مؤشرات إعداد بيئة العمليات الأقليمية في اطار التدافع المتصاعد بين واشنطن و طهران على الساحة العراقية
(( ليست الأرض بمساحتها وشعبها منبع كل قوة عسكرية فحسب، بل إنها تشكل على الأقل مسرح العمليات أو تمارس عليه تأثيراً هاما)) كارل فون كلاوزفيتز
المقدمة
تشكل التحركات العسكرية الامريكية الاخيرة في منطقة الشرق الاوسط سعيا” امريكيا” لإعداد بيئة اقليمية ملائمة للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد خصوم الولايات المتحدة ومنافسيها في المنطقة لاسيما ايران وحلفائها في المنطقة .
فمنذ أن اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، في أواخر عام 2018 عن نيتيه بسحب القوات الامريكية من شمال شرق سوريا واعادة تموضعها في بعض القواعد والمعسكرات في شمال وغرب العراق ، كان المتغير الجيوسياسي الذي برز اثر قرار اعادة تموضع القوات الامريكية ، هو تمهيد الطريق أمام إيران لترسيخ نفوذها في المنطقة عبر ممر بري يربطها بالبحر المتوسط وهو الهدف الذي لطالما طمحت إليه طهران وتصدّت له واشنطن ، مما جعل الأمر يبدو وكأنه انتصار استراتيجي للتحالف الروسي – الايراني – التركي بشكل عام ، ولطهران بشكل خاص .
وهذا من شأنه أنه سيسمح لها بكسر المنطقة العازلة التي أرساها التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم داعش بين سوريا والعراق ومن ثم التموضع فيها. الامر الذي أدى الى خلل في توازن القوى العسكرية على ساحة العمليات القتالية في سوريا ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام ، ازاء نفوذ التحالف الروسي – الايراني – التركي .
بيئة العمليات القتالية
على الرغم من الوجود العسكري الضخم في منطقة الشرق الاوسط والموزع على قواعد عسكرية تمتد من تونس غربا إلى سلطنة عمان شرقا، مرورا بالدول المشهورة بالقواعد العسكرية الضخمة من تركيا والأردن شمالا إلى “العديد” في قطر حتى جيبوتي والصومال جنوبا ، فضلا عن بلدان تمنح تسهيلات ما بين المغرب غربا وحتى العراق شرقا مرورا بدول مثل مصر وإسرائيل. الا أنه بعد دخول الموقف العسكري في سوريا مراحلة التسويات السياسية وتقاسم النفوذ ، يبدو أنه بات واضحا” أن الولايات المتحدة تسعى لإعداد بيئة قتالية ملائمة جديدة لفرض نفوذها في المنطقة والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية لاسيما في العراق ومنطقة الخليج العربي الى جانب اسبقياتها في الحفاض على أمن (اسرائيل) .
الأمر الذي يعكس حقيقة إن ظروف الحرب الحديثة والتطور التكنلوجي في منظومات الاسلحة ومعدات الرصد والاستطلاع ، جعل من الضروري اعادة النظر بمفهوم اعداد ساحة العمليات الذي كان يتطلب الاحتفاظ بصورة مستمرة بحجم معين من القوات المسلحة، على درجة استعداد عالية موزعة في مناطق قريبة من مناطق الاهتمام لتأمين بيئة عمليات قتالية ملائمة ، والانتقال الى مفهوم أوسع وأشمل هو (اعداد بيئة العمليات ) .
وهذا يعني ان اعداد بيئة العمليات على المستوى الاستراتيجي (السّوقي) سيشمل كافة الإجراءات الخاصة بإعداد المجتمع والرأي العام المحلي والدولي(الاعلام) والظروف الاقتصادية في منطقة العمليات الى جانب تنقل وتحشد القوات القادرة على إدارة العمليات الاستراتيجية طبقا لفكرة الاستخدام الاستراتيجي (السّوقي) للقوات المسلحة .
أن الاعداد المسبق لبيئة عمليات قتالية ملائمة ، يستهدف بالدرجة الاولى تهيئة الظروف المناسبة بسرعة وسرية لانفتاح القوات على الاتجاهات المختلفة. الى جانب توفير أنسب الظروف للاستخدام المؤثر لجميع الأسلحة والمعدات. واتباع أنسب أسلوب قتالي مع تحقيق الخداع والتمويه والاختفاء ووقاية القوات وإعاقة أعمال العدو .
العراق و بيئة العمليات القتالية
لم يعد خافيا” أن العراق يعتبر ساحة الاهتمام الاستراتيجية الاولى بالنسبة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط في الوقت الراهن ، وما التحركات العسكرية الامريكية على ارضه ، الا في اطار ترسيخ نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط .
وما أعلنه الرئيس الامريكي دونالد ترامب عند زيارته قاعدة عين الاسد العراقية في ديسمبر كانون الاول 2018 ، يعكس ذلك الاهتمام، وحرصه على بقاء الوجود العسكري والدبلوماسي والاقتصادي الامريكي في العراق .
أكد الرئيس الامريكي ترامب، ان “الولايات المتحدة مستمرة في التزاماتها بمحاربة داعش والإرهاب في العراق”. وأن الأراضي العراقية ستتحول إلى ساحة لمراقبة الوضع في سوريا وايران من قبل الجيش الأميركي.
باشرت القوات الامريكية في العراق في ذات الوقت بإجراء تعديلات جوهرية على البنية التحتية لعدد من قواعدها في العراق بشكل يحقق متطلباتها الحالية، ويضمن لهم البقاء على الأمد البعيد. ومن أهم القواعد الأمريكية بالعراق، “قاعدة بلد” وهي الأكبر والأهم حيث تحتوي على منشآت عسكرية متعددة، بالإضافة إلى مدرج طائرات، وفي داخل حدود “مطار بغداد الدولي” توجد “قاعدة فكتوري” التي تستخدم للقيادة والتحكم والتحقيقات والمعلومات الاستخبارية، وأخيرا، ثمة “قاعدة عين الأسد” في منطقة القادسية، غرب الأنبار، وهي بمثابة معسكر محصن لانطلاق العمليات الخاصة، وأخيرا هناك “قاعدة التقدم” في منطقة الحبانية، وهي قاعدة نموذجية، فيها معسكرات ومنامات ومواقع للخزن وللطائرات المروحية ومدارس للتعليم الأمني ومقرات للتحكم والسيطرة بالإضافة الى قاعدة أمريكية مهمة أخرى هي قاعدة ” حرير ” في اقليم كردستان .
تعزيزات وتحالفات
استثمرت الولايات المتحدة ظروف التوتر المتصاعد بينها وبين ايران بعد خروجها من اتفاقية (5+1) الخاصة بالملف النووي الايراني ، لتعزيز تواجدها العسكري في منطقة الشرق الاوسط كأسلوب غير مباشر لإعادة انفتاح قواتها القتالية باتجاه الشرق لتأمين بيئة عمليات قتالية ملائمة ، بالرغم أن تعداد القوات الأمريكية في المنطقة يتراوح ما بين 60 إلى 70 ألفا من العسكريين، إلا أن هذا العدد مرشح للزيادة بصورة كبيرة.
أعد جون بولتون كمستشار للأمن القومي في البيت الأبيض،مستشار الامن السابق، خطة لنشر 120 ألف جندي في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة أي تصعيد إيراني. وهي الخطة التي طلب فيها الرئيس الأمريكي عددا مماثلا للعدد الذي استخدم لغزو العراق، لكنه لم يتحدث عن غزو للتراب الإيراني.
أعلن البنتاغون منتصف مايو2019 عن أرسال سفينة حربية إلى مياه الخليج العربي محمّلة بآليات، ولا سيّما مركبات برمائية، وبطارية صواريخ “باتريوت”، لتنضاف إلى مجموعة بحرية ضاربة، على رأسها حاملة طائرات، كانت الولايات المتحدة أرسلتها إلى المنطقة للتصدّي لخطر هجمات إيرانية “وشيكة”.
أعلنت الولايات المتحدة خلال شهر مايو 2019 نشر 1500 جندي إضافي في الشرق الأوسط، مشيرة إلى “تهديدات مستمرة” من طهران ضدّ القوات الأميركية. في وقت أشار فيه الأدميرال الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس إلى أن إيران تمتلك إمكانيات قوية للغاية في الحرب غير المتماثلة، فهناك الهجمات السيبرانية، وأساليب الزوارق الصغيرة، والغواصات التي تعمل بالديزل، وصواريخ كروز سطح- سطح. ولديهم خبرة في استخدام كل ذلك في ظروف الشرق الأوسط الصعبة.
الأمر الذي يفسر سعي واشنطن في حزيران 2019 ، للشروع بتعزيز قواتها في الشرق الأوسط بنحو ألف جندي آخر، ودعت العالم إلى عدم الخضوع إلى ما أسمته “الابتزاز النووي الإيراني”، كما نشرت صورا جديدة تدعي أنها تدين إيران في استهداف ناقلتي نفط في خليج عمان في الشهر نفسه ، واحتجاز ايران سفينة ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز ، مما دفع الولايات المتحدة ، الى دعوة بريطانيا وفرنسا وألمانيا الى المشاركةَ في تحالف بحري لحماية الملاحة في مضيق هرمز ، الا أن دعوة واشنطن لهذا التحالف البحري جوبه باستجابة فاترة من الحلفاء الأوروبيين والآسيويين.
سارعت في ذات الوقت واشنطن الى تعزيز قدراتها الجوية في الشرق الاوسط بإرسال قاذفات من طراز بي-52 اتش ستراتوفورتيس (B-52H Strat fortress) إلى قاعدة العديد الجوية في قطر ، قادمة من قاعدة باركسديل الجوية في ولاية لويزيانا الأميركية. كما عززت واشنطن وجودها البحري بإرسال مجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن” إلى الخليج لمواجهة طهران.
المواجهة مع الحشد الشعبي
خلال تعرض مقار ومخازن عتاد ومعسكرات الحشد الشعبي في العراق لسلسلة من الضربات والهجمات “الغامضة” فيفي 18 يوليو 2019، منها، قاعدة “معسكر الشهداء” بالقُرب من بلدة آمرلي لهجمات بطائرات موجهة، غير معلومة المصدر، لتنتهي في 3 يناير2020 باغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، والقائد في الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في قصف صاروخي أمريكي، استهدف موكبهما في مطار بغداد الدولي . بعد مهاجمة مؤيدون لفصائل مسلحة عراقية مدعومة من إيران السفارة الأمريكية في بغداد ، إثر هجوم جوي أمريكي على قاعدة لكتائب حزب الله العراقي ردا على هجوم صاروخي أدى إلى مقتل مواطن أمريكي شمالي العراق في وقت سابق.
اعتبر المسؤولون الإيرانيون مقتل سليماني من أعمال الحرب التي تتطلب “انتقاما شديدا” . ليصوَت البرلمان العراقي بعد ذلك ، على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد، ضمن تداعيات مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في اعقاب ذلك، سارع الى القول معقبا” على قرار البرلمان العراقي وهو على متن طائرة رئاسية، أثناء رحلة العودة إلى واشنطن من ولاية فلوريدا، يوم الخامس من يناير 2020، “إذا طلبوا منا المغادرة، إذا لم نفعل ذلك بطريقة ودية للغاية، سوف نفرض عليهم (العراق) عقوبات، لم يسبق لها مثيل من قبل”، مضيفًا “ستجعل العقوبات الإيرانية تبدو هينة بعض الشيء”.
وكان هناك تصعيد لافت من قبل فصائل مسلحة موالية لإيران، في اعقاب ذلك، بتنفيذ هجماتها بصواريخ الكاتيوشا ومدافع الهاون على القواعد العسكرية العراقية التي تضم جنودا لقوات التحالف الدولي ،تمثل بسقوط صواريخ قرب السفارة الامريكية الواقعة في المنطقة الخضراء و سقوط صاروخين على معسكر بسماية ، ليضاف إلى اثنين آخرين استهدفا قاعدة التاجي في العاصمة العراقية في أقل من أسبوع، قتل فيها متعاقد بريطاني وجنديين أمريكيين، وإصابة اثنا عشر آخرين.
واتهمت واشنطن كتائب “حزب الله” العراقي بالوقوف وراء الهجوم، وشنت غارات جوية على خمسة أهداف للكتائب جنوبي العراق، في وقت لاحق، ما أدى إلى مقتل خمسة من أفراد الأمن العراقيين فضلا عن مدني. واعرب عدد من قادة الحشد الشعبي، الذي يرتبط بعض قادته بعلاقات وثيقة مع إيران، عن اعتقادهم ، بأن القوات الأميركية تعمل على عزل الحشد الشعبي ، واضعاف دوره العسكري والسياسي في العراق تمهيدا” لإنهاء وجوده الميداني ، وهذا ما ورد على لسان عدد من المسؤولين الامريكان .
اعادة التموضع و الانفتاح القتالي
شرعت القوات الأمريكية بإعادة تموضعها في عدد من المعسكرات والقواعد في العراق منذ مطلع فبراير2020. ونقلت وسائل إعلام عراقية وعربية عن النائب في البرلمان العراقي علي الغانمي قوله إن القوات الأميركية بدأت الانسحاب فعليا من خمسة عشر قاعدة عسكرية، لافتا إلى أنها حصرت وجودها في قاعدتين: الأولى في أربيل بكردستان العراق، والثانية هي قاعدة عين الأسد في الأنبار (غربي البلاد).
وفي هذا السياق تناولت مصادر اعلامية نقلا عن لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي قولها إن فرنسا وألمانيا وأستراليا قدمت طلبا إلى قيادة العمليات المشتركة للجيش العراقي من أجل وضع جدول زمني لسحب قواتها من العراق، لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية اللواء تحسين الخفاجي ، قال أن “الانسحاب الأميركي سيكون بالتنسيق مع الحكومة العراقية” .
ويرى حامد المطلك، وهو عضو سابق بلجنة الأمن والدفاع في برلمان العراق أن “الولايات المتحدة عندما تجري بعض التغييرات لتواجدها في القواعد العسكرية بالعراق، فإنه لا يخرج عن نطاق إعادة التموضع والتحسب لجانب عملياتي لا أكثر.
قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير صادر لها في نهاية أذار 2020 إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أصدرت توجيها للتحضير لحملة عسكرية في العراق تهدف لتدمير مليشيا تدعمها إيران بعد أن هددت بشن ضربات ضد القوات الأميركية. ونقلت الصحيفة عن قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال روبرت وايت، تحذيره من أن خطوة كهذه قد تكون دموية وتسبب حربا مع إيران. وأضاف أن حملة كهذه ستحتاج إلى إرسال آلاف الجنود الأميركيين إلى العراق. وأوردت نيويورك تايمز أن وزير الخارجية مايك بومبيو وأعضاء بمجلس الأمن القومي أيدوا خطوات تصعيدية ضد إيران، في حين عبّر قادة في البنتاغون عن تحفظهم. وذكرت الصحيفة أن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أجاز التخطيط لهذه الحملة العسكرية لمنح الرئيس دونالد ترامب خيارات للرد على الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من طهران.
تداعيات وباء كرونا على بيئة العمليات
اضاف انتشار وباء كرونا بشكل سريع ومخيف في العالم بعدا” جديدا” وعنصرا” لم يكن في الحسبان على بيئة العمليات القتالية في الشرق الاوسط انعكس سريعا” على عمليات اعادة الانفتاح القتالي للقوات الامريكية في الشرق الاوسط عامة والعراق خاصة .. ويشير الباحث M. Norheim-Martinsen إلى أن البيئة التي تتم فيها العمليات العسكرية الدولية في الخارج باتت تتغير بشكل مستمر، وذلك على عدة مستويات مختلفة، أهمها أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في المدن، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على العمليات العسكرية بشكل كبير.
إن ثمة معضلة متعلقة بإمكانية إجراء عمليات عسكرية غير مكلفة مادياً، وفي نفس الوقت تحقق المطلوب منها بنجاح. ومما لا شك فيه أن صعود قوى دولية جديدة – من بينها الصين والهند والبرازيل – سوف يكون له تأثير كبير على العمليات العسكرية بشكل عام.
ويقول مسؤولون أمريكيون أن عملية اعادة تموضع واخلاء قوات التحالف لعدد من قواعدها في العراق، إنها تأتي على خلفية انتشار وباء “كورونا” في العراق والعالم، وإعادة نشر القوات في أقل عدد من القواعد، لتأمين حمايتها من هجمات “محتملة” من القوات الحليفة لإيران.
وهذا بالتأكيد سوف ينعكس بشكل كبير على أي عمليات عسكرية مستقبلية ، المر الذي لا يعني الحديث عن إطار زمني محدد لأن كل عامل مؤثر على تطور العمليات العسكرية له إطاره الخاص به زمنياً.
نقلت قوات التحالف في 19 مارس2020 المسؤولية عن قاعدة عسكرية أقامتها بمنطقة القائم على الحدود مع سوريا عام 2018، إلى القوات الأمنية العراقية، كما سلمت هذه القوات موقعها في القصور الرئاسية بالموصل، في 4 أبريل2020 ، بعد أن سلمت رسميًا قاعدة القيارة الجوية (60 كم جنوب الموصل)، في 26 مارس2020 ، وقاعدة “K1” بمحافظة كركوك (شمال)، في 29 مارس2020 ، وقاعدة التقدم في الحبانية يوم 4ابريل 2020 . ومن الجدير بالذكر أن عديد القوات الاجنبية في العراق، قبل مغادرة المئات منهم بسبب وباء “كورونا”، نحو 8000 جندي أجنبي، بينهم 5200 أمريكي، وفق أرقام رسمية، بينما تقول مصادر (غير رسمية) إن العدد الحقيقي يتجاوز 16000 جندي.
ويدعي قادة عسكريون امريكان أن عملية إعادة نشر القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي، تهدف في جزء منها، إلى منع التهديدات التي تشكلها القوات الحليفة لإيران، والتي صعّدت من وتيرة هجماتها منذ نهاية أكتوبر2019 . ويرى مراقبون أن إعادة انتشار قوات التحالف الدولي في ثلاث قواعد رئيسية بالعراق من شأنه أن يعطي مساحة أكبر للقوات الحليفة لإيران لشن هجمات أكثر عنفًا على تلك القواعد، في سياق التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة وإيران، واتخاذ الأراضي العراقية ساحة لتصفية حساباتهما.
سيناريوهات بيئة العمليات الامريكية
يرى الدكتور إيريك بوردنكيرشر الباحث في “مركز تنمية الشرق الأوسط” التابع لجامعة لوس أنجلوس كاليفورنيا. أن الرد الامريكي المحتمل على التطورات التي جرت في الآونة الأخيرة في العراق يمكن أن يكون من خلال ثلاث سيناريوهات لبيئة العمليات التي ستسعى الى اعدادها الولايات المتحدة الامريكية ، وهي كما يلي :.
البقاء في العراق وإصلاح العلاقات: وتبرر الولايات المتحدة هذا الرد بالاستناد إلى الكم الكبير من رأس المال البشري والموارد التي استثمرتها في العراق، فضلًا عن دور العراق المستقبلي في التصدي لعودة “داعش” واحتواء إيران. غير أن إصلاح العلاقات يتطلب شريكًا عراقيًا شرعيًا ( مقترح واشنطن اجراء حوار استراتيجي مع حكومة العراق للتوصل الى تفاهم متبادل في رسالة سلمت الى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في8 ابريل 2020 “..
نهاية الوجود العسكري الأمريكي في العراق: ويمكن أن يتجلى بوعد إدارة ترامب في خفض عدد القوات في الخارج وتجنّب الخوض في المزيد من الصراعات في الشرق الأوسط في حال استمرار العنف ضدّ أهداف أمريكية. غير أنه من شأن انسحاب الولايات المتحدة أن يمدّ إيران ووكلائها بالجرأة ويشكك بالعزم الأمريكي على الصعيدين الإقليمي والدولي ويسفر على الأرجح عن عودة داعش .
تخفيض التواجد العسكري الامريكي في بغداد من دون الانسحاب من العراق : وذلك من خلال تعزيز الوجود العسكري في كردستان العراق وهو ما سيسمح للولايات المتحدة بالحفاظ ظاهريًا على التزامها بـ “التحالف العالمي لهزيمة تنظيم داعش كما سيخوّل تواجد عسكري متزايد في كردستان الولايات المتحدة ممارسة ضغوط قصوى على الحكومة الإيرانية والفصائل المسلحة الموالية لها في العراق ، كما سيمكن هذا التمركز (اعادة التموضع أو الانفتاح القتالي )، الولايات المتحدة أيضًا من تجنب أي من التداعيات المحتملة الناتجة عن التقسيم المستقبلي المحتمل للعراق ، نظرًا إلى أنه من المستحيل معرفة إلى أين ستؤدي الاحتجاجات المستمرة والهجمات المضادة في بغداد وغيرها من المدن الكبرى، لا يجب استبعاد أن تتطور لتتحول إلى حرب أهلية بسبب العنف المتجلي أساسًا.
تحليل ختامي
في ختام هذا البحث والعرض المركز للمتغيرات الجارية في بيئة العمليات القتالية في الشرق الاوسط عامة والساحة العراقية خاصة ، فانه بات من الواضح أن سياقات التدخل العسكري في النزاعات والصراعات المسلحة في منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة والعراق بصورة خاصة ، قد تطورت بشكل سريع، وذلك بالتزامن مع الرغبة في تخفيض تكلفة العمليات العسكرية وتنفيذها بنجاح أكبر .
في وقت يبدو فيه أن الدولة لم تعد هي الفاعل الوحيد في ظل وجود فاعلين مسلحين خارج اطر الدولة الرسمية والشرعية ، قادرين على إلحاق خسائر عسكرية بالقوات المسلحة للدولة واجهزتها الامنية ، الامر الذي فرض حدوث متغيُّرات عديدة في طبيعة العمليات العسكرية والفاعلين فيها؛.
الى جانب ذلك وجود متغيرات كثيرة أدّت إلى تطور العمليات العسكرية، سواءً من حيث التسلُّح أو مسرح العمليات و التركيبة السكانية، والتطورات التكنولوجية الهائلة، وطبيعة التحالفات السياسية الاقليمية والدولية ، فقد أدى ذلك بالنهاية الى ظهور ساحات جديدة للصراع مثل الفضاء الإلكتروني ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وعليه فقد حان الوقت لمراجعة مفهوم اعداد ساحة العمليات الذي كان يتطلب الاحتفاظ بصورة مستمرة بحجم معين من القوات المسلحة، على درجة استعداد عالية موزعة في مناطق قريبة من مناطق الاهتمام ، والانتقال الى مفهوم أوسع وأشمل هو (اعداد بيئة العمليات ) ، وهو ما يستدعي تعاملاً عسكرياً على مستوى تلك التغيُّرات , واعدادا” مسبقا” لبيئة العمليات العسكرية وطبيعة الانفتاحات العسكرية السريعة .
في وقت اضاف انتشار وباء كرونا متغيرا” مؤثرا” على اسلوب وطبيعة وسرعة اعداد بيئة العمليات التي كانت كل من اطراف الصراع في الشرق الاوسط ، تسعى لإعدادها في اطار صراعها المحتدم على الساحة العراقية .. الأمر الذي قد يدفع طرفي الصراع الى ابقاء الوضع على ما هو عليه لحين الانتهاء من أزمة كورونا، وهذا خيار قائم” ولكن اذا ما استمرت الفصائل المسلحة الموالية لإيران في التعرض للمصالح الامريكية في العراق وسوريا ، فانه من غير المستبعد أن تقوم واشنطن بشن ضربة حاسمة تستهدف أذرع إيران في العراق وتنهي وجودها إلى حد كبير، وهذا يعد أحد أكثر الخيارات ترجيحا في الوقت الحالي” ، لاسيما بعد عمليات التحشد واعادة التموضع والانفتاح في كل من العراق والخليج العربي وصولا” الى نشر الولايات المتحدة لبطريتي صواريخ باتريوت في كل من قاعدة عين الاسد في الانبار وقاعدة حرير في اقليم كردستان .
ويعتقد بعض المراقبين أن مواجهة داعش في العراق ، قد تشكل فرصة نادرة للتقارب بين واشنطن وطهران ضمناً للتغلب على عدو مشترك”، ألا ان هذا الأمر يبدو مستبعدا” في الوقت الحالي مع سعي كلا البلدين لإعداد بيئة عمليات قتالية لحماية مصالحهما ونفوذهما على الساحة العراقية .
تعليق واحد