ما ان انتهت مسرحية ما تسمى بالانتخابات للنظام الايراني ، و ذلك بعد ان حاول بشتى الطرق ان يقدم صورة طبيعية مماثلة و قريبة من كيفية المشاهد التي من العادة تعرض في معظم دول الأرض و التي تتمتع بالاستقرار السياسي ، ولو كان نسبيا بشكله المتفاوت ، حيث لا مكان للمحسوبية و ظاهرة التنصيب ، في انتخاب معين لأشخاص معينين يميلون الى السلطة الحاكمة ، و ايضا لا وجود لأي نوع من أنواع التزوير مهما كان سهوا ، و ما ان تم الإعلان عن نتائج الانتخابات المزعومة ، حتى تعالت أصوات العمال المقهورين في عشرات المدن و في العديد من كبريات القطاعات الاقتصادية و الحيوية و فروعها المتنوعة ، مطالبين بحقوقهم ، منها على سبيل المثال ، رفع مستوى سقف الأجور و صرف المستحقات المتأخرة و التقليل من ساعات العمل اليومية و إعطاء إجازات العطل عن العمل ، رفع التمييز في سلم الدرجات الوظيفية ، و مطالبات أخرى .
في الآونة الاخيرة ، إزدادت وتيرة التجمعات في شتى المفاصل الاقتصادية و المجتمعية ، كل فئة على حدى ، كالمزارعين ، الصيادين ، المتقاعدين و المغبونين الذين وقعوا في فخ عمليات النصب و الإختلاسات من جهات مقربة من النظام الحاكم ، ناهيك عن بدأ إضراب سائقو الشاحنات في عدد من المدن ، و إعلان تجار الأسواق و أصحاب المحلات التجارية عن نيتهم القيام بالإضراب العام و هناك من المحتمل ان تشهد الأيام القادمة القريبة المزيد من الإحتجاجات و التجمعات الشعبية ، اللذين وصلت بهم نتائج الأوضاع الجائرة و المأساوية في البلاد الى حالة الفقر و الحرمان و الجوع المدقع ، طالما يعيشون في ظروف صعبة لا تطاق و غير ملائمة بكل معنى الكلمة و لاسيما انعدام العدالة و عدم حصولهم على أي نوع من الردود المرضية من قبل المسؤولين الحكوميين ، تلبي حاجاتهم الضرورية و تعالج مشاكلهم في الحياة العملية و اليومية و التي عانوا منها خلال الأعوام المنصرمة و مازالوا لليوم لم يروا أي بوادر حقيقية ، تعمل بجد و لتخرجهم من الوضع الغير الطبيعي العام المتحكم بهم و تغيّر أوضاعهم الكلية .
اذا أردنا ان نشير الى الأسباب و النتائج التي أدت الى
هذا الوضع المتردي الذي أخذ يوم عن يوم يتوسع و
يأتي بظلاله على جميع الناس دون تمييز ، فإنها عديدة و لا مجال هنا للتطرق اليها و نكتفي ببعضها هنا .
لا نريد ان نأتي بموضوع النووي و الصواريخ و العقوبات الدولية و غير ذلك و نحاول ان نتطرق الى أصل العلل و الإشكاليات المخلة و من البداية ، التي بدورها تسببت بهذا الوضع القائم . أثناء رئاسة و سلطة حكومة رفسنجاني ، بدأت المراحل الأولى لمشاريع الخصحصة في كل المجالات و الميادين الاقتصادية ، و التي و بعد ان أخذت دورها العملي ، و شملت أغلبيتها العظمى في كل ما يتعلق بعجلة الاقتصاد الكلي و أثرت عليها بشكل مباشر ، حيث أخذت الأمور شيئا فشيئا بالتدهور و الخروج من سيطرة الدولة و هذا الأمر يرجع الى عدم وجود الإرادة الحقيقية من قبل النظام ككل حتى يوظف كل الطاقات البشرية و الموارد الاقتصادية لتقوية و دعم التنمية الشاملة بكل اشكالها في البلاد و بالتالي تحافظ على سيرها و لتوفر حياة كريمة لكل أبناء الشعوب .
لكن بعد تنفيذ هذه السياسة ، لنسميها هنا ” السياسة الإقطاعية أو الإحتكارية بأبشع صورها ” ، و التي ظهرت للعيان آنذاك و دون أي حدود تذكر ، و ما تم اتخاذه في العقود الماضية من سياسات الخصخصة ، كانت هي عبارة عن سلوكيات و ممارسات و تفاهمات فردية أو مجموعات معينة وازنة ، تعمل تحت مظلة النظام و باسمه ، فأغلبيتهم كانوا و مازالوا من ساسة النظام من طراز الصف الأول ، الأمر الذي فتح أمامهم كل الميادين ليعملوا ما يشاؤون و حسب أهوائهم و ليستولوا على ثروات البلاد ، بعد استغلالهم قوت الشعوب و ليتقاسموا ثرواتهم على كانتوناتهم الخاصة . بدأ الخلل يستشري في أدق و أصغر زوايا من شرايين الأعمال التجارية و الاقتصادية و الإنتاجية في داخل البلاد و خارجه ، الى ان وصلت الأمور في السنوات القليلة الماضية و اليوم ، الى ذروتها و بعد ان تزايدت الأزمات الاقتصادية ، لتخرج للعيان قضايا الإختلاسات النجومية بمبالغ هائلة و برزت قوائم بعض هؤلاء المشاركين في هذا الوسط ، نقول البعض ، لأن أصحاب الرؤوس الكبيرة ، قدموا كل واحد من هؤلاء المتهمين الصغار ، ليكون كبش الفداء أمام الرأي العام الداخلي و بالتالي يحرف الأذهان عن الحقائق الرئيسة ، هذا و بينما غالبية الناس يعلموا بأسرار القضايا .
هذه السياسة الاقتصادية المجحفة و المدمرة لكل المفاصل الاقتصادية ، العامة و الخاصة ، التي كانت و مازالت تطعن بحقوق الطبقة العاملة أولا و من ثم كل الموظفين في كل الدوائر و الشركات و المصانع و الورش الانتاجية الحكومية ، و التي هي بدورها المعلوم مسبقا ، قلبت كفة العلاقات بين العمال و المدراء القدامى و الجدد ، بصورة غير متكافئة و بشكلها البشع أو الى ما يشبه الصراع بين القوي المتمكن المدعوم بشكل مباشر من قبل الطغمة الحاكمة ، و بين العامل الضعيف الذي لا حول له الا زملائه في العمل ، الذين وضعهم العام يشابه وضعه المزري نفسه ، يشاركونه انتقاداته و اعتراضاته و إضرابه عن العمل ، على ما يعيشونه من قهر و ظلم و طبعا ايضا يشاركونه الفصل من العمل و من ثم المساءلة اللاقانونية و التعرض الى الاعتقال التعسفي و السجن و حتى الإعدامات .
فأحدى النتائج الظالمة و الغير انسانية ، في التعامل مع العامل المعترض على ما يجري في محيط عمله ، على سبيل المثال ، هو التهديد و الوعيد ، تعليقه عن العمل ، أو فصله من العمل ، بدون أي مبرر قانوني .
من ناحية أخرى ، اتخاذ قرارات خاطئة ما تخص الأمور الاقتصادية ، من قبل مسؤولين النظام ، التي لم تصب يوما في مصلحة البلاد ، لا من قريب و لا من بعيد و دون تمييز و التي بدورها زادت من عمق الهوة بين الطبقة المسيطرة على الحكم و بين كل الطبقات المجتمعية و خاصة الطبقة الأكثر ضعفا و هي طبقة الكادحين و التي وجهت اليها و بعد انتصار ثورة الشعوب ، مباشرة ، سيل الاتهامات و الإفتراءات بكل عناوينها ، للنيل منهم بإسكات أصواتهم و كسر إرادتهم و حشرهم في زاوية و وضعهم تحت مجاهر المخبرين و العملاء التابعين للأجهزة الأمنية .
من يشاركون في الإضرابات العمالية ، لديهم الخبرة المطلوبة و الرؤية الكافية التي تساعدهم في الأيام القادمة على تجاوز كل العراقيل و باستطاعتهم الوقوف و مواجهة كل أنواع التحديات بشتى الطرق المتاحة ، تتوافر أمامهم الآن الفرصة التاريخية الذهبية و هي ان يردوا على كل تلك السياسات اللاإنسانية بحقهم و هي ( لوي الأذرع للفئة أو الطبقة الأكثر ضعفا في سلم القطاعات الاقتصادية ) ، بالأساليب التي هم يرونها قابلة للتنفيذ و بنفس الوقت تكون مناسبة ، حتى ان يصلوا الى أهدافهم النبيلة و يحققوا ما يصبوا اليه و استرداد حقوقهم المسلوبة . فهذا يتطلب توحيد المواقف و الإصرار و الثبات على مواقفهم المبدئية و عدم التراجع عن كل المطالبات ، دون أي استثناء .
المراقب و المتابع يتسائلون ، يا ترى رغم كل هذه التضحيات عبر عشرات السنين من قبل العمال و زملائهم في مختلف المجالات و تحملهم ظروف العمل و الحياة اليومية القاسية و النقص و الحرمان خلال مسيرة عملهم الدؤوب و صرف طاقاتهم الجسدية و الفكرية و الخ ، و بوجود هذا الكم الكبير من الثروات الهائلة في البلاد ، فما هو السر الكامن خلف الستار ، حتى يتم التعامل مع هذه الفئة المضحّية و مثلهم المعلمين و الكوادر الطبية و المتقاعدين و الفلاحين و الحرفيين و عمال البلدية و الكادحين في المجالات الأخرى ، بهذا الشكل الغير لائق و التعامل الغير أخلاقي و غير إنساني معهم و كأنهم قد تم شراءهم من أحد أسواق الرقيق من زمن العبودية ، مقابل ثمن زهيد .
447