الظهيرة ، بينما اكون انا قد وصلت لتوي من كلية الاداب ليبدأ دوامي وبذلك اصبح حلقة الوصل مع مجموعة العمل المسائي التي تلتحق بعد العصر ومهمتها تحرير وانجاز صفحة الاخبار العربية والدولية ، كان في مقدمتهم الصحفي الالمعي عباس الجنابي ومحمد عبد فيحان وكاظم مسلم واحمد خضر ، وفي مرحلة لاحقة تسلم قيادة العمل المسائي صحفيا كبيرا هو نصير النهر ، واشهد بحق كان استاذا لي في تحرير الخبر تعلمت منه كيف اصنع عنوان الخبر حيث ايقنت يومها ان صناعة العنوان هي عملية مخاض عسيرة !
كانت سكرتارية التحرير تتوزع بين ثلاثة من الصحفيين الجادين في العمل بتلك الفترة هم محمد السبعاوي وعبد المطلب محمود وعماد آل جلال وكانوا يشكلون وتد العمل الليلي الذي يتمخض عنه صدور الجريدة لتكون بين ايدي القراء صباحا.. في تلك الاثناء كنت اتحين الفرصة لكي اجد مكانا لاسمي في احدى زوايا الجريدة العملاقة انذاك والتي كانت واحدة من ابرز المؤسسات الاعلامية العراقية ، وكان عبد الرحيم الشريفي رئيس القسم يكبح عندي ذلك الجموح الانفعالي ليس بقصد سوى انه كان يريد ان تنضج تجربتي في الكتابة الصحفية ، فكان يذيل كل ما اكتبه بعبارة (لا ينشر) !
وفي ليل واحدة من ايام العمل وانا اعيد قراء الصفحة السياسية قبيل دفعها للطبع فوجئت بمقال احتل زاوية ثابتة كان اسمها (نافذة سياسية) تمعنت فيها لاجدها كلماتي التي انا من كتبها لكنها غير موقعة باسمي وانما تركت بدون اسم ، وظننت ان عامل الطباعة قد غفل عن ترصيص اسمي (اي صف الحروف بالرصاص) .. بعدها عرفت وتعلمت ان هذه واحدة من تقاليد العمل الصحفي حين تكون مبتدئا لاينشر اسمك في باديء الامر ، وبعدها يُكتب بالبونط الصغير 12 حتى تراه في يوم ما وقد كتب بالبونط العريض 18 .. وهذا ماحصل معي فيما بعد واستمرت كتاباتي وقتها ومازلت طالبا في دراسة الاعلام !