كان يكدٌ ويعمل بأي فرصة عمل تصادفه مهما كانت بالرغم من انه خريج جامعي ويحمل شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال لكنه لم يجد مكانا وظيفيا في بنك او مؤسسة تستثمره ، فالوظائف في العراق باتت محصورة على الاحزاب ومنتسبيها واقرباء قادتها وزعاماتها ، او ان يدفع مبلغا من المال بالدولار الامريكي لمن يتوسط له ليحظى بوظيفة في دوائر الدولة ، ولكنه لايقوى على دفع المبلغ المطلوب ، فمن اين ياتي به وهو المعيل الوحيد لاخواته الثلاث ؟
آثر ” سلام ” على نفسه ان لايتزوج وهو الشاب الذي بلغ عمره الخامسة والثلاثين ليكون مسؤولا عن رعاية اخواته وتلبية احتياجاتهن ، كان غيورا ووطنيا يتحدث مع اصدقاءه بحرقة عالية على مايجري في البلد من نهب للثروات وفساد وتخريب ، مثلما كان ممتعضا جدا من الهيمنة الايرانية على مقدرات البلاد ، بل انه دعا امام كاميرا تلفزيونية لاحدى المحطات العراقية الى ثورة عارمة تطيح بالطبقة السياسية وتغير نظام الحكم برمته ، وكأنه كان خطيبا او قائدا تجاوز وعيه وادراكه لمن هم بمثل عمره ..
في خيمة متواضعة بساحة التحرير وسط العاصمة بغداد كان ومجموعة من اصدقاءه يفترشون الارض ، فهم اوائل الشباب المتقد غضبا الذين وصلوا الى الساحة بعد ان جالوا في شوارع واحياء بغداد الرئيسة في الاول من شهر اكتوبر وهو اليوم الذي اندلعت فيه التظاهرات ، حتى اصبح واحدا من رموزها البارزين والمعروفين لانه كان يتكفل بعمل اي شيء يطلب منه كما كان حريصا على تنظيم الصفوف وكتابة الشعارات وغير ذلك كان مسعفا للمصابين بالاطلاقات الحية التي تطلقها قوات مكافحة الشغب والميلشيات التي ترافقها ..
ذات ليلة كان قد خطط مع من معه بالزحف في صبيحة اليوم الثاني باتجاه (جسر الجمهورية) وهو الجسر الذي يعبر نهر دجلة ويربط بين ساحة التحرير وبين (المنطقة الخضراء) التي تحتلها السلطتين التنفيذية والتشريعية في الضفة الاخرى من النهر وقرروا السير بالتظاهرات ومواجهة رصاص العسكر ليفتحوا ثغرات في الحواجز الكونكريتية الثلاثة الموضوعة على الجسر والتي تحول دون عبورهم الى المنطقة الخضراء ..
كانت الجموع الشبابية الحاشدة هائجة لايستطيع ان يوقفها احد فتمكنوا من فتح ثغرة في الحاجز الاول وتراجع العسكر الى الحاجز الثاني بينما كان اطلاق الرصاص كالمطر … وهنا صرخ سلام باعلى صوته “بالروح .. بالدم .. نفديك ياعراق..” ولما التفتوا اليه زملاءه وجدوه والدماء تسيل من كتفه الايمن !
مازال الشاب الثائر سلام حي يرزق واصابته يتعافى منها ، ومازال يتوعد بالعودة الى ساحة التحرير ..
تعليق واحد