لو كان مجلس النواب والكيانات المهيمنة على المشهد السياسي في العراق جادين في تجريم التعامل مع الكيان الصهيوني كان الاولى ان يتم تفعل المادة 201 من قانون العقوبات البغدادي رقم 111 لسنة 1969 والتي تنص ( يعاقب بالاعدام كل من حبذ او روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية، او انتسب الى اي من مؤسساتها او ساعدها مادياً او أدبياً أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها ). بينما قانون تجريم التطبيع الجديد جاء في المادة 4 الفقرة (ثانياً : لا تسري أحكام هذه المادة على الزيارات الدينية المقترنة بموافقة مسبقة من وزارة الداخلية) .. فهذا الاستثناء يعني :
اولا : اعتراف ضمني وتطبيع رسمي بكيان مغتصب لاراضي ومراكز دينية اسلامية تقع تحت نير الاحتلال الاسرائيلي اي ان وزارة الداخلية بموجب هذا القانون تعتبر الجهة الرسمية التي تقوم بتنظيم الرحلات الى اسرائيل من خلال منح التصاريح الى الكروبات السياحية الدينية التي قد يشارك فيها سياسيين وبرلمانيين ورجال دين وتجار لزيارة بيت المقدس القابع تحت الاحتلال الاسرائيلي عبر المطارات الاسرائيلية مثل مطار بن كوريون وغيره ويختم على جوازاتهم دخول الى اسرائيل، وبالمقابل اعطاء تصاريح الى كروبات سياحية اسرائيلية لزيارة مقام النبي ذي الكفل في مدينة الكفل في محافظة بابل ونبي الله عزير في ناحية العزير في محافظة ميسان حسب ما تم تثبيت تلك المناطق بانها جزء من الديانة الابراهيمية عند زيارة البابا الى العراق بأعتبارها مراكز مشتركة ومعالم اثرية عالمية للاديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلامية .. مما يعتبر هذا النص بحد ذاته اعلى درجات التطبيع التي لا يمكن ردها لانها اصبحت مقننة وفق هذا القانون لذلك لابد من اصدار تعليمات مكملة لغرض تنظيم سير الرحلات وكيف سيتم منح التأشيرات هل ستفتح قنصليات اسرائيلية في العراق وفتح قنصليات عراقية في اسرائيل لاستقبال زوار الطرفين وحمايتهم وتسهيل اقاماتهم .
ثانياً : رفعت كلمة الماسونية في قانون تحريم التطبيع الجديد التي كانت موجودة في القانون القديم الواردة في المادة المشار اليها في اعلاه وذلك ليس من باب الاغفال وانما من باب الاستغفال لان هناك قوى سياسية ودينية متنفذة لها ارتباطات مشبوهة منذ القدم بالماسونية وان رفعها من القانون الجديد يعني اعفاء من المحاسبة للذين لهم ارتباطات قديمة او ما يتحقق من ارتباطات جديدة مع هذة الحركة لانه لم يعد هناك نص في القانون العراقي يجرّم المنتمين او المتعاونين معها.
ثالثاً : طريقة تقديم القانون للبرلمان جاء خلافاً للسياقات القانونية في اصدار القوانين، حيث قامت الكتلة الصدرية في البرلمان بتقديم القانون وكتابته، ولم يأتِ عن طريق رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية كما هو متَّبع في مقترحات مشاريع القوانين. لذلك لم يصدر عن الحكومة العراقية أي توضيح او إشادة بعملية التصويت على القانون لان مسألة التطبيع بين العراق وإسرائيل ليست مطروحة أصلاً حتى يصار إلى تشريع هكذا قانون.
رابعاً : يبدو ان هذا القانون موجه بالاساس الى الاكراد لسببين الاول العلاقة التاريخية بين قادة اقليم كردستان واسرائيل كونها علاقة استراتيجية متزامنة مع بدايات الحركة الكردية منذ ايام الملا مصطفى البرازاني والثاني موضوع تصدير نفط الاقليم خارج ضوابط القوانين الاتحادية وهو الاهم .. بمعنى ان القانون يحمل بعد انتقامي نكاية بالاكراد بسبب مواقفهم مع اسرائيل وايضاً وسيلة ضغط على قادة الاقليم فيما يخص ببيع النفط المستخرج من الإقليم إلى إسرائيل .. ومن جهة اخرى لتبيض وجه ايران لتبرير الضربات الايرانية على اربيل لكي يقال ان ايران غير معتدية وانما تعمل على تنظيف العراق من المكاتب الاسرائيلية في شمال العراق مثلما فعلت في محاربة داعش حباً بالعراق. لذلك أن هذا القانون سيأتي بنتائج عكسية كونه سوف يفتح الباب أمام التطبيع عن طريق الموافقات الرسمية الخاصة من وزارة الداخلية العراقية، وسوف يزيد من تعميق الخلافات السياسية مع اقليم كردستان الذي حرم عليهم هذا القانون تبادل الزيارات السياسية الى اسرائيل وحلل على الاخرين تبادل الزيارات الدينية، بالاضافة الى الرأي القائل بأن هذا القانون يخاطر بالإساءة إلى علاقة العراق مع دول محيطه العربي والإسلامي التي لديها علاقات مع إسرائيل .. مما يعني ان القانون وضع العراق في موقف شبه معادي مع كثير من الدول ومنها دول عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث وصفته بريطانيا بـ«المروع»، وكذلك عبرت واشنطن انزعاجها في بيان صدر عن الخارجية الامريكية إن «الولايات المتحدة منزعجة بشدة من تشريع البرلمان العراقي لقانون يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل». وأضاف البيان أنه يعرّض حرية التعبير للخطر فضلا عن تعزيز بيئة معاداة السامية، وقد شددت وزارة الخارجية الأميركية على أن «دعم اميركا قوي وثابت لإسرائيل ».
واخيراً من خلال ما تقدم كان من الاولى بمجلس النواب تفعيل المادة 201 من قانون العقوبات البغدادي رقم 111 لسنة 1969 بدلاً من اصدار هذا القانون الملغوم الذي يعتبر كلمة حق اريد بها باطل والذي جاء بنتائج عكسية لانه فتح الباب للتطبيع بشكل رسمي من خلال تفويض وزارة الداخلية على منح التصاريح لتنظيم الزيارات الى اسرائيل تحت ستار الزيارات الدينية، وفي نفس الوقت عمق الخلافات في الداخل العراقي مع الاكراد، وايضاً مع الدول التي لها علاقات مع اسرائيل سواء عربية او اجنبية. بينما العراق يعاني من صراعات وأزمات اكثر خطورة يفترض التصدي لها وأبرزها الانسداد السياسي الذي يعاني منه البلد منذ سبعة شهور نتيجة عدم قدرة الطبقة السياسية على تشكيل حكومة جديدة بسبب الصراعات على المصالح والنفوذ من اجل الاستيلاء على المناصب والمال العام .
739