وجهت روسيا الأتهامات الى أوكرانيا بتصنيع و أحتمالية استخدام القنبلة القذرة في الصراع الدائر بينهما، وأعلنت على لسان وزير دفاعها (سيرغي شويغو): بأن أوكرانيا دخلت المرحلة الأخيرة من صنع قنبلتها القذرة
وأجرى وزير الدفاع الروسي محادثات هاتفية مع نظرائه الأمريكي والفرنسي والبريطاني والتركي والصيني والهندب والتي أعرب فيها عن مخاوفه المتعلقة بالاستفزازات المحتملة من جانب كييف باستعمال القنبلة القذرة. وكذلك أجرى رئيس اركان الجيش الروسي محادثات مماثلة مع نظرائه الأمريكي والبريطاني.
ونشرت وزارة الدفاع الروسية تقريراً ، يتضمن تفاصيل مخطط كييف بتفجير القنبلة القذرة، جاء فيه أن هدف الاستفزاز، هو اتهام روسيا باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وشن حملة قوية ضد روسيا في العالم، تهدف إلى تقويض الثقة في موسكو. ووجه التقرير الاتهام الى منظمتين أوكرانيتين بتنشيط البرامج لتصنيع قنبلة قذرة، وقال إن العمل عليها يقع في مرحلته النهائية.
رفضت أوكرانيا وحلفائها الغربيون وعلى رأسها الولايات المتحدة هذه المزاعم، وردت الاتهامات الى موسكو بخلق الذرائع والمبررات لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية وذلك بعد الهجمات المقابلة التي تشنها القوات الأوكرانية لاسترداد الأراضي التي استولت عليها القوات الروسية بخاصة مدينة (خيرسون) ذات الأهمية الاستراتيجية .
و تعتزم روسيا اثارة القضية في مجلس الامن خلال اجتماع مغلق وارسل سفيرها لدى الأمم المتحدة الى مجلس الامن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، رسالة يكرر فيها اتهامات روسيا لأوكرانيا ب (الاستفزاز) ، وانها تستعد لاستخدام قنبلة قذرة. وان موسكو تعتبر استخدام نظام كييف للقنبلة القذرة عملا من اعمال الإرهاب النووي.
منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية في شباط الماضي والمخاوف تتصاعد الى جنوح الصراع نحو احداث خطيرة لا تحمد عقباها ، لاسيما وسط اطلاق التهديدات الروسية باستعمال الأسلحة النووية لحماية سيادتها، وان مصطلح القنبلة القذرة قد دخل مؤخراً في سباق التصعيد والتحذير.
في هذه الورقة، سوف نسلط الضوء على ماهية القنبلة القذرة واختلافها عن الأسلحة النووية ، ونناقش إمكانات أوكرانيا التي تخلت عن ترسانتها النووية عام1994على تصنيع مثل هذا النوع من القنابل ، وأخيراً، هل تحاول روسيا النووية إيجاد التبريرات لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في الحرب !!
ماهية القنبلة القذرة
القنبلة القذرة: عبوة متفجرة تحوي على مزيج من المتفجرات التقليدية والمواد المشعة (النفايات النووية) التي سوف تنتشر على مساحات واسعة بعد عملية التفجير في المنطقة المنتخبة، والغرض الأساسي من القنبلة هو تلويث منطقة واسعة بمواد مشعة ، ما يجعلها خطرة على حياة المدنيين و لا تنطوي على انفجار نووي. ويعرف هذا النوع من القنابل باسم جهاز التشتيت الأشعاعي RDD ، أي جهاز تفجير ينشر واحداً أو اكثر من المنتجات السامة كيميائياً او بيولوجياً او أشعاعياً.
وتعد القنبلة، سلاح يقوم على مبدأي التلويث الاشعاعي للمناطق والمنشئات والممتلكات وإخافة ورعب افراد العدو سواء كان عسكريين ومدنيين نفسياً.
صممت القنبلة القذرة بشكل لتكون نواة القنبلة من المواد المتفجرة التقليدية وتحيط بها المكونات المشعة التي تنتشر عشوائيا وعلى نطاق واسع اثناء الانفجار.
وتستخدم هذه القنبلة تكتيكيا على نطاق محدود ، وتزيد قوتها التدميرية بزيادة حجم المواد المتفجرة والاشعاعية، تأثيراتها الأول الصدمة الناجمة من الانفجار، والثاني، اشعاعي يستمر لأمد متوسط الى طويل ويأخذ بنظر الاعتبار قرب او بعد الشخص من مركز الانفجار ومدة بقائه فيها
اما اطلاق القنابل القذرة وتفجيرها فوق المنطقة المراد مشاغلتها، فقد يتم بأحد الوسائل، المدفعية بعيدة المدى أو الصواريخ أو الطائرات .
يعتمد مستوى التلوث الذي تحدثه القنبلة القذرة على حجم المتفجرات وكمية ونوع المادة المشعة المستخدمة ووسائل الانتشار والظروف الجوية السائدة ، والأشخاص القريبين من موقع الانفجار هم الأكثر عرضة على الإصابة ويقل او يفقد تأثير المواد المشعة كلما ابتعدت عن مركز الانفجار.
ويمكن كشف الاشعاعات ونوع المواد المشعة باستخدام الأجهزة الخاصة المتيسرة لدى وحدات الصنف الكيمياوي للجيوش وكذلك وحدات الدفاع المدني.
وتعد القنابل القذرة واحدة من الأسلحة واسعة التدمير التي قد تلجأ اليها اطراف الصراع خلال العمليات العسكرية من اجل احداث تلوث اشعاعي في مناطق محددة ، لذلك تدخل في مجال أسلحة الدمار الشامل.
الغرض من القنبلة القذرة
الغرض الرئيسي من القنبلة القذرة هو تلويث منطقة جغرافية وساكنيها عبر الاشعاعات المباشرة وخلق حالة من الرعب النفسي بين صفوف المدنيين والعسكريين والتلوث الإشعاعي للمباني و الأراضي المحيطة واحداث الاضرار الناجمة عن التلوث الإشعاعي الذي يتسبب بأمراض خطيرة للأشخاص القريبين من مركز التفجير وانتشار الاشعاع. وتتحدد الحركة والتنقلات في المناطق الملوثة .
والهدف من القنبلة “القذرة” ليس تدمير المنطقة التي تصيبها، بينما يكون انفجار قنبلة ذرية عادية أقوى بآلاف أو حتى ملايين المرات من انفجار قنبلة “قذرة”، لذلك فالقنبلة “القذرة” لا تعد بحسب الخبراء، قنبلة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ويمكن أن تكون مجرد حاوية لمواد مشعة تركت في مكان عام وحتى محطات الطاقة النووية المتضررة يمكن إدراجها تحت قائمة هذا السلاح.
مخاطر القنبلة القذرة:
الخطر الرئيسي من القنبلة القذرة يأتي من انفجار المتفجرات التقليدية TNT بالدرجة الأولى ومن ثم الاشعاعاعات ، ويمكن ان يتسبب الانفجار في إصابات بالغىة وتدمير في الممتلكات و يتعرض الأشخاص القريبون من موقع الانفجار لكمية كافية من الاشعاعاعات قد تسبب اصابتهم بأمراض خطيرة . مع ذلك فان الغبار الذري قد ينتشر في أماكن ابعد ويكون خطرا على الصحة اذا استنشق الأشخاص هذا الغبار او تناولوا طعاماً او شربوا ماء ملوثاً وسوف يحتاج هؤلاء الى رعاية طبية
يكمن الخطر الأكبر في “القنبلة القذرة” بحجم الاشعاعات المتولدة التي لا يمكن رؤيتها أو شمها أو الشعور بها أو تذوقها، لذلك تنصح المراكز الصحية عامة باتخاذ إجراءات حماية فورية، أهمها تغطية الأنف والفم، وغسل اليدين فوراً إذا جرى لمس مواد لُوّثت بالإشعاع.
ومع أنّ أثرها الإشعاعي محدود، إلا أنّ انتشارها يتأثر بالظروف الجوية السائدة في المنطقة المضروبة، وتترك آثاراً على المدى الطويل، وقد يتطلب التطهير اللاحق للمنطقة المصابة وقتاً وتكلفة كبيرة، لذلك فهي تقتل ببطء وبصمت أكبر.
الاختلافات بين القنبلة القذرة القنبلة النووية
يختلف هذ النوع من القنابل عن نظيرتها النووية، فهي تعد بدائية التركيب وتستعمل لنشر الرعب النفسي بين افراد العدو ، كما يعرقل الانتشار العشوائي للمواد المشعة إمكانية الحركة والتنقل و يستوجب تطهير المنطقة الملوثة اشعاعياً. وتأثيراتها محدودة بالمقارنة بالقوة التدميرية الهائلة للسلاح النووي
وثمة فروق كبيرة بين القنبلتين؛ فالقنبلة القذرة تتكون المادة المتفجرة فيها من مزيج المتفجرات التقليدية والمواد المشعة، ويكون دورها إحداث أكبر ضرر وجراء هذا التفجير تنتشر المواد المشعة التي تحويها. أما القنبلة الذرية مثل التي أسقطت في الحرب العالمية الثانية على هيروشيما وناغازاكي فهي قنبلة تحوي مواد انشطارية ذرية تولد قدرًا هائلًا من الطاقة وتخلّف غيمة نووية تشبه الفطر وتولد حرارة عالية وضغط شديد واشعاعات تنتشر على مناطق واسعة . كما ان التفجيرات النووية على المدن الحديثة ستقتل عشرات الملايين من الناس ولن يستغرق الامر أكثر من 10 ثوان.
إمكانات أوكرانيا المتوفرة لتصنيع القنبلة القذرة
توجد في أوكرانيا مؤسسات نووية منذ زمن الاتحاد السوفيتي السابق ، ينوفر فيها مخزون من المواد المشعة التي يمكن استخدامها في صنع القنابل القذرة، وهي ثلاث محطات نووية عاملة (جنوب أوكرانيا، وخميلنيتسكايا، وريفنينسكايا) ومحطة تشيرنوبيل النووية التي حدث فيها تفجيرات نووية عام 1986 ومازالت تتواجد فيها مرافق تخزين النفايات المشعة.
كما وأن مصنع «فيكتور» لمعالجة النفايات المشعة الذي تم إنشاؤه مؤخراً ومصنع «بريدنيبروفسكي» الكيميائي، ومواقع التخلص من النفايات المشعة: «بورياكوفكا»، و«بودليسني»، وروسوخا»، يمكن أن تتسع لأكثر من 50 ألف متر مكعب من النفايات المشعة التي يمكن استخدامها في صنع القنبلة القذرة. ويقوم مصنع «فوستوتشني» للتعدين والمعالجة بتعدين خام اليورانيوم.
كما تمتلك أوكرانيا القاعدة العلمية الضرورية، بما في ذلك في معهد خاركوف للفيزياء والتكنولوجيا الذي شارك علماؤه في البرنامج النووي السوفياتي، وحيث تعمل المرافق التجريبية، بما في ذلك أجهزة «أوراغان» النووية الحرارية، وكذلك معهد البحوث النووية التابع لأكاديمية العلوم في كييف؛ حيث يتم التعامل مع المواد المشعة.
نماذج بدائية فاشلة لاستخدام “القنبلة القذرة”
كانت المحاولة الأولى عام 1995 ، حين اتصلت مجموعة من الشيشان بمحطة تلفزيون روسية، وأبلغوها أنّها زرعت “قنبلة قذرة” تتكون من الديناميت و”سيزيوم 137″ في حديقة إسماعيلوفسكي في موسكو، لكنّهم أخفقوا في تفجيرها.
وفي عام 1998، أبطلت الاستخبارات الشيشانية بالتعاون مع روسيا مفعول قنبلة قذرة كانت موضوعة قرب خط السكة الحديد في الشيشان.
وفي عام 2002، قبضت الولايات المتحدة على خوسيه باديلا في شيكاغو الذي كان على اتصالٍ مكثّف بـ”تنظيم القاعدة”، وذلك بتهمة التآمر لبناء وتفجير “قنبلة قذرة” في مدينة أميركية.
وفي عام 2003، عثر عملاء الاستخبارات البريطانية وخبراء الأسلحة على رسوم تخطيطية ووثائق مفصّلة في أفغانستان تُشير إلى أنّ “القاعدة” ربما نجحت في صنع “قنبلة قذرة”.
وفي عام 2004، قبضت القوات البريطانية على ديرين باروت وهو عضو في تنظيم القاعدة اتهم بالتخطيط لهجمات في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وهذه الاتهامات تشمل تفجير “قنبلة قذرة”.
الخلاصــــــــــــــــــــة : في نهاية البحث، نتوصل الى ان الامكانية العلمية والتصنيعية متوافرة لدى الجانب الاوكراني لتصنيع القنبلة القذرة مع عدم اغفال الخبرة الغربية وبالذات الامريكية في هذا المجال، وبأمكان اوكرانيا استخدامها كوسيلة ردع لمنع روسيا من استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في الحرب الدائرة بين الجانبين . كما وان تأثيرات استخدام مثل هذا النوع من القنابل محدود جداً وأقل بشكل كبير من تأثير الأسلحة النووية بنوعيها الاستراتيجي والتكتيكي.
ان الاهتمام الروسي المتزايد بهذه القضية ، يعد تصعيداً في سير الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ ثمانية أشهر، وان اتصالات القيادات الروسية المكثفة مع نظرائهم الغربيين والتحذير من استعمال القنابل القذرة، يدل على دقة المعلومات الاستخبارية التي توفرت للجانب الروسي عن نوايا الجانب الاوكراني في تصنيع و احتمالية استعمال مثل هذا النوع من القنابل ضد القوات والمدن الروسية . وبسبب توسع دائرة الاتصالات الروسية وعرض الموضوع على مجلس الامن الدولي، لا نستبعد قيام الجانب الروسي بإيجاد الذرائع والحجج لاستخدام السلاح النووي التكتيكي لحراجة الموقف العسكري الروسي بسبب إطالة مدة الصراع و الدعم الغربي الذي يقدم الى أوكرانيا.