“هل تعود فرق الموت إلى العراق”.. تحت هذا العنوان نشرت قناة الحرّة الأمريكيّة يوم الأحد الماضي تقريراً مصوّراً عن احتماليّة عودة تلك المليشيات إلى العراق، وهي التي لم يضبطها دين أو قانون أو ضمير!
وذكر التقرير أنّ المليشيات قد تلجأ إلى استهداف شخصيّات عراقيّة معارضة لها للضّغط على المشهد السياسيّ، وبالذات مع رفض بعض المليشيات تكليف مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة المقبلة، أيضاً إلى احتماليّة اغتيال ناشطين في المظاهرات المستمرّة منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، والمتوقّفة مؤقتاً بسبب الوقاية من فيروس كورونا!
وفي التاسع من نيسان/ أبريل الجاري (2020) كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكيّة أنّ “المعلومات الأمنيّة المتوافرة لا تستبعد أن تلجأ المليشيات إلى إعادة إحياء تكتيكات وأساليب العصابات، أو ما يعرف بفرق الموت، وذلك من خلال محاولات شنّ عمليّات تحمل طابع مجموعات التطرّف العنيف”.
وذكر المسؤول هويات بعض هذه المجموعات، وهي “كتائب حزب الله” و”حركة النجباء” و”كتائب سيّد الشهداء” و”عصبة الثائرين”، وهذه المليشيات جزء من دوّامة الموت في بلاد وكانت تنعم بالأمن وهَيْبَة القانون!
فما هي “فرق الموت”، ومتى ظهرت، وما الجرائم التي ارتكبتها؟
بعد الاحتلال الأمريكيّ واستمرار حالة الصدمة بالقوّات الأجنبيّة التي تجوب الشوارع وتسيطر على مفاصل الدولة، بدأت ظاهرة الاغتيالات والجثث المجهولة تنمو في أرجاء المدن، وبالذات للشخصيّات المثقّفة وكبار رجال الدولة من المدنيّين والعسكريّين!
ومنذ تلك الأيّام بدأ الهمس بين الناس بالحديث عن “فرق الموت”، ولم يكن أيّ أحد يعرف من قبل بالتحديد منْ هي، ولمن تتبع!
الجامع لغالبيّة جرائم “فرق الموت” التي استمرّت لعدّة سنوات أنّ الضحايا قضوا بطلقة واحدة في الرأس، وهم مقيّدو الأيدي ومعصوبو الأعين، وعليهم آثار تعذيب قاسية!
وبمرور الزمن، وافتعال تفجير المرقدين في سامرّاء في شباط/ فبراير 2006، انطلقت “فرق الموت” بصورة علنيّة ومدعومة بفتاوى غير منضبطة، في محافظات بغداد وديالى والأنبار وغيرها، وسحقت الأبرياء، وخلّفت أكثر من 30 ألف قتيل في أقلّ من أسبوع!
وبعيداً عن أرقام الضحايا وهي بلا شكّ عشرات الآلاف، أتصوّر أنّ “فرق الموت” نشرت الفتنة الطائفيّة، ومزّقت اللّحمة المجتمعيّة في واحدة من أكبر المؤامرات التي وجّهت لأعماق الدولة والتي لم تتعاف منها حتّى الساعة، لاستمرار الكثير من قيادات “فرق الموت” وعناصرها في إدارة الدولة، وجميعهم اليوم أحرار طلقاء، يأمرون، ويسرحون ويمرحون بسيّارات حديثة، وحراسات رسميّة ضخمة!
المؤلم أنّ “فرق الموت” كانت تُدار من شخصيّات عراقيّة وأجنبيّة في وزارة الداخليّة، بحسب شهادة اللواء منتظر السامرائي الذي أكّد أيضاً في حوار سابق معي في العام 2006؛ أنّ عمليّات التعذيب يستخدم فيها الحرق بالموادّ الكيماويّة القاتلة والحارقة، وأنّه حتّى المجانين لم يسلموا من الاعتقال والتغييب!
وبغض النظر عن الجهة الأصيلة التي تقف وراء تشكيل هذا الكيان الخبيث في جسد المجتمع، فيمكننا القول إنّ المليشيات نفّذت جرائم بشعة كانت السبب الأبرز في هجرة أكثر من خمسة ملايين مواطن إلى خارج العراق، وبالذات مع انتشار “لواء الذئب” بقيادة أبو الوليد، وكذلك الفرقة الذهبيّة التي عرفت بين العراقيّين باسم “الفرقة القذرة”!
لا شكّ في أنّ “فرق الموت” ساهمت في تفتيت بنية الدولة والمجتمع عبر الاغتيالات والترهيب والتهجير، والاختطاف والسيطرة على ملفّات اقتصاديّة وتجاريّة، وعليه ينبغي على أيّ حكومة وطنيّة مقبلة العمل على:
- مُكافحة “فرق الموت” وفقاً للقانون، وهم اليوم ضمن الدولة العميقة والرسميّة، وبخلاف ذلك يمكن أن نتوقّع انقلاباً عسكريّاً قريباً لتلك المليشيات على “الدولة”، وساعتها سنكون أمام مواجهة مفتوحة ما بين محبّي الحياة والحاقدين على الإنسانيّة!
- إعادة فتح ملفّات “فرق الموت”، والبحث عن الذين أعطوا الأوامر بقتل علماء العراق وشبابه، والذين هَجّروا مئات آلاف العوائل داخل البلاد وخارجها، وتقديمهم للعدالة، وعدم التهاون معهم تحت أيّ ظرف أو عنوان!
فمنْ يُمْكِنه كبح جماح “فرق الموت” والمليشيات في العراق سيضع اللّبنة الأولى لتأسيس دولة المواطنة!
فهل سنجد منْ يجرؤ على هذه الخطوة؟