في مؤشر إلى مواجهة إيران مرحلة صعبة تفاقم أزماتها التي لا تنتهي، وكان آخرها تفشي كورونا، وقعت خلال المرحلة الماضية ولا زالت سلسلة من الانفجارات وعمليات التخريب والاغتيالات الممنهجة وغير المفهومة ، غالبيتها متقاربة زمنياً في أنحاء إيران ،وبدأت بالعودة خلال الأيام الأخيرة؛لاسيما الهجمات السيبرانية ،والذي أثارت معه الكثير من المخاوف والتكهنات، وفرضت احتمالات مستقبلية؛ هذه الأحداث كانت ضمن عدة مسارات ،نوجزها للاهمية على النحو التالي:
1- حرائق الغابات:
• شهدت إيران خلال الصيف الماضي موجة هائلة وخطيرة من حرائق الغابات والمراعي سواء من حيث مساحة هذه الحرائق أو إطالة أمدها الزمني، وهو ما جعل أجهزة الدولة تفشل في السيطرة عليها، ووفقاً للعقيد علي عباس نجاد قائد وحدة الحماية بهيئة الغابات فقد وقع 240حريقاً في الغابات والمراعي في 11محافظة خلال 74يوماً فقط .
اختلفت تصريحات المسؤولين حول أسباب هذه الحرائق، فقد صرح العقيد محبت خاني قائد وحدة حماية البيئة أن 90% من الحرائق سببها خطأ بشري غير متعمد وبعضها نتيجة خلافات شخصية، ويرى آخرون أن البرق والرعد أحد أسباب هذه الحرائق.
لا شك بأن سبب هذه الحرائق يثير إشكالية استهداف ناشطي وخبراء البيئة من قبل السلطات الأمنية ،كما حدث مع كاووس سيد إمامي عام 2017م، وكان آخرها مقتل ثلاثة وإصابة أخرين من خبراء البيئة أثناء محاولتهم السيطرة على حرائق غابات منطقة باوه في محافظة كرمانشاه، وخرجت تصريحات تدافع عن أن الحادث كان طبيعياً؛ فيما تشير تسريبات اعلامية عن وجود مخطط خارجي لاستهداف الامن الداخلي الايراني عبر افتعال هذه الحرائق.
2- انفجار خجير (بارشين) :
وقع هذا الانفجار الذي وصف بالضخم في شرق طهران في 25يونيو 2020م، وأرجعته الروايات الرسمية إلى انفجار خزانات نفطية في منطقة بارشين التي توجد فيها مصانع للذخيرة والصواريخ والمتفجرات، بينما تظهر بعض مقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية أنه وقع في منطقة خجير في طهران.
وتعود شهرة موقع بارشين إلى أن تجارب إيران النووية قد أجريت فيه بينما خجير يعد أحد مواقع الصناعات العسكرية ؛وفي مقدمتها الصاروخية، وكذلك الصناعات الفضائية التابعة لوزارة الدفاع، وتحتضن خجير مؤسسة الشهيد باكري الصناعية لإنتاج أنظمة الدفع الصاروخي ومجموعة الشهيد حشمت لصناعة الصواريخ البالستية.
وقد كان خبراء أمريكيون قد كشفوا في إبريل الماضي اعتزام إيران إنشاء منشأة نووية في قرية بارشين تحمل اسم ” الشهيد بروجردي”، مما قد يطرح تدويل هذه القضية.
3- انفجار مستشفى سينا أطهر:
• وقع هذا الحدث يوم الثلاثاء 30يونيو الماضي، وأدى إلى سقوط 19 قتيلاً وعشرات الجرحى إثر انفجار ضرب مستشفى سينا أطهر بمنطقة تجريش شمال العاصمة طهران، وذكرت وزارة الدفاع أن سبب الانفجار تسري من مستودع في منشأة لتخزين الوقود، وتسبب الحادث في تدمير جزئي في بعض المباني المجاورة وفقاً للإعلان الرسمي إلا أن الغموض لا يزال يكتنف هذا الحادث كغيره من الحوادث.
4- انفجار نطنز:
وقع انفجار نطنز الذي ينتج أجهزة الطرد المركزي بعد أسبوع فقط من انفجار خجير وتحديداً في الثاني من يوليو الماضي، ولايزال الغموض يكتنفه بالنظر إلى الروايات الرسمية المعلنة التي تختلف مع خرائط وكالة ناسا الفضائية ،حيث كشفت أن الحريق وقع في مكان وجود أجهزة الطرد المركزي، إلى جانب توقيت الحادث الذي أظهرته الخرائط، يتعارض مع توقيت الروايات الرسمية.
كانت مجموعة قد أطلقت على نفسها “فهود الوطن” قد أعلنت مسؤولياتها عن انفجار منشأة نطنز وموقع نووي آخر في مدينة كاشان في محافظة أصفهان وفقاً لما ذكره القسم الفارسي لإذاعة بي بي سي البريطانية، وزعمت المجموعة أن لها عناصر ناشطة داخل أجهزة الأمن والاستخبارات.
جدير بالذكر ان منشأة نطنز قد تعرضت لهجوم فيروس ستاكسنت عام 2011م مما قد يطرح احتمال وجود عمل تخريبي ومن ثم استهدافها مستقبلاً.
لم يقتصر الأمر على هذه الحوادث فقط فقد شهدت إيران حوادث أخرى مثل انفجار في محافظة سيستان وبلوشستان وخوزستان، وكردستان واغتيالات طالت نخب من عرابي البرنامج النووي والصاروخي والطائرات المسيرة ،اضافة الى نخب من الحرس الثوري ،وقادة لتنظيم القاعدة في قلب العاصمة طهران ،الى جانب عمليات قصف لطائرات مسيرة شبحية تنطلق من نفس العاصمة طهران تقصف وتعود دون ان يتم الكشف عنها ؛مما حدا بالرئيس السابق احمدي نجاد يقول بأن ايران باتت جنة للموساد الاسرائيلي .
لاشك بأن هذه العمليات الى جانب الهجمات السيبرانية على منشأت حساسة في ايران ،وغيرها قد أربكت النظام، ودفعته لتعزيز حراسة رموز النظام بسيارات مصفحة ومواكب حراسات .
الثابت ان أماكن الانفجارات وعمليات التخريب تشير إلى وجود مخططات سواء داخلية أو خارجية تستهدف إيران وبالأحرى نظامها ،حيث وقعت في مناطق حساسة مثل مواقع نووية أو محافظات حدودية تنشط فيها جماعات معارضة، ويتواجد فيها أقليات قومية ودينية يُعمل معها النظام آلاته وممارساته القمعية.
كذلك يعكس التتابع الزمني لهذه الحوادث فشل الأجهزة المعنية، والتضارب بينها ،وعجز الحكومة عن إدارة الأزمات وهو ما كشفت عنه أحداث عديدة من قبيل التعامل مع السيول وحادثة الطائرة الأوكرانية وغيرها ،مما يرجح حدوث المزيد من الحوادث خلال الفترة المقبلة، ويعززه النقمة على النظام ، والتنافس بين الحرس الثوري والجيش وكذلك بين اجهزة الامن والاستخبارات ؛خاصة مع وصول ابراهيم رئيسي ، اضافة الى تردي الأوضاع عموماً في إيران.
كما تطرح هذه الحوادث إشكالية ضعف عناصر الأمان والسلامة والرقابة في المنشآت النووية وغيرها من المنشآت مما يستشرف وقوع حوادث أخرى خلال الفترة المقبلة، وربما تؤدي هذه الانفجارات خاصة بارشين ونطنز إلى تدويل هذه الحوادث.
قد تتكشف معلومات جديدة حول الانفجارات الأخيرة بالتزامن مع تزايد التكهنات والافتراضات بوجود أنشطة عسكرية ونووية سرية مما يعني توظيفها واستغلالها سياسياً من قبل أمريكا واسرائيل في إطار تصعيدها وضغط هاعلى إيران.
ان مسألة صحة رواية وجود مجموعة “نمور الوطن” من عدمه ربما لا تنفي اختراق الأجهزة الأمنية سواء قوى الأمن الداخلي أو الحرس الثوري ومؤسساته من جهات خارجية وداخلية ،وهو ما يكشف عنه سقوط قتلى وعمليات اختطاف وإصابات بين صفوف الأمن وحرس الحدود بشكل متواصل وممنهج ،هذا الى جانب دخول اسلحة نوعية حديثة وذات تكنولوجيا نوعية عالية في عمليات استهداف الامن الداخلي الايراني ؛وهو ما اتضح من خلال اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زاده ،مما ينبىء بزيادة وتيرتها خلال المرحلة القادمة، وان تتخذ بعدا اوسع ،واكثر شمولا؛خاصة مع شن هجمات سيبرانية على السدود ومحطات الوقود ،وحديث المسؤلين الايرانيين عن “حرب مناخ مدمرة “باتت تتعرض له ايران بشكل ممنهج، مما قد ينذر بفيضانات وكوارث بيئية على نطاق واسع .