كنت اتابع يوم أمس على احدى مجاميع التواصل الحوار(المحتدم)بين جيلين يصغراني عمراً. جيل السبعينات،وجيل التسعينات من القرن الماضي. وكان ابرز ما يميز هذا النقاش،فضلاً عن حدته، هو عدم وجود ارضية مشتركة بين الطرفين بحيث كل طرف كان يرى في(الآخر) الضد الفكري والسلوكي. فكان الجيل الأكبر عمراً يرى في الشباب سطحية فكرية وعدم فهم لحقائق التاريخ ووقائع الحاضر التي يفهمها هو فقط بحكم قراءاته وخبرته! أما الشباب فكانوا ينتقدون لغة الخطاب المتعالي للكبار واعتقادهم انهم يحتكرون الحقيقة. وفي الوقت الذي ركز فيه الكبار على التاريخ،فأن الشباب ركزوا على الحاضر.
لقد كان واضحاً لي ان شبابنا(اقصد شباب العراق)، كانوا أكثر براغماتية وتركيز في فهم الواقع الذي نعيشه، وانهم كانوا اقل اكتراثاً بالثوابت واكثر ميلاً للنسبية. كما ان من الواضح انهم لا يعانون من ثقل الايدلوجيا التي غلفت فترة شبابنا(واقصد بشبابنا هنا فترة الستينات والسبعينات والثمانينات التي كان فيها الشحن الايدلوجي القومي والاممي والديني على أشده).
لقد نشأ جيلنا وجيل السبعينات في ظل أنظمة شمولية أجبرتنا من خلال عملية التنشئة الاجتماعية socialization عبر المدرسة والمسجد والعائلة والاعلام على تبني خطاب ايدلوجي موالي او معارض للنظام. هذه التنشئة الايدلوجية(القومية،او الاممية، او الدينية) القت بثقلها على تقويمنا للواقع وجعلت الايدلوجيا التي تبنيناها هي المرجع المرشد لكل تقويماتنا السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. فالاسلاميون يقيمون مايحصل من واقع فكرهم وهكذا يفعل القوميون والامميون. لذا فان اي سياسة او قرار هو اما يتوافق مع الاسلام(لدى الاسلاميون)،او مع الامة(لدى القوميون)، او مع مصلحة الكادحين(لدى الامميون).هذا فرض ثقلاً ناءت به عقول جيلنا وجعلتنا نتطيف في افكارنا،حتى بتنا طائفيون قوميون او اسلاميون او امميون. وصار من يفكر بغير طريقتنا مخطئاً (في احسن التقويمات) او خائناً او كافراً،او رجعياً(في أسوأ التقويمات)في نظرنا. وباتت الايدلوجيا هي النظارة التي ننظر من خلالها للجميع.
أما جيل التسعينات والألفية الثانية،فهو جيل تربى في ظل الحرية التي لم يألفها جيلنا،وبغض النظر عن تقويمنا ورؤيتنا لهذه الحرية. إنه الجيل الذي نشأ على الستالايت،والموبايل،والانترنت،ووسائل الاعلام المتعددة،والمدارس التي لا تنشد للقائد او الامة صباح كل يوم. أنه الجيل الذي لم يعرف التعيين المركزي،او الخدمة الالزامية،او الدولة الراعية للتعليم والصحة والكهرباء والماء والمواد التموينية والسيارات والوظائف ..الخ وكان عليه ان يشق طريقه بيده،ويأخذ المجازفة يومياً تجاه تجار الحروب والقنابل والسيطرات الوهمية وهو ذاهب لمدرسته او كليته. أنه جيل اكثر وعياً بواقع العولمة والرقمنة،واقل اعتماداً على غيره في حياته وخياراته. لذلك فأن هذا الجيل لم يسكت كما كان جيلنا يفعل تجاه الظلم والطغيان. وهو قرر ان لا ينتظر منة أحد أو مساعدة أحد،حينما نزل ليأخذ حقه في انتفاضة تشرين. إنه جيل ينظر للواقع من خلال المصلحة وليس من خلال الايدلوجيا كما كان(وما زال)يفعل جيلنا. إنه ببساطة جيل الحرية الفكرية مقابل جيل العبودية الفكرية(وهنا انا لا أنزه الحرية الفكرية ولا انسف كل شيء في العبودية الفكرية) .ان هذا لا يعني ايضاً ان جيلنا مخطىء على طول الخط، او ان (شبابنا) افضل من (شبابنا). انه يعني ان لكل جيل ظروف نشئة وتفكير مختلفين وان ايجاد ارضية مشتركة بين الاثنين تتطلب اول ما تتطلب فهم المنطلقات الفكرية للجيلَين. إنها دعوة للتواصل،لا التنافر، الجيلي .
888
طلب مني ان انقد المقال هذا بكلمات قليلة بما فيه من تجني على العقائديين الذين هم من قاوم الاحتلال وقدم الشهداء بقناعة ذاتية دفاعا عن الوطن بينما شباب تشرين حركت الاغلبية فيهم حب الذات والمصلحة الشخصية لذلك لما ازاحونا من قيادتهم تشتتوا و ظهر اكثر من ٤٠٠ اتجاه !!
المجتمع لا يتطور بجيل واحد انما بتكامل السلسلة فالكبير والايديولجي يمتلك من الخبرة والدراية أكثر من الشاب والشاب حيث يختار يكون القوة الضاربة للبناء و للتغيير وبخلافه فالحرية المطلقة لا عصمة لها لاحد وتولد الانانية وتسقط الحرمات وهذا واقعنا الان . الفرق بين الدفاع عن الوطن بما فيه من شباب والفرق بين الدفاع عن المصلحة الشخصية كبير .اليس كذلك