كي لا تنطلي على العرب خدعة الاعتماد على ضمانات الدول الكبرى

يشهد العالم وخاصة منطقتنا العربية أحداثاً متسارعة، لاسيما بعد خروج ترمب من المعادلة السياسية الأمريكية، ووصول جوزيف بايدن وهو خليفة باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض وكان نائبا له لثمانية أعوام، لذا وجدت لزاماً عليّ أن أثبّت بعض الملاحظات التي تتعلق بالسياسة السعودية عربيا وإقليميا ودوليا، وسوف أتحدث بصراحة مطلقة قد تزعج البعض، تنطلق من حرصٍ على عروبة كل الأقطار العربية وإسلاميتها لاسيما بلد الحرمين الشريفين.
ربما ارتكبت المملكة خطأ فادحاً عندما راهنت بكل أوراقها السياسية على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وكأنه فائز لا محالة في الانتخابات، ولم تحسن إدارة اللعبة على الوجه الصحيح، لنراقب السياسة الإسرائيلية ونتعلم منها بعض أدوات إدارة الملفات الاستراتيجية، وكيف تعاطت مع أي انتخابات أمريكية باعتبارها شأنا داخليا حتى لو كانت عواطف الحكومة الإسرائيلية مع مرشح ما، ولكنها تكرر القول بأنها لا تفضل مرشحاً على آخر، لأنها ضامنة لمصالحها بصرف النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، وكذلك راحت إيران تستنسخ بعضا من مفردات اللعبة الإسرائيلية وإن بكفاءة أقل ولا تخلو من السذاجة احيانا.


ونظراً لوجود لوبي إيراني محسوم الولاء لإيران في كل مجتمع حلّ فيه الإيرانيون، حتى إذا كانوا بأقوى درجات معارضتهم للنظام القائم بمن فيهم أتباع نظام الشاه السابق، فنلاحظ أن الإيرانيين المهاجرين بمن فيهم الهاربون من النظام الإيراني القائم، يخدمون بلدهم أكثر مما يخدمه أتباع النظام، راقب ما فعله الإيرانيون لدعم البرنامج النووي والتسليحي ومواجهة العقوبات الأمريكية، لأنهم يضعون حدودا واضحة المعالم بين الوطن والنظام، ولنحاول أن نقارن ذلك بما فعلته العناصر المعارضة لنظام الحكم الوطني قبل 2003، كانوا يتظاهرون ضد أية مناقشة في الأمم المتحدة لتخفيف الحصار الظالم على بلدهم، ويلتقون بالمسؤولين الأمريكان ويحثونهم على التصدي لأية خطوة في هذا الاتجاه، ثم انظر ما يفعله معارضو بلدانهم من العرب في أمريكا وأوربا وكيف يتفننون في الإساءة لبلدانهم، وخذ المعارضة السعودية مثلا على هذا النمط من السلوك المنحرف، هؤلاء “المعارضون” العرب لا يفرقون بين النظام والبلد، بل يدمجون بين كراهيتهم وحقدهم على النظام مما يؤدي إلى حقد بالنتيجة على وطنهم، وربما كان هذا هو أحد أسباب اعجاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالحضارة الفارسية لأنها تراكمت فخلقت شعبا حضاريا يستطيع الفرز بين نظام الحكم في بلده وبين بلده نفسه، أما العرب الذين وصفهم أوباما بالبدو المتخلفين فإنهم لم يستطيعوا التحرر من عاداتهم الجاهلية.


اليوم تقف بلادنا العربية على مفترق طرق خطير، فإيران مدعومة من جانب الغرب والشرق على حد سواء، وهذه حقيقة علينا أن نعترف بها بشجاعة كي نضع لها الحلول المناسبة لتخفيف أضرارها، لأننا إن واصلنا سياسة الإنكار فإننا لن نضر أحدا غير انفسنا، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية صاحبة فضل متصل على اقتصاد العالم منذ اكتشاف النفط فيها، لكنها تبقى صديقاً غير مرغوب فيه من قبل الولايات المتحدة وأوربا، علينا ألا نكابر، وإيران صديق مفضل لدى الغرب شئنا أم أبينا، وهنا علينا أن نتعرف على أسباب تفضيل الغرب لإيران على جميع الدول العربية وتتعامل معها بازدراء، أين تكمن العلة؟ هل لأن إيران دولة تتكلم بلغة سياسية واحدة؟ في حين أن العرب يتحدثون باثنتين وعشرين لغة سياسية أي بعدد بلدانهم، بل يرى العالم أن للبلد الواحدة عدة لغات سياسية بعدد قواه السياسية المتصارعة حتى في المبادئ العامة وليس على التفاصيل، نعم يتصارعون فيما بينهم ونرى لكل دولة مصالحها المتصادمة مع دول عربية أخرى؟ وخذ مثلا العلاقات البينية داخل مجلس التعاون الخليجي، ألا يغري هذا دول العالم أن تلعب على هذه النهايات السائبة لاصطياد الجمال الضالة عن القطيع؟ بل وتسخر منّا أننا لم نتمكن من حل مشكلة صغيرة نفخ فيها الإعلام فجعلها جبلا من الكراهية؟ أم لأن إيران تمتلك موقعا استراتيجيا في الجغرافية السياسة يتحكم في الممرات المائية؟ وهل موقعها أهم من اطلالة العرب على البحار بدءً من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر والبحر العربي ثم الخليج العربي، أم لأن العرب لا يحسنون استغلال ما في يدهم من قوى مادية وجغرافية؟ أم لأن إيران استطاعت أن تقيم لنفسها أسيجة شيعية في كل مكان تتحرك بأوامرها وتقف بمجرد صدور الفتوى لها؟ أم لأن هذا الخيار الغربي نابع عن موقف استراتيجي فكريا وعقائديا وخاصة في الجانب الديني، لأن العالم اختار التشيع “المعتدل” على الدين الإسلامي “التكفيري والإرهابي”؟ وما هو دورنا في إيقاف هذه الرؤية وعدم السماح لها بأن تتحول إلى قناعة يقينية لدى الغرب؟ وماذا علينا أن نعدّ من برامج للتصدي لها؟ وهل يكفي أن تطرح السعودية بعض الخطوات ثم تطلق عليها اسم مناهج التحديث والعصرنة؟ أم أن تلك الخطوات لن تغري أحدا؟ خاصة إذا عرفنا أن اليابانيين متمسكون بتقاليدهم بقوة ومع ذلك استوعبها العالم ولم يحاول التعرض لها بل وأحترم تمسكها بتقاليدها، الموضوع لا يتعلق بجلب فرق مسرحية أو إقامة مهرجانات فنية في المملكة، الموضوع أبعد من ذلك بكثير، الغربيون يريدون سلخنا عن قيمنا فليس علينا أن نقدم لهم الرشاوى ماليا أو من قناعاتنا الدينية أو تقاليدنا من أجل إرضائهم فلن يرضوا عنا ابدا مهما قدمنا.


ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إن المرونة السياسية تتطلب منا أن نتنازل لبعضنا بدلا من التنازل لإعدائنا؟ فهذا وقت التحالفات والتوافقات عند منتصف الطريق وليس وقت الانقسامات، وهذه النقطة أعرف أنها معروفة المغزى بكل تأكيد، لكنني هنا أريد أن أعرّج على العلاقات السعودية مع تركيا خاصة، والتي أصبحت رقماً صعباً في المعادلة السياسية الإقليمية والدولية، ولا أرى أن في تعميق التأزم معها يخدم هدفا سعودياً خاصة أو عربياً عامة، فليس مطلوبا من العرب أن يعودوا تحت سلطة الدولة العثمانية، كما ان الأتراك ليس مطلوبا منهم التخلي عن لغتهم واعتزازهم بها وبتاريخهم، صحيح أن لتركيا علاقات متينة مع إيران في الوقت الحاضر، ولكن الصحيح هو أن الموروث التاريخي لعلاقات البلدين مزدحم بأسباب التوتر والصراع والنزاعات العسكرية، ولنضرب معركة جالديران مثلا، ودور العثمانيين في طرد الصفويين مرتين من العراق، ليس المطلوب من السعودية أن تطلق للإخوان المسلمين حرية التحرك أو التنظيم، ولكن هنا اقتبس نموذج من تجربة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، في علاقاته المتينة بالاتحاد السوفيتي، في الوقت الذي كان يلاحق التنظيم الشيوعي في بلده بلا هوادة، إن المرونة مطلوبة اليوم لمواجهة تداعيات التحول المؤكد في السياسة الأمريكية، فبدلا من توجيه الأموال السعودية يمينا وشمالا وكأن المملكة هي خزينة العالم، وخاصة ما يلاحظ في المؤتمرات الدولية، ليس هكذا تنفق الأموال من دون مردود، بل على السعودية توظيف إنفاقها وتقنينه على أعلى درجات الدقة.
لقد خاضت المملكة العربية السعودية على حدودها الجنوبية معركة العرب بوجه نوايا الشر الإيرانية، عبر ذراعهم المحلي في اليمن “الحركة الحوثية” وكما وقف بعض العرب، ضد العراق في معركة صد العدوان الإيراني في حرب الثماني سنوات، فقد واجهت السعودية مواقف مماثلة ولم يَفهم من وقف متفرجاً أو ضد المملكة في الحرب، أن الدوَر قادم عليه إن قُدِّر لإيران النصر فيها لا قَدَر الله، ولكن علينا إن أن نقرّ بأن القيادة السعودية افتقدت عامل الحسم والحزم في كثير من صفحاتها مع أنها أطلقت على المعركة اسم “عاصفة الحزم”، وخاصة في موضوع ميناء الحديدة أو مدينة تعز، أو الردع المباشر على إطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على مدن المملكة وخاصة مكة المكرمة والرياض وموانئ تصدير النفط، من دون أن يتحرك الرئيس ترمب للرد على الرغم من كل ما أطلقه من شعارات نارية من أنه سيرد على أي تهديد للمصالح الأمريكية في العالم، ولكن ذلك مر بلا رد وترك اثرا عكسياً إذ أغرى التردد ايرانَ بالتمادي في عدوانها.
وبدلا من إرغام المجتمع الدولي للدفاع عن مصالحه في الملاحة الآمنة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أخذت على عاتقها معالجة ملف الألغام البحرية التي تزرعها إيران ومليشيا الحوثي في البحر الأحمر، كما فعلت إيران أثناء حرب الثماني سنوات مع العراق، ولا أعرف السبب الحقيقي عن تصدي السعودية منفردة لمعالجة هذه الألغام؟ ولماذا لا توكل المهمة للدول البحرية الكبرى كي تصبح وجها لوجه أمام إيران ومليشيا الحوثي العميلة؟ وتدفع بمصر المستفيدة الأولى من حركة النقل البحري في البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس للتحرك العاجل في الانخراط الجدي في جبهة مواجهة إيران في اليمن، والأمر ينطبق على إسرائيل أيضا.
وهنا لا أريد أن أترك ملف العلاقات العراقية السعودية جانباً، بل أضع الحقائق التالية وأتمنى أن يعرفها المسؤولون السعوديون، من وجهة نظر كاتب وسياسي عراقي عروبي يشاركه كثير ممن يؤمنون بالفكر القومي، عراقي عروبي اكتوى بنار الاحتلالات، التي كان للسعودية وبعض دول الخليج العربي دورا في حصولها، حريص على الأمن القومي العربي وعلى التحرك في الوسط العربي قبل فقدان الفرصة وإفلاتها من يد العرب بصورة نهائية كحرصة على الأمن الوطني العراقي.
1 – العراقيون السُنّة، بمعظمهم، يرون في المملكة سبباً في الذل الذي يعيشون تحت ظلاله منذ عام 2003 وحتى اليوم، فلولا السعودية وموقف الملك فهد في استقدام القوات الأمريكية عام 1991 لغزو العراق، لما استطاع أحد من إسقاط نظام الحكم الوطني الذي كان يقوده الرئيس صدام حسين أبداً، ولهذا فأقولها بصراحة مهما كانت الصراحة جارحة للمشاعر، إن كثيرا من سُُنًّة العراق يحمّلون السعودية المسؤولية الكاملة في ذلك التوجع والذل، فقد استضاف الملك فهد ما يُسمى بعناصر المعارضة الشيعية الموالية لإيران، وأغدق عليهم الأموال وفرش لهم السجاد الأحمر عند زياراتهم المتكررة للرياض، وقطع كل جسور العودة مع العراق العربي القوي، بل وسوّق تلك المعارضة العميلة إلى المجتمع الدولي، وكأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي، ثم لتنوب عن إيران الشر والتوسع وتناصب السعودية أعلى درجات العداء، لانها تحمل موروث كراهية غير قابل للإزالة، عقائديا واستراتيجيا وتاريخيا ضد المملكة وكل الدول العربية.


لقد اعتقدت السعودية أن الدعم الأمريكي للمملكة ثابت وراسخ مهما تبدلت الظروف في التعامل مع كل تهديد خارجي، وللأسف الشديد ما زال هذا الوهم قائما، ولاحظته خلال زيارة الرئيس الأمريكي السابق للمملكة والحجم الهائل للعقود الفلكية التي وقّعها في تلك الزيارة، أين نتائج تلك العقود على المدى الاستراتيجي بالنسبة للمملكة؟ وما هو دورها في حماية الأمن الوطني السعودي كي لا أقول الأمن القومي العربي؟
هل التزم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بما قطعه ترمب من وعود وتعهدات؟ أم أنها تبخرت بمجرد مغادرة الرئيس السابق للبيت الأبيض؟ ولو أن تلك العقود تم توقيعها مع بلد آخر لاستطاعت السعودية ربطه مع استراتيجية مشتركة بين بلدين يحترمان التزاماتهما الرسمية وليس الشخصية لرجل متقلب المزاج جلبته أسواق المال والأعمال إلى منصب رئيس أكبر دولة في العالم.
هل تعرف السعودية ما يخطط لها وبعد أن تَنفَسَ أعداؤها وأعداء الأمن القومي العربي هواءً جديدا بعد وصول بايدن إلى موقع الرئاسة في الولايات المتحدة؟ وما يتم الجهر بكثير من شعاراته التي تطلقها قوى معادية لها وللأمة العربية، مثل حزب الله اللبناني والمليشيات العميلة لإيران في العراق والحركة الحوثية على الحد الجنوبي للمملكة مما بات يمثل خطراً داهماً على الأمن الوطني السعودي والأمن القومي العربي، وهل تعرف السعودية أن بعض الصواريخ التي استهدفت منشآتها الحيوية انطلقت من مناطق كانت حتى الأمس القريب مقفلة للعرب السُنّة في العراق مثل مدينة جرف الصخر التي حولتها إيران إلى قاعدة مغلقة حتى أمام رئيس الوزراء ووزير الداخلية؟ وهل تعرف السعودية أن ما حصل لجرف الصخر ليس عملاً مقطوعا عن سياقات مرسومة في مكاتب قيادة الحرس الثوري وفيلق القدس؟ وهل تعرف السعودية أن العراق يخضع لأبشع برنامج لتشييع سكانه منذ وصول الصفويين إلى الحكم في إيران مطلع القرن السادس عشر الميلادي؟ وهل تعرف السعودية كم من السنة قُتلوا أو هُجروا من مدنهم أو أرغموا على الهجرة إلى خارج العراق، ولم تقدم لهم السعودية جزءً يسيرا مما كانت تقدمه لما يسمى بالمعارضة بعد 1991 وفتحت لها المعسكرات وقدمت لها التسهيلات وتحولت إلى وزير خارجية لهم أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والعالم بأسره، إنهم بالملايين وعلى السعودية أن تعي أن حدودها الشمالية قد تحولت إلى قواعد للطائرات المسيرة والصواريخ البالستية الموجهة للرياض ومكة المكرمة، وهنا لا يسعني إلا أن استعيد مثلا عربيا يقول “إذا حلق جارك لحيته فبلل لحيتك.
2 – أما الشيعة في إيران أو الشيعة العرب المرتبطون بولاية الفقيه، والذين يقيمون في أمريكا وأوربا، فلو قدمت لهم السعودية كل أموالها فلن يرضوا عنها بل سيبقون يناصبونها العداء، لأن الأمر عقائدي يرتبط بالموروث التاريخي عن “الوهابية التكفيرية” والدعوات المرفوعة علنا، بأن هدفهم ليس بغداد ودمشق وصنعاء وإنما مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما يرتبط بالاتهامات الباطلة عن دور السعودية في قتل الشيعة في العراق بعد احتلال عام 2003، وربطه مع دعاوى الهجمات التي حصلت مطلع القرن العشرين على المراقد في كربلاء والنجف والتي ألصقت بالوهابيين، فمن يقف وراء التشيع الموالي لإيران بارع في توظيف الأسطورة الدينية على نحو تراجيدي ومن ثم يتم ربطها مع مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وهل المطالبة الإيرانية بمقبرة البقيع بعيدة عن أذهان السعوديين؟ كل هذا من أجل إبقاء جذوة الكراهية مستعرة وفاصلة بين أبناء الدين الواحد، كلما خبت ألقى إليها الإيرانيون وعملاؤهم المزيد من الوقود كي لا تنطفئ أبداً، إن إيران ومهما طرحت من شعارات ناعمة أو ارتدت من قفازات حريرية، فلن تغفر للسعودية أنها هي التي تحول بينهم وبين التمدد إلى بلاد الحرمين الشريفين، ومهما قدمت من مساعدات لإيران وأتباعها منذ 1991 وحتى 2003، فهم يظنون أنهم خدعوها الخدعة الكبرى.
ومن عدم إدراك السعودية لحقيقة ما يخطط لها، أطلقت لحسن ظنها العنان فبدأت بخطوات تحت باب “إعادة العراق إلى الحضن العربي”، فأقدمت على خطوة أقل ما يصلح من وصف أنها خطوة بلهاء، عندما فتحت معبر عرعر مع العراق كخطوة أولى لفتح معابر أخرى، وكأن السعودية لا تدري أنها تدعم الاقتصاد الإيراني عبر إعادة تصدير السلع والمنتجات والمحاصيل الإيرانية التي أغرقت السوق العراقية، وقد أعلن قادة المليشيات الموالية لإيران عن امتعاضهم الشديد من هذه الخطوة، في حركة استعراضية تخفي تحمسهم للاستيلاء على مداخيل المعابر من جهة ولأنها باب واسع لإعادة تصدير البضائع الإيرانية إلى السعودية ومنها إلى أقطار الخليج العربي.
إن السعودية ليست مضطرة لتقديم تنازلات للولايات المتحدة في هذا الظرف الذي تسخّر إدارة بايدن أكثر من ملف للضغط على قيادتها مثل ملف حقوق الإنسان أو ملف مقتل جمال خاشقجي، وكأن الولايات لم ترتكب جريمة واحدة ضد حقوق الإنسان، ولندع جرائمها ضد الهنود الحمر والزنوج في أمريكا نفسها، ولندع جريمتها بقصف هيروشيما وناكازاكي بالقنبلتين النوويتين، وجرائمها في كوريا وفيتنام، فربما باتت أحداثا قديمة، ولنأخذ سجن غوانتنامو وأبي غريب، فهل من يرتكب تلك الفظائع يمكن أن يكون حريصا على حقوق الإنسان أم هي تجارة رخيصة لابتزاز العرب وتبرير الوقوف ضدهم؟ ولكنها إذا ما أحسنت إدارة كل عناصر القوة المتاحة لها فسوف تجد أقوى دول العالم تأتي إليها طالبة ودها.
منطقتنا تعيش في عنق الزجاجة، وما لم تبذل جهود واقعية فإنها قد تنحدر إلى هاوية سحيقة لا خروج منها إلا بمعجزة وهذا الزمن ليس زمن المعجزات، أرى أن الحل يكمن في البحث عن تحالفات صغيرة العدد كبيرة التأثير، وقد برهنت تركيا ومنذ أكثر من عقد أنها قوة قادرة على رسم سياستها الخاصة تبعا لمصلحتها الوطنية واليوم أصبحت رقما مهما في المنطقة، علينا أن نهمل الخيارات السياسية الداخلية فذلك شأن لا يعنينا وبالإمكان لجم جماعة الإخوان المسلمين في بلادنا وأخذ تعهدات مقابل ضمان المصالح على قدم المساواة، أنا انطلق من المصلحة القومية بالدرجة الأولى، ولا تعنيني مصالح الدول الأخرى إلا بقدر ما ينعكس على الأمن القومي العربي إيجابا.

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى