في أحد الاجتماعات التي تكرست للحديث عن اعتماد العراق على التنمية الوطنية بشكل متوازن مع التنمية في الوطن العربي، وضرورة إيجاد تخصص نوعي تبعاً لتوفر المواد الخام في كل قطر عربي على نحو يفوق ما لدى الاقطار العربية الأخرى، تحدث الرئيس الشهيد صدام حسين باستفاضة وتوسع وعمق قومي، فأشار على نحو خاص إلى أربعة مشروعات بقيت محل بحث مع عدد من الأقطار العربية، كي يحصل التكامل الاقتصادي العربي وعدم الدخول في تنافس بين الدول العربية في مشاريع متشابهة الانتاج والتخصصات، وعدّد أهم هذه المشروعات والتي قال إن اتصالاتنا لم تؤد إلى النتيجة التي كنا نتوخاها، ولهذا أدرجناها في مشاريعنا للخطط التنموية وهي:
أولا: مشروع المجمع البتروكيمياوي، وهو المشروع الذي كان محددا له أن يقام وفقا للخطط الاستثمارية التي أعدّها مجلس التخطيط، وقال الرئيس الشهيد، لقد أجرينا اتصالات مع المملكة العربية السعودية كي ننسق خطط إقامة المجمع البتروكيمياوي، وعرضنا عليهم أن يلبي المجمع المقام أو المجمعات التي يخططون لإقامتها في السعودية لمتطلبات السوق العربية كلها، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الجزائر تخطط لإقامة مشروع مماثل أيضا، وحاولنا أن نجد حلا لهذا التنافس المقبل عن طريق التنسيق في حجم كل مجمع وطاقته، وحتى في هذه النقطة أخفقنا لأن السعودية تمسكت بحقها برسم برامجها التنموية وإقامة مشاريعها على وفق ما تقتضيه مصلحتها الوطنية، فاضطررنا لطي هذه الصفحة.
ثانيا: مجمع الحديد والصلب، لقد أقامت مصر مجمعا للحديد والصلب في حلوان قرب القاهرة، ولأننا ننظر نظرة قومية في التخطيط الاقتصادي، فقد عرضنا على الجانب المصري تدارس تطوير الطاقة الانتاجية للمجمع كي لا نضطر لإقامة مجمع خاص بنا، لا سيما وأننا لم نكتشف وجود الحديد الخام في الأراضي العراقية حتى الآن “هذا الحديث نهاية عام 1972″، وأن مصر لديها خامات الحديد من دون أن نعرف حجم احتياطياته وإلى أي وقت ستكفي لإدارة المشروع، ولأننا لم ننجح في إقناع الجانب المصري بوجهة نظرنا هذه، فقد عقدنا العزم على إقامة مجمع للحديد والصلب في البصرة على الرغم من عدم توفر الحديد الخام لدينا، ولكننا سنستورد الحديد “السكراب” من أي مكان نعثر عليه لحين استكمال عمليات البحث والتنقيب التي تقوم بها شركة يوغسلافية متخصصة، عن مختلف الخامات والمعادن في محافظة الأنبار، والنتائج واعدة على كل حال، إننا نعتقد اعتقادا جازما بأن مجمع الحديد والصلب هو أساس كل نهضة صناعية طموح لأي بلد يريد الخروج من عالم التخلف.
ثالثا: المرسى الجاف، دخلت البحرين مع دبي في سباق لإقامة الرصيف الجاف من أجل صيانة السفن وإصلاحها، وكان العراق يريد دعم الاقتصاد البحريني وذلك بتنويع موارد هذا البلد الصغير، وتعزيز أنشطته المختلفة حتى لا يبقى معتمدا على النشاط المصرفي لوحده، لأن هذا النشاط غير مضمون ويرتبط بالظروف السياسية والأمنية في المنطقة والعلاقات السياسية التي تربط البحرين مع مختلف دول العالم، علينا أن نتذكر أن البحرين مستهدفة من قبل إيران ويمكن أن يحرك الشاه أتباعه في هذه الجزيرة الصغيرة، مما قد يؤدي إلى نسف المرتكزات الاقتصادية غير الأصلية والعميقة الجذور، نحن لم نفكر حتى الآن بإقامة مرسى جاف، حرصا على اقتصاد البحرين، ولكننا إذا لم نلمس استجابة من دولة الامارات العربية والبحرين في تنسيق جهودهما في هذا المجال، فقد نضطر لإقامة هذا مرسانا الوطني في أم قصر لتغطية حاجاتنا المحلية وما يرتبط بتجارتنا الخارجية.
رابعا: مجمع الألمنيوم، يبدو أن البحرين تريد تنويع مصادر دخلها، وهذا شيء يسعدنا كثيرا، ويبدو أن المجمع المزمع إنشاؤه يعتمد على توفر الخامات المحلية، ومع أننا لم نحط علما بتفاصيل المدخرات البحرينية من هذه المادة.
نحن في العراق هناك مؤشرات واعدة على توفر خامات الألمنيوم في محافظة ذي قار وحصرا في الأهوار، ونحن لم نضع حتى الآن في برامجنا أي خطة لإقامة مشروع لإنتاج الألمنيوم على الرغم من أهمية هذا المجمع لكثير من الصناعات المستقبلية وفي مختلف التخصصات، مع أننا لا نعرف على وجه الدقة مدى استجابة المجمع البحريني لمتطلبات الأمن الصناعي العربي.
وقال الرئيس الشهيد في آخر حديثه، هناك مجالات رحبة للصناعات النسيجية في الوطن العربي، ففي مجال النسيج القطني تقف مصر في المقدمة وتأتي من بعدها كل من سوريا والمغرب، إلا أننا ما لم نتوصل إلى اتفاقيات ثنائية وعلى المستوى الجماعي، فإننا ماضون في إقامة المزيد من مشاريع الغزل والنسيج القطني والصوفي، فالسوق العراقية سوق في غاية النشاط ولا يمكن حصر احتياجاتها في الاستيراد فقط، فضلا عن أننا نمتلك مشاريع عريقة في مجال النسيج في بغداد والموصل، ونسعى لتطويرها بكل ما نمتلك من قدرة.
من كتابي “جسر الإعلام وعربات السياسة” المخطوط والمعدّ للنشر.
1٬133