هلال سايكس بيكو

مرة أخرى وكما في كل مرة اختلف المسلمون على تحديد الأهلّة وبداية الشهور الهجرية ونهاياتها لمعرفة المناسبات الدينية، وخاصة بداية شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، أو شهر ذي الحجة ومعرفة تاريخ وقفة عرفة ويوم النحر أي عيد الأضحى المبارك، وكذلك بداية شهر المحرم الحرام ومطلع السنة الهجرية أو هلال ربيع الأول لتحديد يوم المولد النبوي الشريف.
ابتداء سأترك الاختلافات السياسية التي لا تحلّها النوايا الطيبة أو رؤية عيانية حتى لو كان الهلال قد تكوّر وأصبح بدرا، فهذا داء ما له من دواء ولو جئنا له بأمهر النطاسين، فهو أمر يتعلق بقوة البصيرة وليس بقوة البصر، أذكر يوما أنني قرأت فتوى لخميني يتحدث فيها عن اتجاه القبلة التي على المسلم أن يتوجه إليها إذا ما هبط على سطح القمر يوما، وأسرف في الشرح وتقديم الأدلة الشرعية على ذلك، ثم اختتم فتواه بالقول (وعلى الأحوط والله أعلم) مثلما يفعل رجال الدين الشيعة في أحكامهم وفتاواهم، وعلى العموم إن استباق مسيرة التطور في علوم الفضاء في إيران أو غيرها من الدول الإسلامية، مما يعد استباقا أسرع من سباق التسلح في إيران اليوم وهو أمر مستحسن وعلى الأحوط بل هو أمر مستحب.
ولكن ما يحيّر المراقب المسلم الحريص على توحيد كلمة المسلمين أن خميني ذهب إلى قضية تعدّ في حساب المسيرة العلمية لإيران من القضايا التي تكتنفها صعوبات جمة تقترب من حد الاستحالة، في حين أغفل أمرا متاحا اليوم على أعلى درجات الالحاح وهو إصدار الفتوى بجواز الاعتماد على الحسابات الفلكية في رؤية الأهلة، فقد أصرّ هو وغيره من رجال الدين الشيعة على حصر الأمر بالرؤية العيانية مع أنهم من أكثر الناس انزواءً في سردايبهم المظلمة مما أفقدهم قوة البصر والبصيرة معا، وهذا ما ينزع عنهم أهلية الحسم في أمور كهذه.
هذه أمور فقهية لست مهيئا للخوض فيها، لأنني كما أنا على يقين بأنّ رجل الدين إذا أدخل نفسه في السياسة أفسدهما معا، أؤمن أيضا بأنّ السياسي لا يصلح لوظيفة الإفتاء الديني ما لم يمتلك أدواتها الشرعية، وإلا سيحولها إلى جسر يعبر فوقه لتحقيق مآرب شيطانية أو رافعة لإيصاله إلى مناطق لا يستطيع الوصول إليها من دون ارتداء لبوس الوعاظ الصالحين.
لكن ما أريد مناقشته في هذا الموضوع هو ما تفرضه حدود الجغرافية السياسية للدولة الوطنية سواء في الوطن العربي أو العالم الإسلامي، فنحن نعرف أنّ الدولة الإسلامية كانت دولة واحدة لا تفصل بينها حدود سياسية، فهذه من نتائج الاستعمار الغربي الذي عانى منه العالم الإسلامي لزمن طويل وأقام الحدود بين الدولة الواحدة.
الدولة الإسلامية وحتى أثناء الخلافة الراشدة كانت لا تفرض يوما واحدا على كل مدن الحجاز المتقارب المدن بسبب عدم إيصال المعلومة بسرعة من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة والطائف وجدة، وذلك بسبب عدم توفر فرصة رؤية الهلال في وقت واحد لأسباب تتعلق بصفاء الجو، أو عدم وجود أجهزة الاتصال السريعة وهنا لا أقصد الاتصالات الهاتفية، وإنما لانعدام البث الإذاعي والتلفزيوني حتى عقد الأربعينات أو الخمسينات من القرن الماضي، أذكر هنا أننا كنا في قرية (طويبة) التي تبعد عن ناحية بلد التابعة لقضاء سامراء لواء بغداد، ببضعة كيلومترات في نهاية الأربعينات وعندما لم يكن جهاز الراديو متاحاً على نطاق واسع، كان أمر تحديد بداية شهر رمضان ونهايته مناطا بسكان القرية نفسها، وما أكثر ما تأكد خطأ القرار بسبب عدم صفاء الجو لتلبدّه بالغيوم أو بالغبار.
لكننا بتنا اليوم نعاني من اضطراب آخر في تحديد بدايات الأشهر الهجرية ونهاياتها ويا ليتها ظلت ترتبط بانعدام الاتصالات أو المواصلات حتى داخل الدولة الواحدة مما يتسبب بمشاحنات قد تتحول إلى صدامات يسقط فيها ضحايا، نحن اليوم إزاء مشكلة حدود الدولة الوطنية القائمة على حدود خارطة سايكس بيكو، ولنضرب مثلا بسيطا في هذا الخصوص، فلو أن الرؤية الشرعية حصلت بصورة كاملة، في مدينة القائم العراقية وألزمت تلك الرؤية العراق بتحديد المواقيت، فهل تلزم تلك الرؤية الدولة السورية القريبة من القائم على سبيل المثال، لأن الهلال لم تتم رؤيته في أية مدينة سورية متاخمة للقائم أو في أراضي الدولة السورية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو؟ وما يصح في هذا المثال على كل من العراق وسوريا ينطبق تماما على كل الدول التي رُسمت حدودها بموجب اتفاقية سايكس بيكو.
هناك مدن متقاربة جغرافياً بين دول عربية مختلفة وربما المسافة بينها لا تتعدى كيلو متر واحد أو اثنين، في حين تبعد عن العاصة بمئات الكيلو مترات وربما أكثر من ذلك كما هو الحال في الحدود العراقية السعودية أو الحدود المصرية الليبية أو المصرية السودانية.
فهل من حل علمي يتيح للمسلمين تجنب الخلافات السياسية أو المذهبية ويعتمد على العلوم الفلكية في تقرير مطالع الأشهر الهجرية ولا يعطي الفرصة لمن يريد النيل من المسلمين في مفردة حلها ميسور إلى حدود بعيدة بقرار يجمع عليه علماء الدين، وعندما أتناول هذا الموضوع فإنني أعرف تماما أن إيران خارج التاريخ والزمن والجغرافية وما تزال تدور في فلك البحث عن القبلة على سطح القمر، وأقصى ما تفكر فيه أن توسع مداركها لتحديد اتجاه القبلة على سطح المريخ أو ربما على سطح الشمس.
متى نحرر قمرنا من بنود اتفاقية سايكس بيكو؟
ألا تصلح المدينة المنورة أو مكة المكرمة مكانا لإقامة مرصد فلكي يقرر الأهلة على أن يسبقه اجتماع سياسي على مستوى منظمة التعاون الإسلامي يتفق فيه ممثلو الدول على الالتزام بما يقرره ذلك المرصد ويمكن أن يكون لكل دولة عالم فلكي فيه وعلينا أن نبعد رجال الدين عن أمر كهذا.
أنا حزين لأن المسلمين لم يحتفلوا في يوم واحد في عيدهم.

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى