مفهوم حروب الجيل الرابع

1• كما أشرنا في الجزء الأول فإن الهدف من حروب الجيل الرابع هو إشاعة الفوضى في بلاد العدو المستهدف ودون تدخل عسكري من جيش البلد المهاجم إلا في نطاق ضيق جداً ومحدود بل قد يسلط الشعب في مفهوم حروب الجيل الرابع على حكومته أو يسلط الجيش على شعبه أو تتخلى الشرطة عن مهمتها الأمنية والنظامية لتكون أداة للخوف وسبيلاً للفوضى .
هناك من يعد الجيل الرابع من الحروب من أشكال حروب العصابات تشنها فواعل من غير دولة وتحركها دوافع أيديولوجية أو دينية أو بقصد الانتقام أو شهوة السلطة . وقد أطلق أسم حرب الجيل الرابع على الحرب على التنظيمات الإرهابية بحسب المفهوم الأمريكي .وطرفا الحرب في الجيل الرابع من الحروب هما جيش نظامي لدولة ما مقابل لا دولة أو عدو وخلايا خفية منتشرة في أنحاء العالم .
2• يقوم الجيل الرابع من الحروب على خلط الأوراق وبناء مساحات واسعة من الالتباسات المفاهيمية والثقافية والمؤكد أن حروب الجيل الرابع هي أكبر نقلة نوعية في تاريخ التخطيط العسكري لأن هذا الجيل الجديد من الحروب ينهي نسبياً أو واقعياً احتكار الدولة القومية لشن الحروب إذ باتت التنظيمات والمليشيات والجماعات تشن حروباً ضد دول ولم تعد الحرب تندلع بين جيوش فقط .
وكان المقصود من هذه الحروب الحالة التي تفقد فيها الدولة احتكارها للعنف وقوى الصراع والعودة إلى نماذج صراع كانت سائدة قبل الدولة المعاصرة .كما جرى في ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر ويجري حالياً في العراق وسوريا وغيرها .
3• إن زمن الحروب التقليدية التي تعتمد على الجيوش انتهى والآن هو زمن الجيل الرابع من الحروب الذي يهدف إلى إرباك الدول من الداخل وإحداث اضطرابات متواصلة بها لدرجة تدفعها دفعاً إلى مرحلة الدولة الفاشلة التي تسهل السيطرة عليها من أية جهة داخلية تخدم مصالح الجهة المحركة خارجياً وتحقق أهدافها وهو الاحتمال الأقرب للتصور والقابل للتنفيذ أو تتم السيطرة عبر الأطراف الخارجية بشكل مباشر وهو الاحتمال الأضعف في ظل بيئة النظام العالمي السائدة حالياً وأحد أهداف حروب الجيل الرابع في السنوات الأخيرة يتمثل في نزع الشرعية عن أنظمة الحكم من خلال عدة مراحل وكمايلي:
أ• تحريك جماعات وتنظيمات داخلية مدربة ضد النظام انطلاقاً من أن حدوث مواجهات بين قوات النظام ومؤسساته الأمنية وعناصر هذه الجماعات واستدراج هذه العناصر لارتكاب خروقات أمنية وتجاوزات تتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية الخاصة بالحريات العامة وحقوق الإنسان وغير ذلك .
ب• توثيق ذلك كله ونشره على نطاق واسع من خلال وسائل إعلام متعاونة لهذا الغرض .
ج• تلي ذلك مرحلة الضغوط الدولية عبر الدول الكبرى والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني للضغط على الأنظمة والحكومات باستخدام المواد المنتشرة التي وظفت لتهييج الرأي العام إقليمياً ودولياً
د• العمل بكل الطرق لممارسة الضغوط الدولية من خلال قلب الحقائق وتزييفها وفبركة الصور بأستخدام تقنيات حديثة وتوظيف الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي في تناقل هذه الصور والأفلام المصورة من أجل جلب نوع من التحقير والإدانة الشعبية الدولية لأي نظام تمهيداً لإضعاف موقفه وإخضاعه سياسياً لأهداف خارجية يتم تنفيذها بأيد داخلية أو إسقاطه نهائياً وتغيير أنظمة الحكم من دون تدخل عسكري وتصوير الأمر برمته بوصفه حراكاً داخلياً في الدول لا علاقة للقوى الكبرى به أو استنزاف دول ما من خلال إجبارها على توجيه مواردها كافة لمواجهة الاضطرابات الداخلية المفتعلة والأنشغال بذلك عن التنمية والأستجابة لمتطلبات التفاعل الدولي .
4• هناك العديد من الأمثلة المتنوعة على حروب الجيل الرابع مثل الحرب ضد الإرهاب والصراعات داخل الدول الفاشلة والحروب الأهلية والنزاعات العرقية وتعاني منها غالباً المناطق والدول التي ما تزال تعاني الفشل في الاستجابة للتحديات الداخلية التي تواجهها والأنظمة الفاسدة
التي تجمدت وتوقفت عن اللحاق بركب التنمية والتطور بشكل يسمح بنفاذ التدخلات الخارجية إليها.
باقي التفاصيل في الاجزاءالقادمة أن شاء الله