بهذه العبارة العميقة والمتسامحة العابرة للثأر والكراهية والاقصاء أنهى القيادي في قوى الحرية والتغيير محمد ناجي الاصم احتفالية توقيع الاتفاق التاريخي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير فاتحا عهدا جديدا ومرحلة حساسة في تاريخ السودان عنوانها التسامح والعدل وإرساء قاعدة السلم الأهلي لبناء الوطن بمشاركة الجميع من دون إقصاء أي مكون.
وقوى الحرية والتغيير ارادت من خلال تعاطيها مع تركة النظام السابق وانصاره ممن لم يرتكبوا جرما مشهودا وموثقا العمل مع قوى الثورة لبناء الوطن وطي صفحة الماضي وتعويضه عن سنوات القهر والظلم والاستحواذ بالسلطة.
والرسائل التي وجهتها قوى الحرية والتغيير للسودانيين والعالم اجمع كانت عميقة وواضحة المعالم والاهداف تعكس التصميم على مواصلة المسير مع المجلس العسكري لتحقيق العدالة ومحاربة الفساد وتكريس سلطة القانون في الحياة السياسية كأولوية لمرحلة واعدة تنقل السودان إلى حال الاستقرار السياسي.
وعندما نتوقف ونحلل عمق ودلالات شعار “لن نفعل ما فعلتم بنا” الذي أطلقته قوى الحرية والتغيير في لحظة تاريخية فاصلة نستطيع القول انه جسد حكمة المنتصر الذي يتطلع إلى المستقبل بإرادة الفارس لكبح جماح أي محاولة للثأر والانتقام قد تعرقل تحقيق السلم الأهلي وتأخذ السودان مرة أخرى إلى المكان الذي كان يتخبط طيلة العقود الثلاثة الماضية.
من هنا تكمن أهمية روح المسؤولية التي انتصرت واخرجت الاتفاق التاريخي بين طرفين توحدا في بودقة واحدة جسدت إرادة السودانيين في التغيير المنشود.
والسودان الذي بدأ مرحلة الألف ميل باتفاق تاريخي فان قياداته التاريخية مصممة على تجاوز مخلفات الماضي وفتح صفحة جديدة لبناء المستقبل بإرادة لاتلين متحررة من ارهاصات الماضي وتداعياته قابلها أو سبقها تجربة قاسية ومريرة عاشها العراق وأخذته إلى مربع التخبط السياسي والثأر والانتقام والاقصاء بعد غزوه واحتلاله مافتح شهية الطبقة السياسية التي أنتجها مشروع الاحتلال التي مارست اقسى حالات الاقصاء والتهميش والاعتقال والقتل على الهوية مازالت تداعياتها متواصلة رغم مرور16 عاما على غزو العراق واحتلاله.
والطبقة السياسية التي تحكم العراق سبقت السلطة الجديدة في السودان بتطبيق شعار “لن نفعل ما فعلتم بنا” ولكن بطريقة مقلوبة ومغايرة للواقع وافرغته من محتواه الإنساني عندما سلطت سيف القصاص والعزل السياسي والانتقام على رقاب ملايين العراقيين إلى حد تشريع قوانين تعمق حال الانقسام الطائفي والعزل السياسي ما أدى إلى فتح أبواب الجحيم على بلد كان مستقرا وآمنا وغير منقوص السيادة وامواله منهوبة وسندا لامته.
وشعار”لن نفعل ما فعلتم بنا” بقدر ما سيجنب السودان من كوارث ونكبات وازمات مرت على العراق فانه بالتأكيد سيحصنه من ارتدادات التجربة العراقية التي مازالت أسيرة الماضي وتبعاته.
لقد أدت سياسة الثأر والانتقام والملاحقة ومصادرة الحقوق والاعتقال الكيفي والقتل والتهجير إلى بقاء العراق اسير هذه القوانين الانتقامية والاجتثاثية بفعل مقصها الطائفي الذي أتى على رقاب ملايين العراقيين وابعدهم عن المشهد السياسي، وقبل ذلك عن نيل حقوقهم المشروعة الأمر الذي ابقى العراق فقيرا ومتداعيا وغير قادر على الخروج من المأزق الذي يتخبط به وهي نتيجة حتمية لقوانين الاجتثاث والعزل السياسي.
ويقينا ان شعار “لن نفعل ما فعلتم بنا” الذي سيكرسه ثوار السودان في الحياة السياسية كمخرج للحل لطي صفحة الماضي سيعزز محركات التسامح ومشاركة الجميع في عملية الإصلاح والبناء وحماية الوطن.
974