هل العلاقات الدولية متوترة ومتأزمة وتتجه نحو التصعيد ؟

1• العلاقات الدولية وصلت الى قمة تأزمها وتعكس المقوّمات التي كانت عليها الدول قبل انفجار الحروب الكبرى في القرنين الماضيين وهناك قوى جديدة شارفت على مرحلة الخروج من المستويين الوطني والإقليمي الى العالمية القطبية. مع قوى لا تزال تمسك بالمرجعية الاقتصادية والعسكرية للعالم، لكنها بدأت رحلة تراجع قوية، قد تفقدها حتى الشراكة في النظام القطبي الجديد.
2• اليوم على المستوى العالمي الصمود الأساسي هو صيني عالمياً وإيراني اقليمياً على مستوى منطقة الشرق الاوسط مع توثب روسي يشبه نمراً يصحو من نوم طويل، أما اوروبا اليوم فتتمنى العودة الى حضن المرجعيات الدولية، بأستثناء المانيا التي تحوز على المواصفات الاقتصادية دون المواصفات العسكرية وعليه فإن معظم بلدان القارة العجوز لم تعد تمتلك مواصفات جيوبوليتيكية.
هل هذا يعني ان الأوضاع العالمية هي بين احتمالين: اعادة انتاج نظام عالمي جديد أميركي صيني روسي او باتجاه صناعة حروب عسكرية واقتصادية لعرقلة الصاعدين الصيني والروسي وايران إقليمياً وتزخيم الأحادية القطبية الأميركية؟
واقع الحال يكشف ان الاميركيين متجهون الى خيار الحروب والخنق الاقتصادي أمام الصين تحديداً وايران ثانياً. فمكاتب الدراسات الاكاديمية الاميركية تجزم ان الصين هي القوة الاولى الوحيدة التي بإمكانها السيطرة على العالم اقتصادياً في العام 2030، اي بعد نحو عقد من
الزمن ما يجعل النصف الأول من هذا العقد حتى 2025 ميداناً لصراعات عنيفة بالمباشر والوكالة الى جانب الحرب الاقتصادية المفتوحة على كل ما هو صيني.

3• بالمباشر يستهدف الأميركيون كل ما يتعلّق بالسلعة الصينية، محاولاً الإساءة الى السلع الصناعية واتهامها بأنها تحتوي على جراثيم لا تظهر على المستهلكين إلا بعد مدة طويلة من الزمن، لذلك فإن هذه المحاولات تريد فرض تراجع على الصادرات الصينية في سوق أميركية تستهدف ربع استهلاكها منها، وسوق اوروبية تستورد ربع وارداتها منها أيضاً.
كما تصيب بتحذيراتها أسواقاً كثيرة تعتمد على الصين في كندا وأستراليا والشرق الأوسط. لكن هذا الاسلوب لا يكفي لضرب بنيوي في الصادرات الصينية، فيذهب الاميركيون نحو إعادة تأسيس أحلاف سياسية في مختلف انحاء الأرض، تبدو وكأنها محلية إقليمية فيما تتركز أبعادها على ضرب الاقتصاد الصيني وخنقه بما يؤدي الى انفجار الدولة الصينية في عجزها المفترض عن تلبية حاجات سكانها.
أين توجد هذه الأحلاف وما هي مهامها ؟
الأول هو التطبيع العربي الإسرائيلي (الحلف العربي الإسرائيلي ) الذي لا يكترث لإيجاد حلول لقضية فلسطين، بل لتأسيس علاقات عميقة بين العرب والكيان الاسرائيلي لتشديد الحصار على إيران. هنا يبدو الهدف مزدوجاً وهو أولاً ضرب ايران بما هي دولة اقليمية نوويه صاعدة نجحت على الرغم من الحصار الاميركي الاوروبي المفروض عليها بإدراك مرتبة الدولة الصناعيةالنوويه ذات النفوذ الإقليمي في الشرق الاوسط .
وهناك مزايا إيرانية إضافية تشكل خطراً على الجيوبوليتيك الاميركي وأولها معاهدة التعاون التي عقدتها إيران مع الصين بمدى زمني 25 سنة وبكلفة مادية قد تزيد عن 600 مليار دولار.
4• ان الصين وايران حلف له علاقة أساسية بالصراع على النظام العالمي الجديد، فوضع الأميركيون في وجه ايران الحلف العربي الإسرائيلي الذي يخدم اميركا بمنع الصين من الدخول الى الفضاء العربي والإسلامي الواسع، ويواصل حصار إيران اقتصادياً ومذهبياً وعرقياً من جهة فيخدم بذلك الولايات المتحدة بقطبيتها و»اسرائيل» المصرة على إنهاء القضية الفلسطينية واستغلال الاقتصاد العربي الواسع الأمر الذي يدفع الى التساؤل عن طبيعة المصلحة العربية في هذا الحلف وهي بالتأكيد ليست موجودة على مستوى الشعوب بل لحاجات الأنظمة المحلية الضعيفة المحتاجة لمن يحميها من شعوبها أولاً ومن ثم إيران ثانياً مع اهداف اضافية بوقف غزو السلع الصينية للعالم العربي والإسلامي .

5• أن الأسوار الأميركية في وجه الصين تمتد أيضاً الى أفريقيا، حيث تتعاون هناك مع أوروبا لوقف التقدّم الصيني الى دولها عبر السلع الرخيصة .
وهنا تلعب فرنسا دوراً مركزياً بالإضافة الى بريطانياً، فكلا البلدين لديه علاقات تاريخية مع دول أفريقية معينه ، بما يجعل الاميركيين متأكدين من إقفال أبواب اوروبا والعالم الاسلامي وأفريقيا في وجه البضائع الصينية.
إلا ان الأميركيين لا يكتفون بالحروب الاقتصادية ويذهبون الى بحر الصين وآسيا الوسطى لإيقاع حروب عسكرية بين اليابان والهند وباكستان وكوريا الجنوبية مع الصين، للتدخل فيها حتى عسكرياً، هذا الى جانب محاولات إثارة الخلافات بين الصينيين على مستوى التعددية العرقية واللغوية والدينية، منها محاولات السعودية والإمارات وباكستان تحريض أقلية اقليم الأيغور الصينية الاسلامية على الدولة الصينية حيث انها تتعرض للاضطهاد اقتصادياً ودينياً من الصين .
بذلك يدفع الأميركيون الصين نحو دائرة من الاتهامات بتلويث العالم صناعياً، وضرب الأقليات الاسلامية ومحاولة السيطرة على الدول والاقاليم لتأمين هيمنتها الجيوبوليتيكية.
فهل تسكت الصين وتصمت إيران؟ وماذا عن روسيا التي تبدو متفاعلة عن عمد وليس لإصابتها بعمى الوقت ؟

6• هناك من يعتقد باحتمال نشوب صدامات عسكرية محدودة بين الصين وإيران واميركا في بحري الصين والخليج العربي قد تتطور نحو الأسوأ، لكنها لن تؤدي الى الغاء النظام العالمي المقبل، ولا الى ضرب وانهاء الدور الإقليمي الكبير لإيران، فهذه محاولات أميركية أخيرة لن تكون اكثر فاعلية من حروب أميركية في افغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن التي أدّت الى ملايين القتلى ولم تسهم بوقف التراجع الأميركي المستمر .
ولولا دفع الله الناس بعظهم ببعض لفسدت الأرض
وإلى الله ترجع الأمور.