عندما نستعرض ما آلت إليه أوضاع العراق بعد 16 عاما على غزوه واحتلاله فإننا نتوقف عند تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وصف قرار الحرب على العراق بأنه أسوأ قرار اتخذته الإدارة الأميركية في عهد بوش الابن، ولم يقتصر الأمر على ما ذهب إليه ترامب، وإنما نذكر بما كشفه رئيس الاستخبارات الأميركية جورج تنت ومن بعده وزير الخارجية الأميركي كولن بأول ورئيس الطاقة الذرية الدولية محمد البرادعي الذين أكدوا أن تبريرات شن الحرب على العراق بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل ليس لها دليل وغير صحيحة وتفتقر إلى المصداقية.
ومهما كانت المبررات التي كانت تسوق للغزو الأميركي ومشروعه بالعراق فإن الثابت وطبقا لتجربة السنوات الماضية فإنهما لم يحققا أهدافهما، وفشلت فشلا ذريعا، وهذه الحقيقة باتت واضحة للعيان.
إن المشروع الأميركي لم يجلب للعراق الاستقرار والأمن، ولم يحوله إلى واحة للديمقراطية والحرية ـ كما ادعى صقور الحرب الأميركية في ذلك الحين.
وبفعل المشروع الأميركي دخل العراق في دوامة الفوضى وعدم الاستقرار، وحوله إلى بلد تتقاذفه الخلافات السياسية والمصالح الحزبية بين رموز الطبقة السياسية التي تولت إدارة شؤون العراق من دون أن تقدم أي حلول للكوارث التي خلفها الاحتلال. واستندت الاستراتيجية الأميركية في التعاطي مع قضايا المنطقة وفي مقدمتها أمن الخليج العربي ومواجهة الطموحات الإيرانية النووية إلى أمن إسرائيل.
وانعدام الرؤية والتخبط الأميركي لما بعد الغزو يعكس المأزق الأميركي في العراق، وفشل المشروع الذي جاء به الاحتلال والذي جوبه برفض قطاعات كبيرة من العراقيين لأهداف ومبررات الاحتلال هي من دفع وأجبر الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في وجود قواتها في العراق.
ويقينا أن قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما على سحب جنوده نهاية عام 2011 شكل انعطافة كبيرة في الرؤية الأميركية التي أيقنت أن العراقيين يرفضون وجود أي قوات أجنبية في بلادهم. وسواء كان الانسحاب استنادا إلى توقيتات الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة أم طبقا لقرار الرئيس الأميركي فإنه بالأحوال كافة انسحاب يعكس فشل المشروع الأميركي في العراق.
لقد ذاق العراقيون مرارة ما جرى بعد 2003 وفقدوا الأمن، وبددت أموالهم حتى وصلوا إلى أعتاب الاحتراب الداخلي، وأصبحوا وبعد مرور هذه السنوات أمام واقع مرير يحتاج لعقود لإصلاحه من فرط ما أصاب روابط العيش المشرك بين مكوناته من تداعيات طائفية خطيرة.
إن الواقع المعاش في ظل هذه التحديات التي تواجه العراق تحول إلى كابوس ينغص حياة العراقيين جراء فشل وإخفاق الطبقة السياسية التي تدير شؤون العراق التي بقيت أسيرة التخندق الطائفي، وتحتمي خلفه وتعيق وتعرقل، بل وتقف ضد أي محاولة حقيقية وجادة للتغيير المنشود الذي قد يضع العراق على السكة.
لقد وجدت الطبقة السياسية في نظام المحاصصة الطائفية واشتراطاته ساترا مانعا لأي جهد وطني ينقل العراق من حال الفوضى والضياع إلى حال الاستقرار والأمن المنشود.
من هنا تكمن أهمية إسقاط هذا اللغم الذي زرعه الاحتلال في الحياة السياسية العراقية ليمنع أي محاولة لرفعه من طريق الإصلاح والتغيير المنشودين.

1٬949