يتناول كتاب (حرب الأشباح – استراتيجيات قتال تنظيم الدولة الاسلامية) لمعاون رئيس الأركان العراقي الأسبق الفريق الركن صباح نوري العجيلي،استراتيجيات قتال تنظيم الدولة (داعش)، بالدراسة والتحليل لافتاً إلى نقاط مهمة لم يسبق لأي دراسة أن تطرقت إليها. على الرغم من تحول التنظيم الى ما يسميه الباحث (حرب الأشباح)، الا أنه مازال خصماً عنيداً ويشكل تهديدًا خطيراً للأمن المحلي والاقليمي، نظرًا إلى كونه صاحب فكر عقائدي ولديه هدف استراتيجي كبير (إقامة خلافة إسلامية) ومن الصعوبة بمكان هزيمته نهائيا بعمليات عسكرية فهو، كما يرى، لن يستسلم بسهولة ومازال لديه الاعتقاد أنه سيعود الى المدن التي فقدها ويصل إلى هدفه الاستراتيجي، كما أن لديه خلايا سرية فاعلة على الساحتين العراقية والسورية المجاورتين مستمرة لتحين الفرصة وتنظيم صفوفها والقيام بعمليات استنزاف ضد القوات الحكومية، كالتي تجري في الوقت الراهن على الساحة العراقية، وتحديداً في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين وتهديداته للمحافظات الاخرى المجاورة.ويسجل الكتاب وجود مجموعات مسلحة تابعة للتنظيم منتشرة في كل من ليبيا وأفغانستان وباكستان وأفريقيا وسيناء مصر وجنوب شرق آسيا والصومال، تنشط احياناً وتقوم بعمليات مسلحة، فضلاً عن استمرار التنظيم بإطلاق حملات إعلامية تدعو إلى الصبر الاستراتيجي وتروّج إلى أن فقدان المدن مؤقت ولا يعني الهزيمة، مما يعني عدم قبوله بالهزيمة العسكرية المفروضة وإصراره على مواصلة القتال.يستغل التنظيم لصالحه، كما ينوه الكتاب، بقاء الوضع السياسي والأمني العام في المناطق المتأزّمة هشاً فضلا عن بقاء ملفات النازحين وإعمار المدن من دون حلول ملموسة، إلى جانب انعدام الثقة بين القوات الحكومية وأبناء المدن المحررة، منبهاً إلى أنه مازالت للتنظيم قيادة مؤثرة تعمل مركزياً وولايات تتحرك لا مركزياً ولديها المرونة الكافية للعمل الميداني نتيجة الخبرة المتراكمة. يعدّ تنظيم الدولة (داعش) عابراً للحدود والقارات وهو من أهم التنظيمات الأصولية المنتمية إلى السلفية الجهادية والذي تبرعم، بالأصل، من تنظيم القاعدة وتمكن من تحقيق تقدم ميداني سريع وأحكم قبضته على أراضي واسعة ومدن كبرى وقصبات ذات أهمية في الساحتين العراقية والسورية المتجاورتين وأعلن إقامة الخلافة الإسلامية في يونيو 2014، وبات له وجود في ليبيا وافغانستان وسيناء مصر والصومال والجزائر واليمن والباكستان وفي منطقة الصحراء الإفريقية الكبرى ومالي ونيجيريا. ميزة هذا الكتاب أنه يتطرق الى جملة حقائق ومحطات مهمة في السجل القتالي لهذا التنظيم على الساحة العراقية والذي يختلف عن باقي التنظيمات المسلحة التي شهدتها المنطقة، إذ ظهر هذا التنظيم الذي يصنف ضمن التنظيمات المسلحة غير النظامية في العراق، بعد الاحتلال الامريكي كظاهرة محددة الملامح، ولكنه سرعان ما أصبح لاعباً رئيساً، فور الإعلان عن انطلاقه، من دون أن تظهر له استراتيجية واضحة أو أدبيات سياسية ومن دون أبعاد تاريخية أو تراكمية في نشأته فهو لم يظهر تنظيماً سياسياً ومن ثم تحول إلى نمط العمل المسلح، فقد هربت الكثير من قياداته من السجون لتبدأ العمل المسلح، من فورها، وعلى نطاق واسع وفق نمط الاجتياح العسكري.
تنظيم البيئة
استغل التنظيم البيئة السياسية والأمنية والاجتماعية والخلل الأمني الواضح، وسياسات الإقصاء وتنامي التدخلات الأجنبية بالشأن الداخلي، فضلاً عن فساد القوات الحكومية والأمنية وضعفها، ونجح في توظيف نقاط الخلل هذه كلها لإيجاد حاضنة شعبية مؤيدة وداعمة له واستطاع التمدد سريعاً وفرض سيطرته المكانية، بصفة سريعة ومباغتة، على مدن ومواقع ذات أهمية، وتمكَّن من خلق فضاء جيوسياسي ممتد بين الساحتين العراقية والسورية، وبسط حاكميته المطلقة على أكثر من سبعة ملايين من السكان، بعد أن توج عملياته العسكرية بالاستيلاء على مدينة الرقة بالجانب السوري، وصولًا إلى فرض سيطرته على مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.التنظيم مجموعة هجينة فهو صادر الإيديولوجيا الإسلامية الراديكالية لتنظيم القاعدة، وعمد، في الوقت نفسه، إلى تطبيق نموذج القيادة المركزي لحزب الله اللبناني، ومن ناحية أخرى استخدم بعض التكتيكات المستمدة من حركة طالبان الأفغانية، متخذاً عدداً من المبادئ والثوابت، خلال مسيرته العسكرية، إذ دمج بين العمليّات التطبيقية والتكتيكات التي تستخدمها التنظيمات والمجموعات المسلحة غير النظامية وتلك التي تستخدمها الجيوش التقليدية، وينبع الأسلوب الأول للتنظيم من جذوره في تنظيم القاعدة واقتباسه التكتيكات وأساليب القتال، في حين أن أسلوبه الثاني ناتجٌ عن انضمام عسكريين سابقين إلى القاعدة أولاً، ومن ثم تحولهم لاحقاً إلى تنظيم الدولة.اعتمد التنظيم استراتيجية قتال الجيل الرابع من الحروب (WG4 ) والتي تبنى على استراتيجية الإنهاك البطيء الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى في بلاد الخصم، وتالياً إفشال الدولة، وتشتمل هذه الاستراتيجية على الأساليب التي يتبعها الطرف الأقل قوة في معادلة الصراع ضد الجانب المتفوق مادياً. وهذا النوع من الحروب، بالأساس، هو مزيج من حرب العصابات والحرب النفسية والإعلامية مع توظيف الشحن العقائدي والايديولوجي لرفع القدرات القتالية للمسلحين. يقول المؤلف: إن جوهر الاستراتيجية العسكرية للتنظيم هجومية تعرضية، إلا أنه اضطر للجوء إلى الدفاع عن المدن والمناطق الحضرية كمدينة الموصل التي سقطت في قبضته وحاول التمسك بها على الرغم من تفوق القوات الحكومية مادياً وعددياً وتوفر الإسناد الناري الكثيف وتقديم التحالف الدولي، بزعامة الولايات المتحدة، جهداً جوياً فعالاً، إلى جانب الاستخبارات والمشورة، كما أن التنظيم اعتمد استراتيجيات خاصة كالذئاب المنفردة التي توخى منها إرباك السلطات الأوربية المشاركة بالتحالف الدولي. وفي ضوء دراسة استراتيجيات قتال التنظيم تتضح القدرة على المناورة والتكيف للقتال وتبدل الأساليب وفق معطيات المعركة والظروف المحيطة، فقد اتبع التنظيم، منذ نشأته، أساليب حرب العصابات والمجاميع الصغيرة (شوكة النكاية) وتحول إلى إدارة التوحش ومن ثم إلى الحرب التقليدية بعدما سيطر على المدن ووضع الخطط للدفاع عنها وبالنهاية أجبر على العودة إلى حرب الاشباح عندما تقهقر عسكريا حين خاض حرب المدن غير المتكافئة وتحول الى الحروب الدفاعية التقليدية، ومازال يستغل الظروف لفرض حالة من استنزاف القوات الحكومية.
هزيمة تنظيم
بعد هزيمة التنظيم عسكريا واستعادة المدن والقصبات الرئيسة من قبضته سنة 2017، تحول إلى حرب الأشباح وفي الوقت الراهن لديه بحدود عشرة آلاف مقاتل بالعراق وسوريا ويعمل بأسلوب الخلايا الكامنة والمفارز القتالية التي تباغت مواقع القوات الحكومية وفصائل المليشيات والبيشمركة الكردية في المناطق الرخوة أمنياً.
وتستهدف الخلايا الكامنة للتنظيم، الأهداف المنعزلة ونصب الكمائن وشن الغارات على المواقع الحكومية وأرتال التنقل وزرع العبوات الناسفة والألغام واستخدام سلاح القنص من مديات بعيدة، والأحزمة الناسفة وإطلاق القذائف الصاروخية لغرض استنزاف القطعات وايقاع الخسائر بها والتأثير على معنوياتها وإجبارها على الانفتاح في مناطق واسعة، وتالياً زعزعة الأمن والاستقرار. ومازال وجود التنظيم يشكل خطراً وتهديداً في المثلث الواقع بين المحافظات العراقية: كركوك وصلاح الدين وديالى وكذلك في محيط نينوى ومدن غرب الانبار وشمالي محافظة بابل وحتى العاصمة بغداد. مازالت قيادة التنظيم تطلق استراتيجيات جديدة مثل الصبر الاستراتيجي والفقدان المؤقت للمدن وذلك لزرع الأمل في صفوف مقاتلي التنظيم ورفع معنوياتهم التي تصدعت جراء الصدمات التي تلقاها. تحدث الكتاب الذي صدر في العاصمة الأردنية عمان، ضمن سلسلة إصدارات المؤلف التي تناول فيها المواضيع والاحداث الساخنة بالساحة العراقية ومنطقة الشرق الاوسط، في فصوله التسعة عن الهيكل المؤسساتي للتنظيم واستراتيجيته السياسية والاعلامية وقدراته العسكرية واستراتيجيات قتاله وقتاله التعرضي والدفاع عن المناطق الحضرية والعمليات الخاصة والعودة إلى حرب الأشباح، وأخيراً واقع التنظيم والخطر الوجودي. الكتاب يعد واحداً من المصادر المهمة للمكتبة العسكرية العراقية والعربية ويسجل مرحلة خطيرة من تاريخ العراق الحديث وتاريخ المنطقة ويقف عند أــــــــساليب التنظيمات المسلحة غير النظامية وتطور استراتيجيات قتالها التي لم تألفها المنطقة في السابق مما يتطلب من الجيوش النظامية التدريب على أساليب معالجتها.